ما أشبه الليلة بالبارحة

يتشابه التراجع الحالي لأسعار النفط مع التراجع الحاصل بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وينحصر الاختلاف بين التراجعين في مسبباتهما. وجاء التراجع الحاد في نهاية عام 2008 بسبب الصدمة القوية في الطلب على النفط، حيث تسببت الأزمة المالية العالمية في إحداث ركود اقتصادي قوي خفض من الطلب على المواد الأولية بما في ذلك النفط، بينما جاء التراجع الحالي نتيجة لصدمة العرض، حيث ارتفع العرض العالمي من النفط بنسب تفوق كثيرا نمو الطلب. وتسبب هبوط أسعار النفط الحاد في نهاية عام 2008 - الذي استمر في العام التالي - في خفض متوسط سعر النفط العربي الخفيف من نحو 95 دولارا في عام 2008 إلى نحو 61 دولارا في عام 2009 منخفضا بنحو 35.5 في المائة. وأدى تراجع الأسعار وتناقص حجم الصادرات النفطية بنحو 13.2 في المائة إلى خفض إيرادات النفط الحكومية بنسبة قاربت 56 في المائة في عام 2009، كما نتج عنهما تراجع أنشطة الناتج المحلي الاسمي لقطاع النفط والغاز بنسبة 41.1 في المائة. وخفض هبوط ناتج النفط والغاز للناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 21.6 في المائة في عام 2009، لكن نمو القطاعين الخاص والحكومي خفض التراجع الذي تسبب به قطاع إنتاج النفط والغاز إلى 17.5 في المائة.

وسجلت أسعار النفط في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2014م مستويات مرتفعة لكنها تهاوت في الثلث الأخير من السنة. وقد نتج عن هذا تراجع متوسط الأسعار السنوي لسعر النفط العربي الخفيف عن مستويات الأعوام الثلاثة السابقة، لكنها ظلت عند مستويات جيدة نسبيا للعام كله. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط سعر النفط العربي الخفيف في عام 2014 نحو 97 دولارا للبرميل، وذلك وفقا لتقديرات معد المقال، وهذا المستوى قريب من مستويات متوسط أسعار النفط في عام 2008. وتراجعت أسعار النفط في نهاية عام 2008 إلى مستويات الثلاثينيات من الدولارات للبرميل ثم ارتفعت بعد ذلك حتى بلغ متوسط سعر النفط العربي الخفيف في عام 2009 نحو 61 دولارا للبرميل. وتمر أسعار النفط في الوقت الحالي بمرحلة ضغوط قوية على الأسعار بسبب استمرار فائض العرض النفطي العالمي. وسيستغرق اختفاء الفائض بعض الوقت ومع هذا فليس من المحتمل أن يقل متوسط سعر النفط العربي الخفيف في عام 2015 عن مستوياته في عام 2009. وما زالت الأسواق الآجلة للنفط تعطي أسعارا سنوية تفوق 60 دولارا للبرميل، وقد يرتفع متوسط الأسعار خلال عام 2015 إلى 70 دولارا للبرميل أو يتجاوز ذلك المستوى إذا اتفق المنتجون من "أوبك" وخارجها أو خفضوا بطريقة طوعية أو غير طوعية الإنتاج بما لا يقل عن مليوني برميل يوميا. ويمثل بقاء متوسط أسعار النفط العربي الخفيف عند 60 دولارا في عام 2015 تراجعا سنويا بنسبة 38.1 في المائة، وهذه النسبة قريبة من نسبة التراجع السنوي لمتوسط أسعار النفط في عام 2009. وما لم تخفض المملكة صادراتها النفطية الفعلية، فإن الناتج المحلي لأنشطة النفط والغاز سيتراجع بقيم مقاربة لتراجع قيم الصادرات. ويتشكل الناتج المحلي النفطي بشكل رئيس من قيمة الصادرات النفطية التي تسعر بأسعار النفط العالمية. ولهذا فإن تراجع متوسط أسعار النفط المصدر بنسبة 38.1 في المائة وثبات مستوى الصادرات عند مستوى عام 2014 نفسه يعني تراجع قيمة الصادرات بالنسبة نفسها تقريبا. وقد قدرت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات قيمة صادرات النفط البترولية في عام 2014 بنحو 1099 بليون ريال. وبناء على سعر متوسط سعر صادرات قدره 60 دولارا للبرميل وكمية صادرات مساوية لصادرات 2014م، فإن قيمة الصادرات النفطية ستتراجع في عام 2015 إلى نحو 706 مليارات ريال، وبانخفاض يقدر بنحو 419 مليار ريال عن مستويات 2014. وهذا يعني أن الناتج لأنشطة قطاع النفط والغاز ستتراجع بصورة تقريبية بالمبلغ نفسه. وبلغت قيمة ناتج أنشطة قطاع النفط والغاز بالأسعار الجارية نحو 1123 مليار ريال في عام 2014. وإذا تراجع الناتج المحلي لأنشطة النفط والغاز بمقدار تراجع قيمة الصادرات النفطية نفسه فإن الناتج المحلي لهذا القطاع بالأسعار الجارية لعام 2015 سيبلغ نحو 704 مليارات ريال، ما يمثل نسبة تراجع سنوية مقدارها 37.3 في المائة لناتج هذا القطاع الاسمي السنوي. وسينعكس هذا التراجع على الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بصورة مباشرة ويخفضه بنسبة تقارب 14.8 في المائة في عام 2015. وإذا استمر الإنفاق الحكومي بالنمو (وهو أمر مستبعد بسبب صعوبة تخطي حجم الإنفاق في عام 2014) وحافظ القطاع الخاص غير النفطي على النمو القوي فإن تراجع الناتج المحلي الاسمي الإجمالي سيقل عن هذه النسبة. ويعود انخفاض تأثير تراجع القطاع النفطي السلبي على الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 مقارنة بعام 2009 إلى تراجع أهمية أنشطة النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 52.7 في المائة في عام 2008 إلى 39.8 في المائة في عام 2014. (في حالة تراجع متوسط أسعار النفط بنسبة 50 في المائة لا سمح الله، فإن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي سيتراجع مباشرة بنحو 550 مليار ريال في عام 2015 وهذا يمثل نسبة انخفاض تقارب 19.5 في المائة من مستويات 2014م).

(المصدر: الاقتصادية 2015-01-11)