الصفويّة والصفويّون .. ما أشبه اليوم بالبارحة!
يُطلَق هذا الاسم على الدولة التي أسّسها (الشاه إسماعيل الصفويّ) وعلى أتباعه، وهو من سلالة الشيخ (صفيّ الدين الأردبيلي) الذي كان يسكن مدينة (أردبيل) التابعة لإقليم أذربيجان في شماليّ غرب إيران.. والشيخ الأردبيلي هو أحد مريدي الشيخ (تاج الدين الزاهد الكيلاني) صاحب إحدى الطرق الصوفية، وكان ينتمي إلى المذهب الشافعيّ.. وقد قام حفيد صفيّ الدين (الشيخ إبراهيم) بتطوير طريقته الصوفية، ثم باعتناق المذهب الشيعيّ (الشيعة الإمامية) وتحويل طريقته إلى طريقةٍ شيعيةٍ إمامية متعصّبةٍ غالية.. وسار على دربه ابنه الأصغر (جنيد) الذي قُتِلَ في إحدى حروبه، فخلفه ابنه (حيدر) الذي لُقِّبَ بلقب (سلطان)، وأمر أتباعه بأن يضعوا على رؤوسهم (قلنسواتٍ) من الجوخ الأحمر، تضم الواحدة منها اثنتي عشرة طيّةً، رمزاً للأئمّة الإثني عشر عند الشيعة الإمامية، وقد قُتِلَ (حيدر) أيضاً في إحدى حروب الثأر لوالده.. وخلفه ابنه(إسماعيل)، الذي أعلن فيما بعد دولته الصفوية (في عام 1501م)، ووطّد دعائمها، فامتدّت من إيران إلى ما حولها، إلى أن وصلت بغداد.
كان المسلمون في إيران بأغلبيتهم الساحقة (90%) من أهل السنة الشافعية، إلى أن قامت الدولة الصفوية على يد (إسماعيل الصفويّ) كما ذكرنا في عام 1501م، الذي اتّخذ من مدينة (تبريز) عاصمةً له، وأعلن أنّ دولتَه (شيعية إمامية اثنا عشرية)، وقام بفرض عقيدته بالقوّة، على الرغم من أنّ علماء الشيعة حذّروه بأن لا يفعل ذلك، لأنّ الأغلبية الإيرانية الساحقة تنتمي إلى أهل السنة.. لكنه رفض وقال قولته المشهورة:[إنني لا أخاف من أحد، فإن تنطق الرعية بحرفٍ واحد، فسوف أمتشق الحسام، ولن أتركَ أحداً على قيد الحياة]!.. ثم قام بصكّ عملة الدولة، منقوشاً عليها مع اسمه عبارة: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي وَليّ الله)!.. ثم أمر جنوده بالسجود له كلما قابلوه، وقد اشتهر بدمويّته وساديّته الشديدة، فقام بقتل علماء المسلمين وعامّتهم، فقتل أكثر من مليون مسلمٍ سنيّ، ونهب أموالهم، وانتهك أعراضهم، وسبى نساءهم، وأمر خطباء المساجد من أهل السنة بسبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان) رضي الله عنهم، وبالمبالغة في تقديس الأئمة الإثني عشر.. ووصل الأمر به إلى أن ينبشَ قبور علماء المسلمين من أهل السنة ومشائخهم، ثم أن يحرقَ عظامهم!.. وهكذا كانت دولة الشاه (إسماعيل الصفوي) تأسيساً لدول الإمامية الإثني عشرية كلها، ومثالاً يُحتَذى بها شيعياً فيما بعد، من حيث ممارساتها الشاذة!..
امتدّت الدولة الصفوية فيما بعد في كل أنحاء إيران وما جاورها، فقضى (الشاه إسماعيل) على الدولة التركمانية السنية في إيران، ثم سيطر على (فارس وكرمان وعربستان) وغيرها.. وكان في كل موقعةٍ يذبح عشرات الآلاف من أهل السنة.. إلى أن هاجم بغداد واستولى عليها، ومارس أفظع الأعمال فيها ضد أهل السنة، ومما فعله: [قام بهدم مدينة بغداد، وقَتل الآلاف من أهلَ السنّة، واستخدم التعذيب الشديد بحقّهم قبل قتلهم، ثم توجّه إلى مقابرهم، فنبش قبور موتاهم، وأحرق عظامهم!.. كما توجّه إلى قبر (أبي حنيفة) و(عبد القادر الجيلاني) ونكّل بهما ونبشهما!.. وكذلك قام بقتل كل من ينتسب لذرية القائد المسلم (خالد بن الوليد) رضي الله عنه في بغداد لمجرّد أنهم من نسبه، وقَتَلهم قتلةً شنيعة]!.. (تحفة الأزهار وزلال الأنهار، لابن شدقم الشيعي).
عندما وصلت أخبار المجازر الصفوية وممارساتها إلى السلطان العثماني (سليم الأول) عام 1514م، قام بتجهيز جيشه وحرّر بغداد بعد ست سنواتٍ من الاحتلال الصفويّ، وأسر زوجة (إسماعيل الصفوي)، وقتل المتواطئين على احتلال العراق.. وبعد فراره، قام (إسماعيل الصفويّ) بإبرام حلفٍ مع الصليبيين البرتغاليين، على أن يحتل الصفويون (مصر والبحرين والقطيف)، ويحتل البرتغاليون (هرمز وفلسطين).. لكنّ العثمانيين أحبطوا مخطّطه هذا، إلى أن هلك (إسماعيل الصفوي) في (تبريز) عام 1524م.. فخلفه ابنه (طهمباسب الصفويّ).
خلف (إسماعيل الصفوي) ابنه (طهماسب)، الذي تحالف مع المجر والنمسا ضد الدولة العثمانية التي كان يحكمها السلطان (سليمان القانوني) عام 1525م.. واستعان (طهماسب) بأحد رجال الدين الشيعة اللبنانيين (نور الدين علي بن عبد العال الكركي)، فكتب له المؤلّفات التي برّرت ممارسات الشيعة ضد السنة، وأسّس بفكره ومؤلّفاته الشيعية لما يُسمى بـ (ولاية الفقيه)، بأن اعتبر زعيمَ الدولة الصفوية (نائباً للإمام المنتَظَر الغائب) وكالةً!.. وعاد نفوذ الصفويين إلى العراق عن طريق عملائهم الشيعة هناك، لكن السلطان (سليمان القانوني) أعاد فتح العراق من جديد، وقضى على حكامه الموالين للصفويين.
هلك (طهماسب) بالسمّ على يدي زوجته، فخلفه من بعده ابنه (إسماعيل الثاني) ثم ابنه الثاني (محمد خدابنده).. ثم جاء (عباس الكبير بن محمد خدابنده) الذي تواطأ مع بريطانية ضد العثمانيين، وحاصر المدن السنية، ونكّل بها وبأهلها، وقام بترحيل (1500) عائلةٍ سنيةٍ كردية، وقتل سبعين ألفاً من الأكراد السنة، ومنع الحج إلى مكة المكرّمة، وأجبر الناس على أن يحجّوا إلى قبر (الإمام موسى بن الرضا) في مدينة (مشهد) الفارسية!.. بينما قام بتكريم النصارى والأوروبيين، وبنى لهم الكنائس، وأعفاهم من الضرائب، وشاركهم أعيادهم، واحتسى الخمر معهم!..
هاجم الشاهُ (عباس الكبير) العراقَ، واستولى على بغداد والموصل وكركوك، ثم على معظم البلاد، وحاول فرض (التشيّع) بالقوة، لكنّ أهل العراق رفضوا ذلك، فنكّل بهم، قتلاً وتشريداً وتعذيباً، وسبى النساء والأطفال، وأعاد هدم مرقدي الشيخ (عبد القادر الجيلاني) و(أبي حنيفة النعمان)، وحوّل المدارس السنّية إلى (اصطبلات)، وقام بإعداد قوائم طويلةٍ لإبادة أهل السنّة في العراق.. إلى أن أهلكه الله، فخلفه الشاه (صفيّ الأول)، الذي حرّر العثمانيون العراقَ في عهده مرةً جديدةً وأخيرة!..
وانتهت الدولة الصفوية بعد مئة عامٍ تقريباً من عهد (صفيّ الأول)، أي في عام (1722م)، بعد أن استمرّت (221) سنة.
من أهم نتائج الحكم الصفوي الباقية إلى يومنا هذا تحويل (إيران) من دولةٍ سنّيةٍ خالصةٍ (90% من أهلها سنة شافعية) إلى دولةٍ ذات أغلبيةٍ شيعيةٍ (النسب الحالية هي: 63% شيعة، و35% سنّة، و2% نصارى وأرمن ويهود وزارادشت وبهائيون).. إذ يقدَّر عدد أهل السنة في إيران اليوم بخمسةٍ وعشرين مليون نسمة.
( جي بي سي نيوز 24/10/2013 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews