المواطن المصري وانخفاض الأسعار العالمية للبترول
شهدت الأسعار العالمية للبترول تراجعا حادا خلال الشهور الستة الماضية بحيث أصبح متوسط سعر البرميل خلال شهر ديسمبر الجارى يدور حول 60 دولارا، بما يمثل انخفاضا بنحو 50% عن مستواه فى شهر يونيو الماضي. معظم التوقعات تشير إلى أنه من المرجح استمرار الأسعار العالمية للبترول عند هذا المستوى المنخفض خلال العام القادم. وفى تصورنا أن هذه التطورات تفتح العديد من الفرص الإيجابية أمام الاقتصاد المصري، كما تثير بعض المحاذير.
أولى الفرص الإيجابية التى تتبادر إلى الأذهان هى بالطبع انخفاض فاتورة استيراد المنتجات البترولية. صحيح أن مصر دولة مصدرة للبترول الخام إلا أنها أيضا مستوردة للمنتجات البترولية. الرئيس التنفيذى للهيئة العامة للبترول يقول إننا نستورد 15% من احتياجاتنا من البنزين و30% من احتياجاتنا من السولار و 50% من احتياجاتنا من البوتاجاز، كما أن بيانات ميزان المدفوعات تشير منذ سنوات عديدة إلى أننا صرنا مستوردا صافيا للبترول. باختصار، انخفاض الأسعار العالمية للبترول سيؤدى فى المحصلة النهائية إلى تخفيض فاتورة وارداتنا البترولية.
من ناحية أخري، وأخذا فى الاعتبار أن مصر مستورد صاف أيضا للسلع الغذائية والسلع المصنوعة وقطع الغيار والآلات والمعدات، فان انخفاض الأسعار العالمية للبترول يعنى انخفاض تكلفة الانتاج الصناعى وتكلفة النقل على الصعيد العالمي، وهو ما يعزز التوقعات باتجاه أسعار المنتجات الصناعية إلى الانخفاض، وبالتالى تراجع فاتورة وراداتنا من تلك المنتجات سواء كانت سلعا استهلاكية أو إنتاجية.
ومن ناحية ثالثة، فقد أدى الانخفاض الكبير فى الأسعار العالمية للبترول إلى انهيار قيمة الروبل الروسى أمام الدولار واليورو، أخذا فى الاعتبار الوزن الكبير للبترول فى الاقتصاد الروسي. فمن ناحية تشكل صادرات البترول والغاز الطبيعى ما يزيد على 70% من إجمالى صادرات روسيا، ومن ناحية أخرى تشكل عائدات البترول والغاز نحو 50% من إيرادات الموازنة العامة الروسية. ومن هنا يمكن فهم الدور الذى يلعبه استخدام سلاح النفط من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية فى إطار الحرب الباردة على روسيا. ما يعنينا هو أن انخفاض قيمة الروبل أمام العملات الدولية الرئيسية، يعنى أن أسعار المنتجات الروسية أصبحت أرخص بالنسبة للمستورد الخارجي، وبالتالى فإن هناك فرصة كبيرة لنا لتحقيق تخفيض ملموس فى فاتورة الواردات بالقدر الذى نعطى فيه الأولوية للسوق الروسية كمصدر لتغطية احتياجاتنا الاستيرادية. هناك أيضا فرصة كبيرة لتخفيض تكلفة إعادة هيكلة مصانع الحديد والصلب التى يجرى الاتفاق على تحديثها وإعادة هيكلتها بالاعتماد على التكنولوجيا الروسية. السعى لتعظيم الاستفادة من انخفاض قيمة الروبل الروسى فى تغطية احتياجاتنا الاستيرادية يمثل أهمية كبيرة أيضا لتعويض النقص فى إيراداتنا من السائحين الروس. ففى ظل انخفاض قيمة الروبل صارت تكلفة سفر المواطن الروسى والسياحة والإقامة فى الخارج مرتفعة، وقد انعكس هذا بالفعل على أعداد السائحين الروس الوافدين إلى مصر فى الوقت الحالى والذى يعتبر فى ذروة الموسم السياحي.
أما على صعيد الموازنة العامة للدولة فإن تراجع الأسعار العالمية للبترول يعنى تخفيض تكلفة دعم المنتجات البترولية التى تتحملها الموازنة العامة للدولة. التقديرات الأولية لوزير البترول تتوقع تراجع فاتورة الدعم خلال العام الحالى من 100 مليار جنيه إلى 70 مليارا. الأثر اٌلإيجابى لذلك الوفر يمكن بالطبع أن يترجم إلى انخفاض فى عجز الموازنة العامة، وهو أمر تتطلع الحكومة إلى تحقيقه. إلا أن الوفر يمكن أيضا أن يستخدم فى تحسين أى بند من بنود الخدمات العامة المتردية وعلى رأسها خدمات التعليم و الصحة، وزيادة دعم مستلزمات الإنتاج للفلاح، وهذا هو ما يتطلع إليه المواطن المصري.
تخفيض تكلفة دعم المنتجات البترولية والانخفاض المتوقع فى أسعار واردات المنتجات الصناعية تفتح فرصة ولا شك لتخفيض المستوى العام للأسعار وتراجع معدلات التضخم والتى كان يتوقع أن تصل إلى نحو 14% خلال السنة المالية الحالية والتى تنتهى فى يونيو 2015. وهنا نشير إلى أن الحكومة كانت قد أعلنت أنها وضعت خطة لتخفيض دعم الطاقة بنحو 50 مليار جنيه خلال السنة المالية المقبلة، وأنها ستطرح تلك الخطة للحوار المجتمعي. ويمكننا فى الواقع أن نبدأ هذا الحوار المجتمعى من الآن و نقول للحكومة إن فاتورة دعم الطاقة ستنخفض من تلقاء نفسها بحكم تراجع الأسعار العالمية للبترول، ربما بكامل المبلغ المستهدف أو بالجزء الأعظم منه. وبالتالى فالمطلوب اعتبار تلك التطورات فرصة للمواطن المصرى لالتقاط الأنفاس وتهدئة لهيب الأسعار، ولتركز الحكومة جهودها على تفعيل الزيادة فى أسعار الطاقة على الصناعات الاحتكارية التى تقاوم التطبيق حتى الآن والتى وعد وزير الاستثمار بإعادة النظر فى أسعار الطاقة المباعة لها!
أما فيما يتعلق بانخفاض أسعار السلع المستوردة فهو أمر يتوقف فى النهاية على مدى القدرة على السيطرة على الاحتكارات الصناعية والتجارية، التى يمكن أن تنتهز فرصة انخفاض أسعار الاستيراد لتعظيم أرباحها، دون نقل اثر هذا الانخفاض إلى السوق المحلي. والمسألة ليست مقصورة على الاحتكارات التجارية، بل تمتد إلى العديد من الصناعات المحلية التى ربما تجد نفسها غير قادرة على المنافسة السعرية فى السوق العالمى فتلجأ إلى تعويض الانخفاض فى أرباحها الخارجية من لحمنا الحى فى الداخل. احتكارات حديد التسليح تستعد من الآن. بدأت الحديث عن الحاجة لرفع رسوم الإغراق التى سبق أن فرضها وزير الصناعة على واردات حديد التسليح فى اكتوبر الماضي. الاحتكارات تطالب برفع رسوم الإغراق من 299 جنيها للطن ليتراوح بين 600 جنيه و800 جنيع للطن. للمرة الألف تلجأ تلك الشركات إلى جيوب المصريين لتعويض انخفاض أسعار التصدير التى تتعامل بها فى السوق العالمية، من خلال قرارات الحماية التى تكفل لها الانفراد بالسوق المحلى والاستمرار فى بيع منتجاتها لنا بالأسعار المرتفعة. السؤال هو هل سيستجيب وزير الصناعة كالمعتاد لضغوط تلك الاحتكارات؟
المواطن المصرى يريد أن يشعر بالآثار الإيجابية لتخفيض تكلفة الانتاج وتراجع فاتورة الواردات وفاتورة الدعم، فهل تستجيب الحكومة؟ وهل تنجح فى مواجهة الاحتكارات؟
(المصدر: الأهرام 2014-12-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews