ماذا يغير الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية؟
بعد نقاش غطى الصحف الفرنسية منذ أواخر الصيف المنصرم، وبعد حراك وعرائض وقعها مثقفون وناشطون في المجتمع المدني أقرّ البرلمان الفرنسي، في الثاني من الشهر الجاري، مشروع القرار الذي تقدم به الحزب الاشتراكي والذي يدعو الحكومة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة في حدود عام 1967 مع القدس الشرقية كعاصمة لها وذلك "بهدف التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع الفلسطيني "الإسرائيلي"" كما يقول القرار . وكانت السويد السباقة في هذا المجال عندما أعلنت في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية . وكان مجلس العموم البريطاني قد صوت بغالبية ساحقة، في 13 من الشهر نفسه، لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين والانسحاب "الإسرائيلي" التام منها وفق جدول زمني محدد، من دون أن يكون هذا القرار ملزماً للحكومة التي أعلنت أنها لن تغير سياستها الخارجية . وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي خطا مجلس النواب الاسباني الخطوة نفسها من دون أن تكون خطوته ملزمة للحكومة، كذلك فعل البرلمان الأيرلندي . والمتوقع أن تكر السبحة فتصل إلى البرلمان الأوروبي الذي يحظى منذ اللحظة بغالبية تؤيد مثل هذا الاعتراف .
بالطبع كان رد الفعل "الإسرائيلي" في كل مرة مستخفاً بالنتائج المترتبة على هذه القرارات ومعلناً بناء المزيد من المستوطنات، لكن رد الفعل الأقسى كان حيال القرار الفرنسي، نظراً لكون فرنسا تشكل مثالاً يحتذى بالنسبة لكثير من الاوروبيين، كما قال السفير "الإسرائيلي" في باريس يوسي غال والذي كتب مقالاً في "لوموند" يحذر البرلمانيين من التصويت لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطينية لا يمكن أن ترى النور إلا من خلال المفاوضات وبعد حل كل المسائل العالقة من حدود وعاصمة وأمن ومستوطنات وغيرها .
هذا الاعتراف خطوة رمزية مهمة، يقول صائب عريقات إن على كل الدول المؤيدة لحل الدولتين أن تخطوها لأنها استثمار من أجل السلام ورسالة موجهة إلى "الإسرائيليين" بأن سياسة الاستيطان تبقى غير شرعية وغير قانونية وغير معترف بها، وإلى الفلسطينيين بأن العالم يعترف بحقوقهم ويدعمها وأن عليهم المثابرة في السعي وراء هذه الحقوق . وفي هذا الاتجاه ذهب ابراهام بورغ رئيس الكنيست الأسبق ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي بالقول في مقال كتبه في "لوموند" يحث فيه السلطات الفرنسية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود عام 1967 محذراً العالم من أن محمود عباس قد يكون آخر رجل يؤمن بالتفاوض وبالسلام، ويحث الفلسطينيين على المثابرة في نضالهم الذي هو لمصلحة السلام العالمي .
ويبرر النائب الاشتراكي الفرنسي برونو لورو مشروع القرار الذي صاغه وقدمه للجمعية الوطنية الفرنسية التي أقرته بأن "آفاق السلام تضيق وتبتعد، لذلك فالاعتراف بالدولة الفلسطينية يجبرنا على إحياء وعي يقطع مع التطرف السائد، كما يسمح بوضع دولة فلسطين على خارطة المنطقة و"إسرائيل" تحت الضغط السياسي" . ورد عليه السفير "الإسرائيلي" في باريس مهدداً بأن "هذا التصويت يمكن أن يتسبب في حلقة جديدة من العنف بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" . والأخطر بالنسبة لفرنسا ومواطنيها، كما سبق ورأينا في الصيف المنصرم، فإن حلقة العنف هذه يمكن أن تضرب فرنسا نفسها" .
المشكلة أن الحقائق على الأرض تتجه لجعل إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة في حدود عام 1967 أمر يقارب المستحيل . هذا ما تعمل عليه "إسرائيل" ليل نهار . هناك أربعمئة ألف مستوطن صهيوني في الضفة الغربية يسيطرون على 61 في المئة منها و180 ألفاً في القدس الشرقية، وهذه الظاهرة تتفاقم يوماً بعد يوم أمام عجز المجموعة الدولية . حتى المفاوضات التي قادها جون كيري وحدد لها تسعة أشهر للخروج باتفاق، كانت تسير على وقع الاستيطان الزاحف . وكشف ورئيسُه أوباما عن عجز فاضح في مواجهة نتنياهو الذي لم يعد يخبئ معارضته لحل الدولتين . وكل ما فعل كيري هو الإعلان، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 والذي تسبب له بسيل من الانتقادات "الإسرائيلية": "الاستمرار في الاستيطان يعطي الانطباع بأن "إسرائيل" لا تتفاوض بشكل جدي"، مضيفاً "هل تريد "إسرائيل" انتفاضة ثالثة؟ إذا بقي السلام مفقوداً فإن "إسرائيل" ستتعرض لعزلة دولية متزايدة وحملات ضدها" .
من هنا حديث بعض المراقبين عن "وهم" وليس "حل الدولتين" . فهذا الكم من الاعترافات الدولية والذي بلغ اليوم 153 دولة أي سبعين في المئة من أعضاء الأمم المتحدة ال ،193 في انتظار المزيد من الاعترافات، إضافة إلى دخول فلسطين إلى هذه الأمم المتحدة في عام 2012 بصفة مراقب، ومع أن دولاً، مثل فرنسا، تقيم معها علاقات دبلوماسية قبل الاعتراف الرسمي بها، فإن شيئاً من الحقائق لم يتغير على أرض الاستيطان والاحتلال . ويتحدث المؤرخ الفرنسي جان-فرانسوا لوغران، منذ سنوات، عن "مهزلة" لأن، "الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس سوى تعزية للفلسطينيين والتغطية على فشل ذريع بنصر يعرف الجميع بأنه رمزي ليس إلا" .
في جميع الأحوال تشكل هذه الاعترافات إنجازاً لا ينبغي الاستخفاف به وسط هذا الواقع العربي المأزوم، لكنه خطوة في طريق محفوف بالصعوبات . والخطورة أن تقف الأمور عند هذا الحد في غياب خطوات فعلية، تتخطى الرمزي والأخلاقي، حيال حدود الدولة الفلسطينية وطبيعتها وعاصمتها وتحريرها من الاحتلال . فهل ستمتلك المجموعة الدولية شجاعة الذهاب أبعد من إعلان النوايا فتعمد، على سبيل المثال، إلى ردع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع مجلس الأمن من استصدار قرار يسهم في تحويل الدولة الفلسطينية إلى حقيقة؟
(المصدر: الخليج 2014-12-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews