دلالات الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين
عقب اعتراف حكومة السويد بدولة فلسطين توالت أخبار توجه أكثر من برلمان أوروبي للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود 4 يونيو/حزيران 1967 . في حين أن إصدار بريطانيا تصريح بلفور سنة 1917 هو ما أسس لقيام الكيان الصهيوني . ولولا التقاء الدول الأوروبية على تأييد القرار 181 بتقسيم فلسطين برغم تنكره لحقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة ، لما حاز أكثرية الثلثين اللازمة لاقراره . وواصلت دول أوروبا وأغلبية الرأي العام فيها طوال القرن العشرين دعم وتأييد "إسرائيل" برغم اعتداءاتها المتكررة على محيطها العربي .
والسؤال والحال كذلك بماذا يفسر التحول الراهن في مواقف الشعوب الأوروبية من العداء المجمع عليه للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وخاصة حقه في تقرير المصير، إلى بداية التفهم لمطالبه المشروعة؟ وهل غدونا أمام بوادر تحرر الوعي الشعبي الأوروبي من إسار الارتهان لفزاعة "معاداة السامية" المدعى به . أم أنه استجدت في الصراع العربي- الصهيوني متغيرات لمصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة أسهمت في بداية انحسار تأييد الرأي العام الأوروبي التاريخي للمزاعم والأساطير الصهيونية؟ تساؤلات في محاولة الإجابه عنها الاحظ الآتي:
بتوقيع مصر وسوريا والأردن ولبنان اتفاقيات الهدنة سنة 1949 اعترفت بشكل غير مباشر بقرار التقسيم بالرغم من امتلاك "إسرائيل" 78% من أرض فلسطين وتشريدها 61% من المواطنين العرب في الأراضي المحتلة . فيما كان اسم فلسطين قد غيب من الخرائط الرسمية الدولية، وافتقد شعبها وحدته المجتمعية لتوزعه ما بين الأرض المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات العربي والدولي . وقد شغلت الإدارة الأمريكية في طرح مشروعات لتوطين اللاجئين في الدول العربية المضيفة لهم وخارجها، ولكنها جميعها تكسرت على صخرة إجماع اللاجئين على رفضها والإصرار على حقهم في العودة لديارهم . كما حاولت الإدارات الأمريكية المتوالية تحقيق التسوية على أساس الأمر الواقع بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، غير أنها فشلت جميعها أمام إصرار شعب فلسطين والقوى الوطنية والقومية في المشرق العربي على تحرير كامل الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين إلى ديارهم واستردادهم أملاكهم والتعويض عليهم . بالرغم مما أبدته بعض الأنظمة من استعداد لقبول ذلك تحت الضغوط الأمريكية والأوروبية .
وعندما بدأت إرهاصات العمل الفدائي الفلسطيني غلب في أوروبا، رسمياً وشعبياً تصنيفه إرهاباً ضد دولة عضو في الأمم المتحدة وليست مقاومة مشروعة في القانون الدولي ضد دولة محتلة، وتجمع استيطاني عنصري . ولم يؤد خطاب عرفات في الأمم المتحدة سنة 1974 مؤكداً توجه المنظمة وقيادة فتح لاعتماد تسوية مع "إسرائيل" خياراً استراتيجياً لمتغير يذكر في المواقف الأوروبية من النضال الفلسطيني المشروع حتى تفجرت انتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987التي عرّت العنصرية الصهيونية وفضحت زيف الإدعاء بأن "إسرائيل" دولة ديمقراطية .
وكان، ولايزال، للشباب الفلسطيني، الدارسون والعاملون، في أوروبا تواصل وتفاعل متناميين مع أساتذة وطلبة الجامعات، وقيادات هيئات المجتمع المدني الأوروبية بما في ذلك البرلمانات مساهمين في إيضاح حقائق الصراع العربي - الصهيوني، خاصة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وتواصل قواه الوطنية منذ عشرينات القرن الماضي المطالبة بإقامة دولة ديمقراطية علمانية غير عنصرية في فلسطين تؤمن كامل حقوق المواطنة لجميع سكانها عرباً ويهوداً، ما أسهم في نمو طردي في إيضاح البعد الإنساني للنضال العربي ضد الاحتلال العنصري الصهيوني وكشف زيف كافة الادعاءت الصهيونية . ويقرر د . محمد السيد سليم المختص في مركز الدراسات الاستراتيجية لصحيفة "الأهرام" أن النضال الفلسطيني، المباشر وغير المباشر، في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية حقق أعلى بكثير مما حققه في الساحات العربية ، بالرغم من الحرب المنظمة الهائلة التي تشنها المراكز الصهيونية، وجماعات الضغط "اللوبيات" اليهودية وأنصارها في العالم الغربي كله . وأنه بالإمكان إثبات أن العائد الحقيقي للنضال الفلسطيني، والمؤيد له في أوروبا وأمريكا أعظم منه في الوطن العربي .
ويقرر د . أنيس القاسم الخبير، القانوني المعروف، أن منظمة التحرير الفلسطينية تتمتع بكافة حقوق الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما عدا التصويت، كما تتمتع باتصالات ونفوذ في دول عدم الانحياز الآسيوية والإفريقية ودول أمريكا اللاتينية . ويذهب إلى أن قبول فلسطين عضواً دائماً في الأمم المتحدة لن يضيف سوى انتصار معنوي لما هو قائم .
أما الدبلوماسي السابق، وأستاذ القانون الدستوري في الجامعات الأردنية د . عيسى الدباح فيذكر أن "إسرائيل" قبلت عضواً في الأمم المتحدة على أساس الحدود المقررة لها في قرار التقسيم . ويضيف بأن الاعترافات الدولية بها، على أهميتها، وبالذات اعترافات الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والدول الأوروبية وغيرها، تمت على أساس القرار 181 . أما قيام "إسرائيل" باحتلال نصف الأراضي المخصصة للدولة العربية في فلسطين حسب القرار 181 فهو احتلال عسكري غير مشروع في القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف الأربعة لعام ،1949 وتمنع دولة الاحتلال من ضم الأراضي المحتلة بالقوة العسكرية . ويلاحظ أن قرار التقسيم لما يزل قائما حيث لم تلغه الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا هي استبدلته بأي قرار آخر، ونلاحظ أن القرارين 242 لسنة 1967 و338 لسنة 1973 نصا على الانسحاب "الإسرائيلي" من الأراضي العربية التي احتلت سنة 1967 ولم يتضمنا ما يضفي المشروعية على ما احتل خارج حدود التقسيم .
وفي ضوء ما سبق يتضح لمن أحلوا المطالبة بدولة في الضفة المحتلة والقطاع المحاصر بديلا عن تحرير كامل التراب الوطني المغتصب وعودة جميع اللاجئين لديارهم، وأن قرار التقسيم لما يزل قائماً دولياً، وأنه يقضي بإقامة دولة كاملة الاستقلال والسيادة ومعترف بها دولياً ضمن 45% من أرض فلسطين . ولكن التاريخ الإنساني لم يشهد تحقق حق وطني مشروع دون نضال طويل النفس لقهر إرادة مغتصبيه، ومن غير المراجعة الجذرية لمسيرة وسلوكيات القائمين بأمر منظمة التحرير الفلسطينية منذ اعتماد برنامج النقاط العشر الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني سنة ،1974 فإنه مستحيل عملياً إقامة دولة لها نصيب من السيادة واستقلالية القرار على متر مربع واحد من أرض فلسطين، لتناقض ذلك مع ما يجمع عليه الصهاينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار . فيما يدل الاحتجاج رسميا على الموقف السويدي الشجاع على زيف ادعاء نتنياهو بأنه وحزبه وحكومته مع ما يسمى حل الدولتين .
الخليج 2014-12-12
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews