ماذا لو انهارت السلطة الفلسطينية؟
الإجراءات التي تتخذها سلطات الاحتلال الصهيونية تجاه السلطة الفلسطينية وصلت الذروة بحرمانها من أموال الضرائب الخاصة بها.. وهذا الإجراء لم يكن الأول من نوعه، فلقد سبق أن استخدمته الحكومات الصهيونية كلما رفض الفلسطينيون التسليم بالمنطق الصهيوني في العملية السياسية.
الجديد في الموضوع أن التحذيرات الأمريكية تتوالى من احتمال سقوط السلطة في وقت قريب بعد أن بلغت أعباؤها حدا لا يمكن احتماله.. جاء ذلك على لسان الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، كما أشار بذلك مسؤولون أوروبيون ومسؤولون في البنك الدولي..
فما الذي يدفع بالأمريكان إلى إطلاق صرخات التحذير؟ هنا نكتشف حجم اللعب والضحك على الذقون الذي تمارسه الإدارة الأمريكية.. فهل يعقل أن تشتكي أمريكا من إسرائيل وتقف عاجزة عن الضغط عليها لدفع مستحقات مالية محدودة للسلطة الفلسطينية؟ وهل يعقل أن الإدارة الأمريكية غير القادرة على إنفاذ ذلك ستكون قادرة على الضغط على إسرائيل للانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس؟؟ وهناك أسئلة في اتجاه آخر.. لماذا تحرص الإدارة الأمريكية على استمرار وجود السلطة إذن؟ لماذا هذه التحذيرات التي تظهر الحرص على السلطة الفلسطينية والحياة المعيشية للفلسطينيين..؟
بموجب اتفاقيات أوسلو على الفلسطينيين أن يقدموا خطوات عملية في إطار التسوية والانتقال إلى مرحلة تقرير المصير. ومن هذه الخطوات التنسيق الأمني الذي ينشغل بتسيير أمور المواطنين الفلسطينيين وفض الاشتباكات المحتملة.. إلا أن سلطات الاحتلال وجدت في ذلك فرصة ثمينة، وكما قال الرئيس الفلسطيني: لقد أصبح الاحتلال الإسرائيلي أقل تكلفة من أي احتلال في العالم.. كان على الاحتلال الصهيوني أن يتكفل بموجب القرارات الدولية بأمن الناس وعلاجهم وتعليمهم وشتى مجالات الحياة العامة.. وهكذا كان الاحتلال إلى حد ما يتكفل فعلا بالموظفين من معلمين وأطباء وشرطة وغير ذلك.. أما بعد أوسلو، فأصبح الفلسطينيون هم من يسعون إلى شتى المصادر لتوفير مبالغ تكفي لعديد الموظفين فيما تمارس إسرائيل الاستيطان والتهويد وحجز الأموال. وتستثمر المؤسسة الاقتصادية الإسرائيلية في السوق الفلسسطينية في شتى المجالات حيث الاتفاقية الاقتصادية المجحفة بين السلطة وإسرائيل والتي أصبح الفلسطينيون بموجبها بقرة حلوبا للتجار الإسرائيليين.
فماذا لو انهارت السلطة؟ أول شيء يمكن أن يعنيه ذلك أن يعلن الفلسطينيون فشل العملية السياسية. وهذا ينطوي على احتمالات عديدة من أهمها اندلاع مقاومات غير مسيطر عليها تستدعي توترات حقيقية في الإقليم.. وبالضرورة، فإن ذلك يعني توقف التنسيق الأمني، مما يلقي بثقله الأمني والمالي على سلطات الاحتلال.. ويعني كذلك إلقاء عبء الموظفين على كاهل خزينة الاحتلال..
صحيح، ستكون مرحلة انتقالية صعبة على الفلسطينيين ولكنها لحظة الحقيقة الضرورية في ظروف ما ومعطيات ما، بعد أن اكتشف العالم أجمع مماطلات إسرائيل وكذبها وخداعها وحجم جرائمها ضد الإنسانية.. واكتشف الفلسطينيون كأن المراد منهم أن يقدموا غطاء مستمرا لتواصل الجرائم الإسرائيلية من استيطان وتهويد وقتل واعتقالات. وهذا ما لا يمكن أن تقبل به أي جهة فلسطينية، لا سيما "م. ت. ف"، التي لم تتأسس إلا للدفاع عن الشعب الفلسطيني واسترداد حقوقه.
من هنا يأتي الحرص الأمريكي على استمرار وجود السلطة وعدم انهيارها.. إنه حرص مدغول وخوف كاذب وليس إلا خوفا على مصلحة إسرائيل ومضيعة الوقت على الفلسطينيين..
من جديد، نسأل: ماذا لو انهارت السلطة؟ بالتأكيد لن تنهار فلسطين ولا القضية الفلسطينية ولا الشعب الفلسطيني.. ولكن لابد من حسن التدبير والتفكير لكي لا يذهب الناس إلى المجهول.. تولانا الله برحمته.
(المصدر: الشروق الجزائرية 2015-02-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews