هيئة سوق المال .. خطوات إيجابية لزيادة كفاءة السوق
السوق المالية السعودية خلال عشرة أعوام مرت بفترة غربلة وتغييرات كبيرة وتحولات أسهمت في إحداث تغييرات في الصورة العامة عن سوق الأسهم، فبعد أن كانت سوقا محدودة لا يتداول فيها إلا عدد قليل من المستثمرين مقارنة بعددهم اليوم، وبحجم تداولات محدودة جدا حتى أن بعضهم يجد أن بعض الأسهم قد لا يحصل فيها تداول بصورة يومية، تحولت إلى سوق نشطة جدا تتجاوز حجم التداولات بها ما يزيد أحيانا على عشرة مليارات، وإذا ما استقرأت تاريخيا خلال تلك الفترة ستجد أنه لا يكاد تخلو من حالة بيع وشراء نشطة باستثناء بعض الشركات في بداية طرحها للتداول التي لا تشهد تداولا بسبب كثرة الطلبات وقلة المعروض وليس بسبب انصراف الناس عن التداول بها، ولو نظرت إلى حجم الإصدارات الجديدة منذ ذلك الحين سنجد أن ذلك كان كبيرا ما أسهم في تضاعف حجم السوق المالية ليجعل لهذه السوق مكانة تتربع فيها على عرش الأسواق في المنطقة كأكبر سوق مالية، وهذا بلا شك يعني الكثير للمستثمرين من المواطنين والأجانب خصوصا بعد الإجراءات والخطوات التي عملت عليها هيئة السوق المالية لتحسين أداء السوق وتهيئته لاستقبال الاستثمارات العالمية التي يتوقع أن تتدفق بصورة كبيرة، وهذا قد يحسن من كفاءة وأداء الشركات في السوق باعتبار أن هذه الاستثمارات قد تشارك أيضا في قرارات الشركات وقد تتيح لها فرصا لشراكات عالمية.
الحقيقة أن الملاحظ خلال الفترة القصيرة الماضية أن هيئة السوق المالية باشرت مجموعة من القرارات التي لم تكن معهودة من قبل، ومنها قضية تخص إحدى شركات الاتصالات التي يمكن أن تكون أوهمت المستثمرين بأداء مميز في أرباحها ما أسهم في ارتفاع قيمة السهم بصورة كبيرة، كما أنها اتخذت إجراء برفع دعوى على إحدى الشركات في السوق المالية للنظر فيما إذا كانت الشركة أوهمت الجهات المختصة بأداء جيد أسهم في السماح بتداول أسهمها في السوق، كما أن هيئة السوق المالية عززت جانب التوعية والشفافية للمستثمرين بوضع علامات على الشركات التي خسرت جزءا كبيرا من حجم رأسمالها، خصوصا عندما نعلم أن هذه الشركات مع الأسف تشهد نشاطا أكبر ومضاربات محمومة في السوق المالية بما يعرض كثيرا من المستثمرين مع الأسف للمخاطر.
لا شك أن هذه الإجراءات ستزيد من كفاءة السوق خصوصا أنها حاليا في مرحلة فتح السوق للاستثمار الأجنبي المباشر، وعندما نتحدث عن السوق المالية فإننا نتحدث عن أول ما يمكن أن يحكم من خلاله المستثمر الأجنبي على حالة الاستثمار عموما في المملكة من جوانب تتعلق بالشفافية والكفاءة والعدالة في التعامل، وهنا تأتي أهمية السياسة التي تسير عليها السوق المالية في تصحيح مسار السوق وإضفاء مزيد من الشفافية عليه، ووجود بعض الإخفاقات المعلنة لبعض الشركات لا يسيء إطلاقا للسوق أو يعتبر تهديدا لها، إذ لا تكاد تخلو منه سوق مالية في العالم، ومن أبرزها السوق الأمريكية، ولكنها تدل على وضوح يساعد المستثمر في اتخاذ القرار الصحيح.
وعلى الرغم من هذه الإجراءات الإيجابية إلا أن هناك أمورا ينبغي أن تفكر هيئة السوق المالية بها مليا لحماية السوق من التقلبات، والنشاطات التي يمكن أن توصف بأنها سلبية، ومنها ما يتعلق بالأطروحات الأولية التي يلاحظ أنها تتضاعف أسعارها في فترة قصيرة، ولو استقصينا بعض هذه الأطروحات التي تم تداولها أخيرا لوجدنا أنها تتداول حاليا بأضعاف سعر الطرح في مؤشر يدل على أحد أمرين وهما: إما أنها لم تقيم بصورة صحيحة فهي تستحق قيمة أكثر وهذا ضعيف باعتبار أن الآلية التي يتم بها تسعير هذه الأسهم آلية تعطيها سعرا مناسبا بل يرى بعضهم أنها تعرض بأسعار أكبر مما تستحق ما أسهم في نظر بعضهم في أنها كانت سببا في تضخم ثروات ملاك تلك الشركات بصورة غير مستحقة بعد أن كانت محدودة قبل الطرح، والاحتمال الآخر أن هذه الأسهم دخلت فعليا في سلة الأسهم المخصصة للمضاربات بدليل أن سهما مثل "سهم البنك الأهلي" الذي يعتبر من أهم المصارف لم يتضخم سعره ليبلغ أضعاف سعر الطرح، فالاكتفاء بطرح ما نسبته 30 في المائة من أسهم الشركة، أو منع الملاك من بيع أسهمهم في بداية طرح أسهم الشركة قد يكونان سببي تضخم سعر الشركة بصورة مبالغ فيها كما هو واقع الآن، مع استثناء بعض الشركات التي أظهرت تحسنا حقيقيا تستحق معه أسعارها حاليا.
الأمر الآخر هو أهمية عرض نتائج التحقيق التي بدأت في إجرائها الهيئة بتوضيح ما تستجد في ذلك وأن تتبنى الهيئة ملاحقة المتسببين في ذلك من داخل وخارج الشركة لتكتسب السوق المالية هيبة لدى المستثمرين ليتم الحد كثيرا من صور التلاعب التي قد تؤثر في المواطنين وتسيء للسوق المالية السعودية، كما ينبغي أن تهتم الهيئة بتوسيع قاعدة السوق المالية لتشمل سوق السلع، وتعزز من نشاط الأدوات المالية منخفضة المخاطر مثل الصكوك الإسلامية، إضافة إلى وضع معايير وضوابط لأعمال ومهام الهيئات الشرعية خصوصا في الصناديق الاستثمارية والصكوك.
فالخلاصة: إن الإجراءات التي اتخذتها هيئة السوق المالية كان لها أثر كبير في الشفافية في السوق التي ستؤدي إلى زيادة كفاءة السوق ومستوى الثقة لدى المستثمرين، خصوصا أن السوق تتهيأ حاليا لفتح الاستثمار المباشر من قبل المستثمرين الأجانب، ومن الأهمية اليوم التفكير في بعض الإجراءات ومنها توسيع قاعدة السوق لتشمل السلع وتعزيز نشاط الأدوات المالية منخفضة المخاطر مثل الصكوك، إضافة إلى وضع معايير وضوابط لأعمال ومهام الهيئات الشرعية في الصناديق خصوصا في الصناديق الاستثمارية والصكوك.
(المصدر: الاقتصادية 2014-12-06)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews