هبوط أسعار النفط ينقذ الاقتصاد التركي من الركود والليرة من الانهيار
تحملت تركيا حربا أهلية طاحنة على حدودها دون أن تلوح لها نهاية في الأفق، في منطقة تزداد اشتعالا بالمتطرفين، وصراعا مريرا بين الحزب الحاكم وأحد حلفائه السياسيين السابقين، والذي أثار فضائح تتعلق بالفساد على مستوى عال، وأحدث هزة قوية في الشرطة وجهاز القضاء.
رغم كل هذا الجيشان، فإن التفاؤل بخصوص اقتصاد تركيا يتخذ شكلا ملموسا في ركن كثير الشجر في إسطنبول، وهو مجمع سكني ومركز تسوق ومكاتب بقيمة 900 مليون دولار، يجري إنشاؤه في الوقت الحاضر، وسيتباهى بأول خط مترو في تركيا مع أكبر موقف للسيارات في البلاد.
يقول الباي جبني، نائب المدير العام لشركة آيدينلي للإنشاءات، وهي إحدى المجموعات التركية التي تتفرع من التصنيع نحو العقارات إن أكثر من ألف شقة بيعت حتى الآن في مجمع وادي إسطنبول، الذي تبلغ مساحته 42 ألف متر مربع، رغم أن متوسط سعر الشقة هو 440 ألف دولار.
ويقول: "هناك طلب قوي للغاية". جبني ليس وحده على الإطلاق الذي يعكس مشاعر التفاؤل حول اقتصاد تركيا. بنك "بي بي في إيه" الإسباني أعلن هذا الشهر عن استثمار بقيمة ملياري يورو من أجل الاستحواذ على مصرف جارانتي، وهو من أبرز المصارف التركية، حيث أعلن أن تركيا "توفر واحدا من أكثر آفاق النمو جاذبية في العالم".
أظهرت الأرقام التي نشرت هذا الأسبوع أن مبيعات المساكن في حالة انتعاش بعد هبوط في منتصف العام، حيث سجلت زيادة في تشرين الأول (أكتوبر) مقارنة بالشهر نفسه في 2013.
ارتفعت الصادرات بنسبة 5.5 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، وهو ما ساعد في تعويض بعض العجز في الحساب الجاري، الذي يعتبر على نطاق واسع أنه نقطة الضعف الاقتصادية الرئيسة في تركيا.
وفي هذا الأسبوع توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "أوسيد" أن تركيا سوف تسجل نموا بنسبة 3 في المائة هذا العام – وهو مستوى رغم أنه أدنى بكثير من معدل 9 في المائة الذي سجلته تركيا في 2010 – 2011، إلا أنه يتفوق على معظم البلدان الأخرى في المنظمة.
في الفترة الأخيرة قال علي باباجان، نائب رئيس الوزراء للاقتصاد: "تركيا مستمرة في النمو، والأعمال مستمرة".
أحد الأسباب التي تفسر متانة تركيا غير المتوقعة هو الهبوط العالمي في أسعار النفط، الذي كان نعمة بصورة خاصة لبلد يستورد الطاقة على نطاق واسع. خلال ستة أشهر تراجعت الأسعار من أكثر من 110 دولارات للبرميل إلى أقل من 80 دولارا.
وهناك قاعدة أساسية وهي أن كل هبوط بمعدل عشرة دولارات في سعر خام برنت يقلص عجز الحساب الجاري في تركيا بمقدار أربعة مليارات دولار. وأضاف باباجان أن كل تراجع من هذا القبيل يترجَم أيضا إلى ارتفاع بنسبة 0.5 نقطة مئوية في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع مماثل في التضخم.
غير أن نزوات سوق النفط هي أيضا سبب يدعو للتخوف حول مدى متانة الاقتصاد حتى بالنسبة لبعض كبار المسؤولين الحكوميين.
وكما حذر باباجان: "لا نستطيع الاعتماد على هذا إلى الأبد. لا نستطيع أن نقول إن أسعار النفط انخفضت، وبالتالي لا يتعين علينا أن نفعل أي شيء. علينا أن نعالج الأساسيات".
من هذا الباب هناك أمور كثيرة يجب عملها، كما يقول المحللون. أطلقت الحكومة أخيرا برنامجا للإصلاح الهيكلي، لكنه أجَّل إلى تاريخ لاحق الإجراءات حول المواضيع الحساسة، مثل سوق العمل والإصلاح الضريبي، في حين أن أبرز الإصلاحات في تركيا، التي تتعلق بإصلاح التعليم، شهدت زيادة واسعة النطاق في المدارس الدينية التابعة للحكومة.
يدّعي كثير من المنتقدين أن عرقلة التحقيقات حول الفساد، التي تستهدف الدائرة المقربة من الرئيس رجب طيب إردوغان، ألقت علامة استفهام على سيادة القانون.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وضعت لمسة من التخفيف حول توقعها، حيث أضافت ملاحظة تحذيرية تقول إن الناتج المحلي الإجمالي "سيظل ضعيفا بالمعايير التركية" في السنوات المقبلة، في حين تظل تركيا "عرضة للتحولات في مشاعر المستثمرين الدوليين".
تحذير المنظمة يردد أصداء المخاوف التي عبر عنها صندوق النقد الدولي، من أن إمكانات الاقتصاد تتعرض للعرقلة بفعل عوامل مثل التضخم العالي – الذي يصل الآن إلى 9 في المائة – والاعتماد المكثف على الرساميل الأجنبية.
فايننشال تايمز 2014-12-05
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews