التكاليف .. الإنتاج والاستجابة لتقلبات الأسعار
مع الانخفاض الأخير في أسعار النفط الخام، عاد موضوع ارتفاع تكاليف الإنتاج إلى الواجهة مرة أخرى، ذلك أن التكاليف المرتفعة للمشاريع قد تؤدي إلى تقليص الإمدادات. إن تغير توقعات الأسعار في الآونة الأخيرة قد يؤدي إلى إلغاء بعض المشاريع الجديدة، أو قد يتوقف بعض الإنتاج الحالي إذا ما استمرت الأسعار في الانخفاض، أو استقرت عند مستوى جديد أقل بكثير من 110 دولارات في المتوسط لخام برنت، التي استمرت من عام 2011 حتى النصف الأول من هذا العام.
بالطبع، يتم اتخاذ قرارات الاستثمار للمشاريع الجديدة على أساس معدل العائد المتوقع على مدى عمر المشروع، وأسعار النفط هي واحدة من العديد من العوامل التي على أساسها يتخذ القرار، وإن كانت عاملا مهما جدا. وبالتالي، يتعين على الشركات النفطية أن تُضمن توقعات أسعار النفط إما ضمنا أو صراحة في هذه القرارات. قد تتطلب بعض مصادر الإمدادات أسعار نفط مرتفعة نسبيا من أجل الحفاظ على معدل عائد إيجابي للمشروع. إن سعر النفط الذي يصبح عنده صافي عائد القيمة الحالية للمشروع إيجابيا يعرف بسعر تعادل النفط (Breakeven Price).
بالطبع بالنسبة للمشاريع التي فعلا في مرحلة الإنتاج، تكون قرارات الاستمرار في الإنتاج أكثر تعقيدا. قد يكون المشروع سبق أن حقق تكاليف التطوير والاستكشاف، في هذه الحالة التكاليف التشغيلية هي العامل الرئيس في اتخاذ القرار، إضافة إلى ذلك، هناك عامل الوقت، كم من الوقت يمكن للمشروع أن يستمر من دون ربحية قبل أن يتم اتخاذ القرار لإيقاف تشغيله. هذا يعتمد أيضا على التوقعات المستقبلية للأسعار وليس فقط على الأسعار السائدة.
تعتبر حقول المياه العميقة، الرمال النفطية في كندا والصخر الزيتي في الولايات المتحدة بصورة عامة من المشاريع العالية التكاليف والأكثر حساسية لأسعار النفط. بين عامي 2008 و2009 عندما انهارت أسعار النفط بسبب ركود الاقتصاد العالمي، انخفضت النفقات الرأسمالية على مشاريع الرمال النفطية الكندية من 21 مليار دولار في 2008 إلى 14 مليار دولار في عام 2009، أي بنسبة 33 في المائة، حسب الإحصائيات الكندية الرسمية. مع انخفاض أسعار خام برنت دون 80 دولارا للبرميل، وتداول الكثير من النفوط الخام بأسعار أقل من برنت بسبب الجودة أو بسبب الاختناقات في البنية التحتية في أمريكا الشمالية، ما حجم الإنتاج من هذه الأنواع من النفوط الذي يحتاج إلى متوسط سعر يتجاوز 80 دولارا للبرميل من أجل أن يحقق ربحا؟
في هذا الجانب، تشير بيانات الصناعة إلى أن أعلى نسبة من الإنتاج الذي يحتاج إلى أسعار تعادل فوق 80 دولارا للبرميل هي مشاريع وحدات التحسين up-grader التي تنتج السوائل النفطية المصنعة synthetic oil من الرمال النفطية الكندية. إذا استمرت أسعار النفط فترة طويلة دون هذا المستوي فسيهبط صافي عائد القيمة الحالية لهذه المشاريع إلى السالب. وتحتاج مشاريع الرمال النفطية الكندية الحالية التي تنتج بطريقة التعدين (Mined Bitumen) إلى أسعار تعادل دون 80 دولارا في اليوم. في حين أن مشاريع الإنتاج الموضعي (In-Situ) للرمال الكندية لديها أسعار تعادل أقل من ذلك، باستثناء كمية صغيرة جدا من الإنتاج الحالي لديها أسعار تعادل فوق 80 دولارا للبرميل. لكن مشاريع التعدين الجديدة تتطلب أسعارا تعادل بحدود 100 دولار للبرميل، في المقابل تحتاج مشاريع الإنتاج الموضعي الجديدة إلى أسعار تعادل قرب 85 دولارا للبرميل، وفقا لمعهد أبحاث الطاقة الكندية. في حين تضعه بعض المراجع الأخرى عند 75 دولارا للبرميل.
أما بالنسبة إلى موارد الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، فتواجه فقط كمية صغيرة نسبيا من إنتاج الصخر الزيتي أسعارا تعادل أعلى من 80 دولارا للبرميل. في الوقت الحاضر نحو 4.2 في المائة فقط أو نحو 150 ألف برميل في اليوم من إجمالي الإنتاج الحالي مهدد بالانخفاض، وفقا لوكالة الطاقة الدولية؛ حيث إن التقدم التقني مكن الشركات من الحفر بمعدلات أسرع، زيادة كثافة الحفر ورفع معدلات إنتاج الآبار الجديدة، كانت جميع هذه التطورات في غاية الأهمية للحفاظ على الإنتاج في مواجهة معدلات التراجع الحادة للآبار.
إن معدلات التراجع الحادة للآبار تعني أن الإنتاج يمكن أن ينخفض بسرعة في غياب عمليات الحفر الجديدة. على سبيل المثال، عندما أعيقت عمليات الحفر في تشكيلات الصخر الزيتي في حوض باكن في ولاية داكوتا الشمالية بسبب الظروف الجوية في شتاء عام 2013-2014، انخفض إنتاج النفط فيها، ومن ثم استغرق عدة أشهر ليرتفع مرة أخرى إلى المستويات السابقة. في المقابل، سياسات التحوط للشركات تؤثر في حساسيتها للتغيرات في الأسعار. على سبيل المثال، الشركات التي تتبع نهجا أكثر من التحوط تكون أقل حساسية لتقلبات الأسعار.
يعتبر إنتاج حقول المياه العميقة أكثر "تقليدية" من الموارد آنفة الذكر من حيث تعريف الإنتاج والاستجابة لتقلبات الأسعار، لكن مع ذلك هو أيضا عالي التكاليف، ومعدلات انخفاض إنتاجه أسرع من إنتاج الحقول البرية التقليدية. يتأتى ارتفاع تكاليفه من البيئة التشغيلية الصعبة لحقوله. في عام 2013 كان متوسط تكلفة الإنفاق على استكشاف، وتطوير وتشغيل مشاريع الحقول البرية التقليدية نحو 20 دولارا للبرميل في عام 2013، في حين التكاليف المماثلة لحقول المياه العميقة بلغ أكثر من 50 دولارا للبرميل. مع ذلك، يتطلب نحو واحد مليون برميل في اليوم من إنتاج حقول المياه العميقة أسعارا تعادل قرب 80 دولارا للبرميل أو أعلى. على الصعيد العالمي هناك أكثر من مليوني برميل في اليوم من إنتاج النفط الخام تأتي من مشاريع يتجاوز سعرها التعادلي 80 دولارا للبرميل.
(المصدر: الاقتصادية 2014-12-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews