عام الفرص والتحديات للاقتصاد المصري
مر الاقتصاد المصرى خلال عام 2014 بأصعب أزماته منذ عقود، حيث واجه تحديات كبيرة كانت كفيلة بحدوث انهيار للبنية الاقتصادية تتبعها ازمات كبيرة فى المعروض من السلع الاستراتيجية وانخفاض دراماتيكى للعملة المحلية على غرار ما حدث لدول امريكا اللاتينية خلال التسعينيات.
ولعل أبرز هذه التحديات كان انخفاض حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى النصف لتبلغ نحو 6 مليارات دولار مقارنة بالمعدلات السابق تحقيقها خلال الفترة من 2007 الى 2010، كما انخفضت عائدات السياحة بشكل غير مسبوق، إضافة الى بلوغ أزمة الطاقة ذروتها بسبب توقف نشاط الشركات الاجنبية للتنقيب عن الغاز والبترول بعد ارتفاع مديونية الحكومة لها الى نحو 9 مليارا دولار. هذا علاوة على التركة الثقيلة التى خلفتها الانظمة السابقة، حيث تعانى الموازنة العامة عجزا يقترب من نحو 300 مليار جنيه، ومشاكل هيكلية تمثلت فى ارتفاع الدين العام الى 1.8 تريليون جنيه بنهاية يونيو الماضى واستحواذ فوائد الدين العام والدعم على اكثر من نصف الموازنة وفقا لتقارير البنك المركزى المصرى.
ونحن على اعتاب نهاية 2014 ومشارف عام جديد، نتطلع فيه بتفاؤل لتحقيق انطلاقة اقتصادية، وبقدر بما يحمله العام القادم من آمال و تطلعات، فإنه يحوى فى طياته تحديات لا تقل خطورة عن سابقه. فقد حذرت تقارير دولية من أن الاقتصاد العالمى لم يتعاف بعد من الأزمة المالية التى لحقت به عام 2008، وأن مخاطر وقوع انتكاسة للاقتصاديات الكبرى لا تزال قائمة، كما خفض صندوق النقد الدولى من توقعات نمو الاقتصاد العالمى خلال عام 2015 الى 3.8%.
وستضطر دول الخليج أكبر داعم سياسى واقتصادى لمصر الى مراجعة أرصدة المالية العامة لديها خلال العام المقبل بسبب الانخفاض المتزايد لاسعار البترول بفعل زيادة المعروض وضعف النمو العالمى، وهو ما سيؤدى الى خفض الانفاق الحكومى والتأثير على حجم الطلب فى الاسواق الخليجية. علاوة على ان الاتحاد الاوروبى اكبر شريك تجارى واستثمارى لمصر سيشهد تباطؤا كبيرا للنمو.
وأمام مشهد اقتصادى دولى غير مستقر، فإن الاقتصاد المصرى سيواجه تحديا كبيرا العام المقبل لجذب استثمارات لا تقل عن 10 مليارات دولار سنويا للخروج من عنق الزجاجة وتحقيق معدلات النمو المستهدفة .
وتتركز الجهود الحكومية حاليا على وضع قانون للاستثمار الموحد لتيسير اجراءات التأسيس والقضاء على البيروقراطية، وأيضا إعادة هيكلة حوافز الاستثمار بما يتفق مع الاهداف التنموية للدولة، ودفع الاستثمارات فى القطاعات المرتبطة.
الا أنه يتعين الانتباه الى اتخاذ اجراءات اخرى لا تقل أهمية سواء للمستثمر الاجنبى او المحلى مثل ضبط الاسواق، ومواجهة الممارسات الاحتكارية والضارة والحد من ظاهرة التهريب، والتى تؤدى بشكل كبير الى تآكل ربحية الشركات المستثمرة وضبابية المشهد الاستثمارى فى مصر.
ولا يخفى أهمية ايجاد آلية لتسوية المنازعات بين الحكومة والمستثمرين من خلال تقديم الغطاء القانونى والصلاحيات الكاملة للجنة فض المنازعات بمجلس الوزراء، لتسوية الخلافات مع المستثمرين بشكل نهائى مع الحفاظ على حقوق الدولة دون اللجوء الى الاجراءات القضائية التى تحتاج الى سنوات للتوصل الى تسوية نهائية.
كما ينبغى العمل على تكثيف الجهود لتسويق حزمة الحوافز الاستثمارية المزمع طرحها، وتوسيع دائرة الشركاء الاستثماريين التقليديين لمصر والمتمثل فى دول الخليج والاتحاد الاوروبى الى مناطق اخرى تتمتع بفوائض مالية كبيرة ،مثل الصين و دول جنوب شرق أسيا التى اصبحت لاعبا دوليا رئيسيا فى حصة الاستثمارات العالمية و استثمرت نحو 330 مليار دولار خارج حدودها العام الماضى،كما ينبغى ايلاء اهمية كبيرة لجذب الصناديق السيادية التى بلغت استثماراتها بجميع انحاء العالم نحو 6.4 تريليون دولار خلال عام 2013.
وبقدر ما يحمله العام القادم من تحديات فإنه يتضمن ايضا فرصا للاقتصاد المصرى يتعين استغلالها، فانخفاض اسعار البترول بالنمط المتوقع خلال عام 2015 ليبلغ 70 دولارا للبرميل، قد يساهم فى تخفيف الضغوط على الموازنة العامة للدولة وتوفير نحو 40 مليار جنيه من بند الدعم يمكن توجيهها لقطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية،كما ان التباطؤ الذى يشهده الاقتصاد الاوروبى قد يدفع بعض الشركات الاوروبية الى نقل نشاطها الى دول اخرى تتمتع بانخفاض تكاليف العمالة والطاقة.
لذا فإن اقتناص تلك الفرص يتطلب مسبقا وضوح الرؤية لاصلاح البيت من الداخل ، وتطوير المنظومة التشريعية والتنفيذية وحل ازمة الطاقة جذريا خلال الاشهر القليلة القادمة قبل عقد مؤتمر شركاء التنمية بشرم الشيخ مارس المقبل. وهو ما سيكون له مردود ايجابى على صورة الاقتصاد المصرى التى اهتزت امام المستثمرين الدوليين خلال الاعوام الثلاثة الماضية ،بما يحمله من اشارات لانطلاقة اقتصادية ترتكز على الشفافية وحماية رأس المال الجاد وانفاذ القانون.
(المصدر: الأهرام 2014-11-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews