تشخيص متلازمة نقص الطلب العالمي المزمن قبل العلاج
ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني يُعلن أن "أضواء التحذير الحمراء تومض مرة أخرى على لوحة الاقتصاد العالمي".
الأضواء ليست حمراء كما كانت في عام 2008. مع ذلك، فإن الصعوبات الناجمة عن التقشف المالي الذي توصي به حكومته قد أصبحت واضحة بشكل خاص، في كل من اليابان ومنطقة اليورو.
هذه الاقتصادات الراكدة ذات الدخل المرتفع هي الحلقات الأضعف في الاقتصاد العالمي. حتى نفهم السبب، يحتاج المرء لتحليل الخلل الاقتصادي الأكثر أهمية اليوم.
كان جاك ليو، وزير الخزانة الأمريكي، قد قدم لمحة واقعية في كلمة ألقاها في سياتل، في طريقه إلى قمة مجموعة العشرين، التي تقود الاقتصادات ذات الدخل المرتفع في عطلة نهاية الأسبوع الماضي في أستراليا.
كما أشار فإن العالم لا يزال بعيداً عن تحقيق النمو "القوي والمستدام والمتوازن"، الذي تم التعهد به في قمة عام 2009 في بيتسبيرج.
وقال إن الانتعاش العالمي "غير متكافئ، ويتسم بمسارات مختلفة بشكل حاد".
وأضاف "الطلب المحلي في الولايات المتحدة تفوّق على مستويات ما قبل الأزمة في الربع الأول من عام 2012، وهو الآن عند نحو 6 في المائة أعلى مما كان قبل الأزمة. أما الطلب المحلي فارتفع في كل من اليابان والمملكة المتحدة إلى نحو 2 في المائة، على أن الطلب في منطقة اليورو لا يزال يحتاج إلى استعادة لما فقده خلال الأزمة، حيث ظل عند أكثر من 4 في المائة دون مستوياته التي كان عليها قبل الأزمة".
ما لم يُضفه ليو هو أن هذا الأداء الضعيف– على الرغم من الارتفاع بنسبة 6 في المائة في الطلب الحقيقي في الولايات المتحدة على مدى أكثر من ستة أشهر، مثير للشفقة، وفقاً للمعايير التاريخية- فقد حدث على الرغم من السياسات النقدية الأقوى في التاريخ.
لم تكُن معدلات التدخل الرسمية من مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، فوق الصفر بكثير منذ أواخر عام 2008. كافح البنك المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة إلى ما فوق 1 في المائة في عام 2011، لكن بعد ذلك استسلم لقوة السحب التي وضعت أسعار الفائدة قريبا من صفر. وكان بنك اليابان يُقدّم سعر فائدة قريبا من الصفر لعقدين من الزمن.
هذا لم يكُن كافياً تقريباً. جميع هذه البنوك المركزية زادت ميزانياتها العمومية بشكل كبير. في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، استقر توسع الميزانية العمومية.
وفي منطقة اليورو، تم عكس الانكماش منذ عام 2012، في حين أن الميزانية العمومية لبنك اليابان تتجه نحو الطبقات الاقتصادية العُليا من الغلاف الجوي، حيث إنها الآن عند نسبة 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ولا تزال مستمرة.
كيف نفسّر مثل هذا الطلب الضعيف، ولا سيما في منطقة اليورو واليابان؟ إذا تمكنّا من فهم هذا سيكون لدينا أمل لاتخاذ القرار بشأن الحلول المناسبة. بإمكاننا تعريف ثلاث مجموعات من التفسيرات الأساسية.
المجموعة الأولى تؤكد عبء ما بعد الأزمة من الديون الخاصة والأضرار التي لحقت بالثقة الناجمة عن التفكيك المفاجئ للنظام المالي.
وتتكون استجابة المبادئ الحالية من تنظيف للميزانيات العمومية وضخ رأس المال الاضطراري إلى النظام المصرفي، بدعم من اختبارات الإجهاد، لإقناع الجمهور أن النظام المالي يتمتع بالجدارة الائتمانية مرة أخرى. ولهذا ينبغي إضافة الدعم المالي والنقدي من أجل الطلب. من وجهة النظر هذه، ينبغي أن تكون العودة إلى النمو سريعة.
المجموعة الثانية من التفسيرات تنفي هذا الاقتراح الأخير، فهي تجادل بأن الطلب ما قبل الأزمة كان غير مستدام لأنه كان يعتمد على تراكمات هائلة من ديون القطاعين الخاص والعام– حيث إن ديون القطاع الخاص مرتبطة بالفقاعات في أسعار العقارات. عانت اليابان مثل هذا الانعكاس ما بعد الفقاعة في تراكم ديون القطاع الخاص بعد عام 1990؛ والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسبانيا بعد عام 2008.
المغزى من هذا هو أن الاقتصادات تعاني ليس من ركود الميزانية العمومية لفترة ما بعد الأزمة فحسب، بل أيضاً من عدم القدرة على توليد الطلب المدفوع بالائتمان بحجم فترة ما قبل الأزمة.
وراء عدم استدامة الطلب ما قبل الأزمة تكمُن الاختلالات العالمية، والتحوّلات في توزيع الدخل والاستثمار الضعيف هيكلياً. أحد الأعراض هي الفائض المالي المزمن (فائض الدخل على الإنفاق) في القطاع الخاص، كما في اليابان ومنطقة اليورو.
المجموعة الثالثة من التفسيرات تُشير إلى تباطؤ في النمو المحتمل، نتيجة لمزيج يجمع بين التغيرات في التركيبة السكانية، وتباطؤ الارتفاع في الإنتاجية، والاستثمار الضعيف.
هذه المجموعة الأخيرة من التفسيرات تُغذّي مباشرة في الثانية. إذا كان من المتوقع أن يتباطأ نمو العرض المحتمل، فإن الاستهلاك والاستثمار سيكونان ضعيفين.
وهذا من شأنه توليد نمو ضعيف في الطلب. إذا حاربت البنوك المركزية هذا، ستحصل على فقاعات. وإذا تقبّلته، فإن النمو الضعيف للعرض سيتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها بذاتها.
الاقتصادات ذات الدخل المرتفع تعاني مجموعات الاعتلالات الثلاث كلها، إلى حد أكبر أو أقل، الولايات المتحدة أقل، واليابان ومنطقة اليورو أكثر.
حتى الصين، إن كانت تتمتع بمعدل نمو محتمل أعلى بكثير، تعاني أيضاً من المجموعة الثانية والثالثة من المخاوف - حتى إن لم تكن تعاني أزمة مالية.
إن نموها في الأعوام الأخيرة كان مدفوعاً من التراكمات السريعة غير المستدامة من الديون والمعدلات المرتفعة غير المستدامة من الاستثمار، نظراً للتباطؤ في نموها الأساسي.
السبب في أن السياسة المتطرفة لم تكن فعّالة جداً هي أن الاقتصادات تعاني اعتلالات عميقة الجذور من هذا القبيل، الأمر لا يتعلق فقط بالعرض الضعيف. كذلك لا يتعلق فقط بالطلب الضعيف. ولا بمجرد عبء الديون أو الصدمات المالية. كل اقتصاد أيضاً لديه مزيج مختلف من الاعتلالات.
باعتباره اقتصادا أكثر حيوية من حيث التركيبة السكانية وأكثر ابتكاراً، مع انخفاض معدلات الادخار الخاص، فإن احتمالات الهروب إلى إعدادات سياسة طبيعية هي أفضل بالنسبة للولايات المتحدة، مما هي لمنطقة اليورو أو اليابان.
بالمثل، باعتبارها اقتصادا يتمتع بإمكانية اللحاق، يجب على الصين الحصول على تعديل قابل للسيطرة.
بيد أن منطقة اليورو واليابان تواجهان تحدّيات أكبر بكثير في استعادة النمو السليم. السبب في هذا هو أن القطاعات الخاصة فيها غير قادرة على استخدام المدخرات التي ترغب في توليدها.
وهذا يُبقي لها خيارات سياسة غير تقليدية، ربما غير تقليدية أكثر من تلك التي جرّبتها. العواقب من المضي قُدماً قد تكون مدمرة سياسياً، ولا سيما في منطقة اليورو.
ما هذه الاحتمالات، والسبب في كونها مؤلمة جداً سيكون موضوعي في الأسبوع المقبل.
الفايننشال تايمز2014-11-21
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews