6 شروط لمعالجة العلل الاقتصادية والسياسية العالمية المزمنة

هناك ستة شروط دائمة للتوصل إلى "وضع طبيعي جديد": الأول، تفادي نقص الطلب. الفكرة وراء "الكساد طويل الأمد" هو أنه دون تضخم سريع في أسعار الأصول أو سياسة نقدية قوية بشكل استثنائي، هناك استحالة لتوليد طلب كاف من أجل استيعاب المعروض العالمي المحتمل.

نقص الطلب المزمن مرض عالمي، كان نافذ المفعول قبل فترة لا بأس بها من الأزمة المالية العالمية 2007 - 2009. وهو ساري المفعول اليوم.

إن كان هناك أي تغيير في ذلك، فهو ربما حتى أنه يزداد سوءا. عموما، تجاوز العرض للطلب في سوق السندات في الاقتصادات التي ضربتها الأزمة، لا يزال عاليا للغاية. وفي الوقت نفسه، شهدت الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك الصين بشكل خاص، تقلصت حريتها في المناورة السياسية، في الوقت الذي ارتفعت فيه الديون في القطاع العام أو الخاص (أو في كثير من الأحيان في كليهما على حد سواء).

التعويض المعقول الوحيد هو الانخفاض في أسعار النفط، الأمر الذي يحول الدخل من المدخرين إلى المنفقين. من المفترض أن يعمل هذا على تخفيف الأوضاع، ولكن بشكل مؤقت فحسب.

في حين أن الطلب يتقوى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كما يمكن للمرء أن يأمل بعد سنوات من السياسات النقدية القوية، إلا أن منطقة اليورو لا تزال في حالة كساد خطير. وفي الوقت نفسه، لم تتمكن اليابان حتى الآن من الهروب من فخ انكماشها.

الثاني: تجاوز الإنتاجية الراكدة. منذ الجزء الأخير من القرن الماضي، انخفض النمو الأساسي في إنتاجية العمل في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع بنحو 2 في المائة سنوياً، إلى أقل بكثير من 1 في المائة.

انخفاض النمو في الإنتاجية يغلب عليه أن يمنع كلا من الاستثمار والاستهلاك، في الوقت الذي يتراجع فيه الدخل المستقبلي، ما يعمل بالتالي على تفاقم نقص الطلب. كما أنه يجعل لسعة ارتفاع عدم المساواة أكثر حدة، لكن لحسن حظ الاقتصادات الناشئة، فإنها لا تزال قادرة على اللحاق بالمستويات الإنتاجية للاقتصادات الغنية.

الثالث: التمويل الهش. النظام المالي العالمي في بعض النواحي حتى أكثر هشاشة مما كان عليه قبل الأزمة، فالنظام المصرفي في العالم الغربي أكثر تركيزا حتى من ذي قبل. الرافعة المالية - نسبة الموجودات إلى حقوق المساهمين - لعديد من المصارف العالمية الكبيرة هو نحو 25 إلى 1، الذي لا بد أن يجعلها عرضة للمخاطر. الحوافز لتحريك النشاط المالي خارج النواة المنظمة للغاية للنظام المالي العالمي مع ذلك، قوية. وكان أحد مصادر القلق هو تمويل الشركات في الأسواق الناشئة عبر السندات المقومة بالدولار.

وعلاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى الشفافية في الميزانيات العمومية لا يزال شاقا. في النظام المالي العالمي المعقد، قدرة المشاركين على فهم الميزانيات تعتبر محدودة. هذا يميل إلى توليد دورات ساحقة تتجه نحو الخطر الذي يتبعه نفور ناجم عن الذعر. انخفاض العائدات الحقيقية على الأصول الآمنة يغلب عليه أن يؤدي إلى تفاقم شدة الاتجاه نحو الخطر وبالتالي مدى النفور.

الرابع: السياسة غير المستقرة. تدهور الأداء الاقتصادي وارتفاع عدم المساواة يولد ضغوطا سياسية كبيرة. الديمقراطيات الغربية المستقرة حتى الآن تظهر عليها علامات تشير إلى اختلافات حادة لدى الرأي العام المحلي، وفي الوقت نفسه العداء تجاه النخب السياسية والشركات المحلية على حد سواء.

العنصر المشترك هو العداء للأجانب والمشاريع السياسية العابرة للحدود الوطنية على حد سواء. المملكة المتحدة، على سبيل المثال، التي كانت في الماضي نظام حكم ديمقراطي مستقر بشكل استثنائي، لم تعد كذلك. مثل هذه التوترات تشكل تهديدا بشكل خاص لمنطقة اليورو.

المنعطف الحالي للعجلة الاقتصادية يؤكد أيضا على الدول الناشئة الهشة سياسيا، وفي الوقت الذي تنخفض فيه أسعار السلع الأساسية، تظهر الديون المعدومة وأيام انتهاء تدفقات رأس المال الرخيص.

وتتميز بعض مناطق العالم بدول ضعيفة أو غير موجودة. في بعض الأحيان، لم تقم الدول بتأدية وظيفتها أبدا بحق. وفي بعض الأحيان، تنهار الأنظمة الديكتاتورية الهشة، كما هي الحال في سورية. وفي كلتا الحالتين، فإن غياب النظام يدعو للتدخلات وينشر الفوضى.

الخامس، الجغرافيا السياسية المتوترة. نحن نعيش الآن عصر التغيرات السريعة في ظل القوة الاقتصادية النسبية، ممثلة في صعود الصين قبل كل شيء، والتراجع النسبي في كل من أوروبا والولايات المتحدة.

تعتبر الصين دولة حازمة، وتعتبر روسيا دولة توسعية، والغرب حذر. في هذا العالم، احتمالية سوء التقدير الجدي تعتبر واقعا دائما. قبل عام، كان الحديث عن الخلاف بين الصين واليابان. الآن بات عن الخلاف بين روسيا والغرب. لا أحد يمكن أن يكون متأكدا مما سوف يحدث لاحقا.

سادسا، فرط مستوى التحديات. هذه النظم السياسية المُجهَدة تواجه تحديات محلية ودولية كبيرة. ومن بين هذه التحديات هو توريد السلع العامة العالمية، الذي يتضمن الحفاظ على اقتصاد عالمي مفتوح والسلام وعلى الناس العاديين في العالم.

ويعد دائما من الصعب لعدد كبير من الدول التعاون بشكل وثيق، ولكن بعض هذه التحديات صعبة للغاية. إدارة تغير المناخ هي الأصعب. مع ذلك كان عام 2014 هو العام الأكثر حرارة على الإطلاق.

هذه الظروف مزمنة، لكنها ليست حرجة. وفي الوقت نفسه لا يمكن علاجها بسرعة أو بسهولة. ويمكن، مع ذلك، إدارتها. لا ينبغي أن نمنع النمو الاقتصادي المستمر، خاصة في الاقتصادات الناشئة، ولكن عملية التقارب هذه تعمل في سياق اقتصادات مجهَدة وسياسات هشة.

في الواقع، يمثل التقارب في نواح مهمة العمل على تفاقم الإجهاد. لا يمكننا أن نتجاهل كل هذه الصعوبات. على العكس من ذلك، علينا أن نعمل بجد أكثر للحد منها.

(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-01-22)