تراجع النفط يضغط على البلدان الناشئة المنتجة للموارد
لنفط يصبح أرخص. هذا الأمر نعرفه. الآن السؤال الصعب: من المستفيد من هذا؟
بعض الإجابات واضحة. البلدان الكبيرة المُصدّرة للنفط التي تعتمد بشكل خاص على عائدات النفط، مثل روسيا أو فنزويلا، من المقرر أن تخسر بشكل خطير. سائقو السيارات في البلدان حيث السيارة هي المهيمنة والبنزين يخضع لضرائب قليلة، مثل الولايات المتحدة، من المنتظر أن يستفيدوا.
لكن مجموعة من الاحتمالات بالنسبة للمستثمرين تبدو أكثر تعقيداً. أسعار النفط تعمل بشكل مباشر على تغذية التضخم، وبالتالي تؤثر في إجراءات البنوك المركزية التي لا تقل أهمية الآن عن أي وقت مضى. ارتفاع أسعار النفط في عام 2008 جعل البنك المركزي الأوروبي يرتكب واحدا من أخطاء السياسة النقدية الأكثر فظاعة في الأعوام الأخيرة، حين رفع أسعار الفائدة عشية أزمة الائتمان - لذلك التحوّل في النفط يجلب المخاطر ويمكن أن يتطلب تحوّلات كبيرة في توزيع الأصول.
علاوة على ذلك، التأثير في سوق الأسهم العام مخفي، طالما أن النفط يشكل نفقات بالنسبة لجهات كثيرة - لكنه بمثابة عائدات لبعض آخر. شركات النفط الكبيرة هي التي ستشعر بألم انخفاض الأسعار الحاد أولاً. ويمكن أن نتوقع ضبط سلوكها، بطرق لها آثار ثانوية بالنسبة للمساهمين والمستهلكين.
أخيراً، الانخفاض الحاد في سعر سلعة مهمة دائماً ما يكون ذا مغزى، إلا أن النفط الخام انخفض بمقدار الربع منذ حزيران (يونيو)، وهناك أمور كثيرة تعتمد على المكان الذي سيتحرك إليه السعر من هنا. فإذا تمت إعادة تثبيته عند سعر قريب من مستواه الحالي، أو انخفض أكثر من ذلك وبقي عند ذلك المستوى لبضعة أعوام، فإن الآثار سوف تتضخم مع مرور الوقت.
كل هذا يجعل من الصعب قياس تأثير النفط الأرخص على الأسواق. مع ذلك، يقدم ديفيد كوستين، الخبير الاستراتيجي للأسهم الأمريكية في جولدمان ساكس، تحليلا للحساسية يُشير إلى أن نفط برنت بسعر 84 دولارا للبرميل ـ تقريباً حيث هو الآن ـ يتلاءم مع نمو أرباح بنسبة 5 في المائة لأسهم الشركات المدرجة في مؤشر ستاندر آند بورز 500 هذا العام، و8 في المائة للعام المقبل. وانخفاضه إلى 74 دولارا من شأنه رفع الأرقام بواقع نقطة مئوية واحدة. في الوقت نفسه، حين يكون سعر خام برنت عند 114 دولارا ـ تقريباً السعر الذي كان يتم التداول به خلال لنصف الأول من هذا العام ـ فهو يتلاءم مع نمو أرباح بنسبة 1 في المائة فقط لهذا العام - لذلك سوق النفط بالتأكيد كانت بمثابة نعمة صافية لأسواق الأسهم في البلدان المتقدمة.
لكن هل تدفق النفط يترك الصفقات المربحة في أعقابه؟ الأمر الغريب أن أكبر المستفيدين ربما يكونون شركات النفط نفسها. وفقاً لمؤشرات MSCI، انخفض قطاع الطاقة في العالم بنسبة 5.5 في المائة سنويا، في حين أن الأسهم ككل ارتفعت نحو 3 في المائة - والقطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية حصدت مكاسب بنسب مكونة من خانتين.
كيف تستجيب شركات النفط؟ أولاً، بتخفيض التكاليف، الأمر الذي يعتبر صعباً على الاقتصاد. في الولايات المتحدة النفقات الرأسمالية تهيمن عليها شركات الطاقة، لذلك التخفيضات سوف تنساب لإلحاق الضرر بآخرين. وفي النهاية، مع قيامها بتخفيض الطاقة الإنتاجية والعرض، فإن الأسعار سترتفع - هذه هي الطريقة التي تعمل بها أسواق السلع.
لكن إذا لم يتم إنفاق الأموال على النفقات الرأسمالية، هناك فرصة لأن يتم دفعها إلى المساهمين، من خلال أرباح الأسهم، أو عمليات إعادة شراء الأسهم. هذه طريقة تم اختبارها جيداً بالنسبة للشركات التي توقفت عن النمو، لإبقاء أسعار أسهمها مرتفعة. وإذا استمرت أسعار الفائدة على السندات منخفضة لفترة أطول (وأسعار النفط المنخفضة تُضيف إلى قوة العوامل التي تبقي أسعار الفائدة منخفضة)، عندها فإن الدخل من الأسهم، على شكل عائدات أرباح الأسهم، سينمو بشكل أكثر جاذبية.
وهذا يحدث بالفعل منذ الآن. إذا بدأت شركات النفط بالفعل إدارة نفسها من حيث النقود، وبقي البحث عن العائدات كثيفا، فقد تكون ذات أداء قوي على نحو مدهش.
من يستفيد أيضاً؟ أسهم شركات النقل (بارتفاع بلغ نحو 11 في المائة سنويا، وفقاً لمؤشر MSCI) هي المستفيدة الأوضح. هناك أسهم أخرى أقل وضوحاً، لكنها تتركز في أسهم السلع الكمالية - التي جعلت المستثمرين يُصابون بخيبة أمل مع أرباحها للربع الثالث. شركات تصنيع الصودا، أو متاجر التجزئة الكبيرة من المقرر أن تحصل على بعض من مبلغ الـ70 مليار دولار الذي بإمكان مستهلكي الولايات المتحدة توفيره من البنزين، في حال بقيت أسعار النفط الخام منخفضة. ووفقاً لجوناثان جليونا، المحلل الاستراتيجي للأسهم الأمريكية في باركليز، فإن مؤشر 20 شركة أمريكية مستفيدة من النفط الأرخص تفوّق على مؤشر ستاندر آند بورز 500 بنسبة 6 في المائة منذ بدأ النفط الخام التراجع في منتصف فصل الصيف.
وبالنسبة لديناميكيات السوق الأرحب، يغذي النفط الأرخص الظروف شبه المثالية لأولئك الأمريكيين الأثرياء، بما فيه الكافية، للاستثمار في الأسهم وأصول أخرى. فمن خلال إبقاء معدل التضخم منخفضا، يعمل ذلك على تأجيل بداية رفع أسعار الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي، كما يعمل على تحفيز الاقتصاد الذي يبدو أنه يحتاج إلى تحفيز.
أرقام معدلات البطالة لشهر تشرين الأول (أكتوبر) التي صدرت الجمعة، مع انخفاض معدل العاطلين عن العمل إلى 5.8 في المائة ونمو القوة العاملة قليلاً، لكن الأرباح المتوسطة تبقى ثابتة، لا تعمل إلا على تعميق هذا الاتجاه: هذا أمر جيد بالنسبة لأسعار الأصول، لكنه ليس كافياً لجعل معظم الأمريكيين يشعرون بأنهم أفضل حالاً. والاستياء الذي أظهره الأمريكيون في الانتخابات النصفية الأسبوع الماضي كان مفهوماً. وإذا كان يعتبر بمثابة عزاء من أي نوع، فإن النفط الأرخص يجعل الأجور تحقق مشتريات أكثر، وفي الوقت نفسه يضع مزيدا من الضغط على الأسواق الناشئة المُنتجة للموارد، ويرفع الدولار. النفط الأرخص جزء من عالم مريح جداً في الواقع بالنسبة للأمريكيين.
فايننشال تايمز 2014-11-10
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews