ضعف الطلب وقوة الإمدادات وراء هبوط أسعار النفط
العامل الأساسي وراء هبوط أسعار النفط إلى مستويات متدنية دون 85 دولارا للبرميل، أي بنحو 30 دولارا للبرميل منذ شهر حزيران (يونيو) الماضي، هو الأساسيات الهبوطية للطلب على النفط. في الوقت الذي لم يحقق فيه الطلب العالمي على النفط أي نمو على أساس سنوي في الشهر الماضي، ارتفعت الإمدادات العالمية لشهر أيلول (سبتمبر) بنحو 2.9 مليون برميل في اليوم مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. ارتفع أيضا المخزون العالمي من النفط، بفضل حالة "الكونتانجو" Contango بأسعار خام برنت القياسي، أي أن أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، حيث إن الفرق بين الأسعار الفورية والآجلة يعوض عن تكاليف التخزين.
تعاني أسعار النفط أيضا من ضعف الاقتصاد وقوة الدولار. حيث إن هشاشة الاقتصاد في منطقة اليورو، والآن في بعض الاقتصاديات النامية أثر سلبا بصورة كبيرة على نمو الطلب على النفط. في الوقت نفسه، ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات العالمية جذب الاستثمارات بعيدا عن الدول المستهلكة الأخرى، مما ساعد على هبوط أسعار النفط، حيث أصبح النفط أكثر تكلفة في العملات الأخرى.
العوامل الجيوسياسية، التي كانت في الماضي القريب تعد الركيزة الأساسية لقوة أسعار النفط، فقدت بريقها وتأثيرها بسبب الفائض الكبير في المعروض النفطي في أسواق النفط العالمية وأيضا بسبب وجود طاقات احتياطية كافية لمعالجة أي اضطرابات معقولة في الأسواق. كما تشهد الأسواق المالية بشكل عام اضطرابات، ولم يكن النفط في مأمن من ضغوط البيع في هذه الأسواق، لقد تطرقت لهذا الموضوع في مقال سابق. والشيء المهم الآخر بالنسبة لأسواق النفط العالمية، هو غياب الرسائل الواضحة من قبل المنتجين الرئيسين في منظمة أوبك حول كيفية التعامل مع هذا الهبوط في أسعار النفط، ما عزز الاتجاه الهبوطي للأسعار.
في السنوات الأخيرة، كان النمو الكبير في إمدادات النفط العالمية، بقيادة الولايات المتحدة، الشاغل الرئيس للأسواق، في حين أن الاهتمام بالطلب على النفط كان أقل. نمو الإمدادات لا يزال مؤثرا جدا، حيث إن ثبات أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل على مدى الثلاث سنوات الماضية أعطى حافزا للمزيد من عمليات الحفر، واستخدام الاستخلاص المعزز للنفط وتطوير تقنيات جديدة.
على الرغم من أن الطلب على النفط يبدو كما لو أنه بدأ في التعافي في الربع الرابع، إلا أن أسواق النفط سوف تظل تعاني من الفائض في الإمدادات، هذا الوضع من وفرة المعروض من المتوقع أن يستمر في عام 2015، باستثناء بعض الانقطاعات التي قد تحدث بالصدفة في بلدان مثل ليبيا والعراق. في الواقع الاتجاهات الحالية للعرض والطلب تشير إلى وجود فائض بنحو مليوني برميل في اليوم في عام 2015، من الصعب على دولة منفردة من منظمة أوبك التعامل وحدها مع هذا الفائض في الإمدادات، حتى لو أن نمو الطلب على النفط عاد بشكل كبير. من المتوقع الآن أن يصل الفائض في الإمدادات في النصف الثاني من عام 2014 إلى أكثر من 1.6 مليون برميل في اليوم، أي نحو ضعف ما هو متوقع أن يمتصه نمو الطلب المتزايد من قبل الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي وبعض البنية التحتية الجديدة في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية.
لكن سيبقى السؤال، كيف ستتعامل دول منظمة أوبك مع هذا الفائض في الإمدادات؟ الفائض في حوض الأطلسي معظمه من نوع النفط الخفيف-الحلو من نيجيريا، التي شهدت في السنوات الأخيرة تآكل حصتها في أسواق نصف الكرة الغربي بفعل ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة وتراجع وارداتها من النفط. على سبيل المثال، لا يزال لدى نيجيريا شحنات كبيرة من النفط الخام لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) غير مباعة. النفط المتوسط الحامضي من المملكة العربية السعودية لا يمكنه ببساطة تعويض الفائض في النفط الخفيف-الحلو. إذا ما أقدمت المملكة على خفض إنتاجها، فإن الأسواق سوف تعاني من نقص النفط المتوسط الحامضي، لكن فائض النفط الخفيف سوف يبقى. ويمكن التخلص من فائض النفط الخفيف فقط عندما تبدأ شركات التكرير الآسيوية شراء كميات أكثر من النفط، ولكن لنقل المزيد من النفط إلى الأسواق الآسيوية يتطلب إعطاء خصومات كبيرة.
الوضع في شهر أيلول (سبتمبر) لم يقتصر فقط على بعض الارتفاع في المخزون النفطي وضعف شديد غير متوقع في الطلب، لكن كان هناك أيضا مزيج من النمو في المعروض شمل نحو 450 ألف برميل في اليوم من دول منظمة أوبك، معظمه من ليبيا والعراق. هذا الارتفاع في الإمدادات جاء إضافة إلى النمو الأكبر ومن المتوقع في إنتاج الدول من خارج "أوبك" والبالغ أكثر من 450 ألف برميل في اليوم، بقيادة أمريكا الشمالية. في الوقت نفسه، تبددت التوقعات الضعيفة بقيام دول منظمة أوبك بالتنسيق السريع فيما بينها لخفض سقف إنتاجها، بعد أن ارتفع الإنتاج السعودي في شهر أيلول (سبتمبر) بنحو 107 آلاف برميل في اليوم، حسب البيانات المقدمة من قبل المملكة إلى الأمانة العامة للمنظمة.
ظلت التطورات في الإمدادات من خارج دول منظمة أوبك على حالها في الشهر الماضي، جاء معظم النمو من أمريكا الشمالية. حيث أضافت الولايات المتحدة نحو 200 ألف برميل في اليوم نصفها من عودة إنتاج ألاسكا بعد موسم الصيانة الصيفي والباقي من مناطق الصخر الزيتي القائمة والمياه العميقة في خليج المكسيك. ارتفع الإنتاج الكندي بنحو 100 ألف برميل في اليوم، في حين سجل الإنتاج المكسيكي نموا إيجابيا على غير العادة. ارتفع أيضا الإنتاج الكولومبي والبرازيلي مرة أخرى، وبقى إنتاج دول الاتحاد السوفياتي السابق على حاله، حيث إن الانتعاش الطفيف في الإنتاج الروسي عوض عن انخفاض الإنتاج من كازاخستان، أذربيجان وباقي الجمهوريات السابقة.
(المصدر: الاقتصادية 2014-10-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews