الإعلام الغربي من دور الرقيب إلى دور التابع
أن يكون الإعلام العربي تابعا لأصحاب النعمة وليس بمقدوره لعب دور الرقيب على الدولة والمؤسسات شأنه شأن السلطات الثلاث التي هي غالبا مجتمعة في شخص أو مجموعة سلطوية محددة فهذا أمر يمكن فهمه لأنه نابع من سياقه ومحيطه.
بيد أن يكون الإعلام الغربي لا سيما الأمريكي تابعا ذليلا للسلطة التنفيذية والتشريعية في بلدانه ويخسر الدور الرقابي الذي تمنحه له المجتمعات المدنية الحديثة فهذا أمر يصعب على الكثيرين استيعابه.
ما دعاني إلى كتابة هذا الموضوع هو الهلع والخوف الذي صار الإعلام الغربي يغرسه في متلقيه من خلال ترويجه، دون فحص وتمحيص وتحد لما تجتره، السلطات لا سيما التنفيذية منها في مسعاها لشن الحروب المدمرة التي تدور رحى أغلبها في الشرق الأوسط.
في الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003 سوّق الإعلام الغربي وطبل وزمر لكل الأكاذيب التي كانت السلطات لا سيما الأمريكية والبريطانية تروجها حول العراق وأسلحة الدمار الشامل وعلاقته بالقاعدة والإرهاب.
والكل يعلم اليوم أن ذلك كان كذبة كبيرة صدقها الإعلام وروج لها، لا بل ضخمها، واضطرت على أثرها بعض المؤسسات الإعلامية بعد أن فضحها الواقع على الأرض، إلى الاعتذار لقرائها كما فعلت جريدة «نيويورك تايمز» وهي أقوى وأكثر الجرائد في العالم تأثيرا.
وكان الكثير من أساتذة الخطاب من أمثالنا يتصورون أن الإعلام الغربي لن ينسى هذا الدرس الكبير وطريقة خداعه وبشكل مكشوف وعلني من قبل السلطة التنفيذية والتشريعية في بلدانه.
ولكن يبدو أن الإنسان ذاكرته قصيرة وإمكانية وقوعه في الفخ ذاته الذي نصبه لنفسه أو نصبه الآخرون له ممكنة أو ربما حتمية.
وهكذا وبعد نحو عقد من الزمان صار الإعلام الغربي يجتر الخطاب الحكومي ويؤكده ويكرره دون تمحيص وإثارة الشكوك والتساؤل، وبدلا من لعب دور الرقيب على السلطات أصبح مرددا لأقوالها، لا بل ومرآة تعكسها.
اليوم قلما تقرأ الرأي الآخر في الإعلام الغربي ذاته، وقلما تسمع أصواتا معارضة، وقلما تتاح الفرصة لصاحب خطاب يدعو إلى الحوار والتمحيص والتدقيق، لا بل التشكيك في الخطاب الرسمي للسلطة.
وأظن القراء يذكرون مسألة مجموعة خراسان التي قيل إنها أكثر إرهابا من داعش، وأكثر عنفا من القاعدة، وإنها على أبواب الهجوم على أمريكا والغرب، وكيف أن الإعلام تلقف الخطاب الخاص بـ «خراسان» وضخّمه وأخرجه من سياقه وبث الرعب في كل مكان في أوروبا وأمريكا، واليوم لا ذكر لـ «خراسان».
وخطاب التخويف وإدخال الرعب في قلوب الناس يعتاش عليه الإعلام دون إثارة الأسئلة والبحث عن آراء مضادة ومختلفة.
وهكذا صار أبطال الخطاب الإعلامي في الغرب ومحتلو الصفحات الرئيسة في الجرائد المؤثرة، ومحتلو شاشات التلفزة في أوقات الذروة مسؤولين من أمثال السناتور الأمريكي لندسي كراهام الذي صرح بأن «داعش» قادمة إلى أمريكا وأنها ستقتلنا كلنا، والسناتور بيل نيلسون الذي دعا إلى قطع رأس الحية قبل أن تتمكن من رفع علمها على البيت الأبيض، وليون بانيتا رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق الذي دعا الأمريكيين إلى إعداد أنفسهم لحرب ستستمر 30 عاما.
وأسوأ خطاب قرأته كان الذي ينقل ويردد تصاريح لبول بريمر حاكم العراق بعد الاحتلال الأمريكي ويقدم نصائح وتحذيرات وخريطة طريق والكل نسي أو تناسى أن هذا المسؤول بالذات هو وراء أغلب المشكلات التي حدثت في العراق بعد الغزو ولا يزال يعانيها.
( بروجيكت سينديكست 2014-10-25 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews