أوباما عبء على الديمقراطيين في الانتخابات النصفية
كانت ولاية أيوا الشهيرة بالذرة هي التي منحت في عام 1976 حاكما غير معروف من جورجيا انطلاقته إلى البيت الأبيض. قبل وقت طويل من إنهاء جيمي كارتر فترة ولايته الوحيدة، شعرت ولاية أيوا بندم المشتري على الحادث غير القابل للمقارنة الذي استحوذ على قلبها ذات مرة. "التوعك" كانت الكلمة التي دخلت إلى قاموس المفردات الأمريكية في ذلك الحين، واليوم هي بصدد العودة مجددا. والجمهوريون يلقون باللوم على باراك أوباما في ذلك، بينما الديمقراطيون يلومون كل شيء باستثناء الرئيس. وأيا كان المذنب، فإن الانتخابات النصفية في الشهر المقبل تتشكّل لتصبح انتخابات معتلة. ومرة أخرى ولاية أيووا تقود الأجواء، التي هي مزيج من الخوف والملل والسخرية.
لا توجد سيرة ذاتية تناسب هذا الخوف أكثر من سيرة جوني إيرنست، المرشحة عن حزب المحافظين للمقعد الذي أخلاه توم هاركين، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي المخضرم. وإيرنست ليست فقط عسكرية مخضرمة، وإنما كانت تقود مجموعة من 150 جنديا في العراق وعادت إلى البلاد دون وفيات. ونظرا لتأثير ولاية أيووا الكبير على السباق الرئاسي في الولايات المتحدة – تجري فيها المؤتمرات الحزبية الأولى - فإن الناخبين فيها على اطلاع أفضل من معظم الأمريكيين بشأن التهديدات المتعددة التي تواجه الولايات المتحدة. وقد لعب مؤيدو إيرنست بشدة على تلك المخاوف. وفي واحد من الإعلانات التلفزيونية المخيفة بشكل خاص، تبدو إيرنست بمثابة القوة الوحيدة القادرة على منع الإرهابيين الجهاديين من تهريب فيروس إيبولا عبر الحدود الأمريكية المكسيكية. وهذا إنجاز لا بأس به بالنسبة لمشهد مدته 30 ثانية.
السيطرة على مجلس الشيوخ، التي يبدو أنها أكثر ترجيحا من أي وقت مضى أنه سيقع في أيدي الجمهوريين، تتوقف على قرار ولاية أيووا. يحتاج الجمهوريون إلى الفوز بستة مقاعد من أجل السيطرة، أحدها في ولاية أيووا. وتظهر استطلاعات رأي حديثة أن إيرنست تتمتع بميزة. فمنافسها الديمقراطي هو بروس بريلي، المحامي السابق، الذي تعاني حملته سوء الإدارة. ومن المحزن القول إن حملته تعكس ملل الناخبين بشكل أفضل. فبعد أن أمضى ثمانية أعوام عضوا في مجلس الشيوخ في واشنطن، يجد بريلي صعوبة في إبعاد نفسه عن اختلالها الوظيفي.
في الشهر الماضي لم يسد بريلي لنفسه خدمة كبيرة، عندما قلل من شأن تشاك جراسلي، عضو مجلس الشيوخ الآخر عن ولاية أيووا، باعتباره مزارعا دون شهادة من كلية الحقوق. وباستثناء السياسيين والصحافيين، هناك عدد قليل من المهن غير المحبوبة أكثر من المحامين - ولا يحصل كثير منهم على تصنيف أعلى من المزارعين، ولا سيما في ولاية أيوا. إيرنست التي تتباهى بأنها كانت تقوم بخصي الخنازير في مزرعة عائلتها، وبالتالي هي مؤهلة لقطع لحم الخنزير في واشنطن، استفادت من زلة بريلي. بريلي نفسه يأتي من بلدة بروكلين الزراعية الصغيرة، لكن بحسب تعبير أحد محرري الصحف: "هو يتصرف كما لو أنه من بروكلين نيويورك، وليس بروكلين أيووا". سكان ولاية أيوا لا يعجبهم ذلك. وما يزيد من مشاكله، هو أن حلفاءه لا يحفظون اسمه. في الأسبوع الماضي أشارت إليه ميشيل أوباما باسم بروس بايلي عدة مرات، عندما كانت تقف إلى جانبه على المنصة. وبيل كلنتون ارتكب الغلطة الشهر نفسها الماضي، قبل أن يصحح نفسه قائلا: "آسف، إنه بريلي. وليس بايلي". وحين يكون لديه أصدقاء كهؤلاء، فإن المدعو بريلي ليس في وضع مريح.
العنصر الثالث هو السخرية والتهكم. لقد قامت ولاية أيوا أكثر من أي مكان آخر لوضع أوباما في البيت الأبيض، عندما منحته انتصارا ساحقا على هيلاري كلينتون في كانون الثاني (يناير) 2008. ومنذ ذلك الحين وأوباما يستخدم تعبير "ولاية أيوا" وكلمة "الأمل" وكأنهما مترادفان. وفي الوقت الحاضر تعتبر أيوا مجرد ولاية عابرة أخرى بين خط سير الداعمين من جامعي التبرعات على كل ساحل. وشعبية الرئيس منخفضة جدا، بحيث أنه غير مرحب به في أي من دوائر مجلس الشيوخ المحاصرة، وولاية أيوا من ضمنها (شعبية السيدة الأولى أعلى بكثير من شعبية زوجها).
في ولاية كنتاكي، المرشحة الديمقراطية، أليسون لاندرجران جرايمز، لن تكشف حتى ما إذا كانت قد صوتت لصالح أوباما في 2008 و2012. واستشهدت بحقها الدستوري المتعلق "بالسرية عند صندوق الاقتراع". وخاض بريلي مناظرة تم بثها بالكامل عبر شاشات التلفزيون الأسبوع الماضي دون أن يأتي على ذكر اسم أوباما. والغريب بما فيه الكافية، أنه كان من السهل على إيرنست ذكره.
من وجهة نظر اقتصادية، استياء ولاية أيوا قد يبدو غريبا. فأكثر من نصف سكان الولاية يعتقدون أن ولايتهم تسير في الاتجاه الصحيح - في مقابل ربع الأمريكيين بالكاد. المحاصيل الوفيرة منحت الولاية نموا فوق المتوسط، في الوقت الذي ينتعش فيه اقتصاد الولايات المتحدة ببطء. وسكانها لا يتشاركون انعدام الثقة بالصفقات التجارية، المنتشر في أنحاء الولايات المتحدة كافة، إذ تعد قطاعات لحم الخنزير ومنتجات الألبان والدواجن في الولاية قطاعات تصدير كبيرة إلى الصين. وقبيل أن يصبح رئيسا للصين، توقف تشي جينبينج في ولاية أيوا للاعتراف بذلك. لكن على الرغم من نجاحها، لا يخفي سكانها سريعو الانفعال ضيقهم بسياسات الولايات المتحدة التي تعمل كالمعتاد. وسواء كان في شوارع دي موين الثرية، أو في ضواحي نيوتن المحبطة، تعبر شريحة متنوعة من الأشخاص عن لازمة مشتركة بشكل لافت للنظر: العالم يبدو خطِرا بشكل متزايد، وواشنطن ما زالت تخرج من مفاجأة لتقع في أخرى.
وتضع استطلاعات الرأي الوطنية الآن السياسة الخارجية في مرتبة أعلى من الاقتصاد – وهو ما يشكل عودة إلى أولويات الناخبين خلال ولاية جورج دبليو بوش الأولى. ويجتمع القلق من عودة الدب الروسي، وقطع الرؤوس في سورية، وعدوى فيروس إيبولا الثانية في أراضي الولايات المتحدة مع شك عميق في قدرة واشنطن على التعامل من أي منها. وحقيقة أن جهاز الخدمة السرية استغرق أياما لاكتشاف علامات خمس رصاصات في الجناح الغربي من البيت الأبيض، والسماح لرجل مسلح بركوب المصعد مع رئيس الولايات المتحدة، قد أكدت تلك السخرية. القادة لا يقودون. والمؤسسات تفشل باستمرار ولا يبدو أنه يتم محاسبة أحد.
قد يبدو كل هذا مثيرا للقلق بعض الشيء. لكن بالنسبة لسكان أيووا هذا حقيقي بشكل واضح. في الولاية التي أنجبت جون واين، فإن المطالبة بالقيادة آخذة في الارتفاع.
( فايننشال تايمز 2014-10-23 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews