شعبية أوباما المتداعية تقلص حظوظ الديمقراطيين في الانتخابات النصفية
يتكئ الأب وليام باربر الثاني على عصاه خارج مبنى الولاية في نورث كارولينا في عصر صيف ذابل، وهو يلقي بالأوامر من الكتاب المقدس ممزوجة بتصريحات سياسية إلى الحشد المتجمهر.
ويقول وهو يشير إلى المجلس التشريعي الذي يهيمن عليه الجمهوريون وراء ظهره، ويركز على الكلمات الأخيرة بصوت تتردد أصداؤه في الأفق: "حين تدير السياسة العامة وتبنيها على كذبة، فإنك لا تملك القدرة على الدخول في حضرة الحقيقة".
في الماضي كانت المهارات الخطابية لدى الأب باربر، الرجل المربوع الذي يرزح تحت وطأة مرض مؤلم في الظهر، لا تشكل أهمية وراء المنصة التي كان يلقي منها مواعظه. وحتى بعد التفخيم الذي يأتي مع وظيفته الأخرى، باعتباره رئيس فرع الولاية للجمعية الوطنية لمساندة السود، وهي مجموعة الدفاع عن الحقوق المدنية للأمريكيين السود، فإن هذا ليس له وزن يذكر فيما وراء الجمهور المحتشد.
لكن التجمعات الصغيرة مثل التجمع المتجمهر خارج المجلس التشريعي في نورث كارولينا، تتخذ أهمية أكبر من حجمها قبيل الانتخابات النصفية للكونجرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
الجمهوريون الذين يسيطرون الآن بقوة على مجلس النواب، بحاجة إلى الفوز بستة مقاعد فقط في مجلس الشيوخ ليسيطروا على الكونجرس بأكمله. وقائمة المرشحين الديمقراطيين المعرضين للهزيمة طويلة.
وسيكون لانتصار الجمهوريين نتائج عميقة. ففي حال فوزهم بعد سنوات من التقلبات الداخلية، سيتمكنون من السيطرة على لجان مجلس الشيوخ التي تسيطر على الشؤون التشريعية والتحقيقات، وسيزيدون من قوتهم في جمع الأموال ويحصلون على قوة أكبر في تعيين القضاة الفدراليين، وستكون لهم اليد العليا في وضع الأجندات السياسية في السنتين الأخيرتين المتبقيتين من عمر رئاسة باراك أوباما.
إضافة إلى ذلك ستتجمد القوانين في مكانها، وهي تواجه فعليا الآن معارك سياسية لأجل إقرارها، لأن كل جانب سيستمر في مراقبة الوضع إلى أن يحين موعد الانتخابات المقبلة.
بالمثل، ستكون الخسارة مدمرة للجمهوريين. وقد انتهت الآن المؤسسة الجمهورية من اختيارها للمرشحين لخوض انتخابات عام 2014، بعد أن فشلت في الفوز بمجلس الشيوخ في انتخابات 2010 و2012، الذي كان السبب الأكبر فيه هو اختيار مرشحين خارجين عن الاتجاه العام في ذلك الوقت. لكن لم يعد يوجد هذه المرة أي عذر لكبار اللاعبين في الحزب.
وإضافة إلى ذلك ستجهز الانتخابات النصفية المشهد لسباق الرئاسة ذي المخاطر الأعلى الذي سيجرى في عام 2016، عندما يقوم كل من الحزبين بترشيح متقدمين جدد للرئاسة في البيت الأبيض لأول مرة منذ أن تمكن باراك أوباما من هزيمة جون ماكين في عام 2008.
يريد الجمهوريون من انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) ألا تكون أقل من استفتاء وطني حول البيت الأبيض ومن يشغله، وسيكون هذا في وقت بدأت فيه أسهم أوباما تنخفض في أجواء اقتصادية ضعيفة وفوضى جيوسياسية.
ويقول هالي باربر، وهو رئيس سابق للجنة الوطنية الجمهورية: "عندما يعتقد ثلثا الأمريكيين أن البلاد تذهب في الاتجاه الخاطئ، ونحو نصفهم يعتقد أن البلاد ما زالت تعاني الكساد، فسيكون من الصعب تصديق أن هذه الانتخابات ستكون حول موضوعات خاصة بالولايات".
وتقف كل من ولاية نورث كارولينا وولايات أخرى قليلة عائقاً بين الجمهوريين وتحقيق نصرهم في أمس الحاجة إليه في هذه الانتخابات الوطنية. لكن كل ما يهم الأب باربر وأشباهه من الديمقراطيين من الانتخابات المقبلة هو أن تدور جميعاً حول الولاية التي يعيشون فيها وليس حول باراك أوباما في واشنطن.
يقول غاري بيرس، الاستراتيجي الديمقراطي المقيم في رالي، عاصمة ولاية نورث كارولينا: "المشكلة الحقيقية في هذه الانتخابات تدور حول من هو الذي تكرهه أكثر، أو بين أوباما والجمهوريين في حزب الشاي".
وقياساً على المعايير الانتخابية العادية، فسيكون سعي الديمقراطيين للسيطرة على مجلس الشيوخ قضية خاسرة.
يدافع الحزب عن عدد كبير فوق العادة من أصحاب المقاعد التشريعية في ولايات تميل إلى الجمهوريين، وكثير منهم وصل إلى هذه المقاعد وهو متعلق بأذيال أوباما عام 2008. أما في بعض الولايات، مثل ويست فرجينيا ومونتانا وساوث داكوتا، فقد بذل الديمقراطيون كل جهدهم ولم يستسلموا.
ولا يعتبر وجود رئيس في البيت الأبيض ميزة لهم. تقليدياً كان عامل الاهتراء والاستهلاك هو الوحيد الذي يجرجر حزب الرئيس المبتلي بالجلوس في منصب الرئاسة لفترة ثانية إلى الانتخابات النصفية وانتظار نتائجها. وبسبب كل ذلك يعتبر الجمهوريون هم المفضلين.
لكن هناك الكثير من المرشحين، مثل السيدة كي هاغان في ولاية نورث كارولينا، ومارك بريور في ولاية أركنسو، وماري لاندريو في لويزيانا، يبذلون كل جهدهم للخروج من ظل أوباما. ويقول شارلي كوك، أحد المعلقين السياسيين في واشنطن: "هناك كثير من الديمقراطيين من أصحاب المقاعد المعرضين للخطر، ولكن لم يُقضَ على الكثير منهم".
وتجسد ما تعرف شعبيا باسم عروة "حزام الإنجيل" (الولايات المحافظة الواقعة جنوب شرق الولايات المتحدة ووسطها) التي هي خليط من قيم المحافظين في نورث كارولينا والسياسات الليبرالية فيها، ما يمكن تسميته بالسير على حبل مشدود في الانتخابات النصفية لعام 2014، وهو الحال الذي لا يوجد في غير هذه الولاية.
وكتب رود كريستنسين، وهو معلق سابق في الولاية: "كانت ولاية نورث كارولينا القِدْر السياسي الذي يغلي قبل أن يصبح بفترة طويلة موضة للحديث عن استقطاب كلا الحزبين". ويجتمع في نورث كارولينا عمق التدين والقيم المحافظة الريفية مع طفرة حديثة في الاستثمار في التعليم العالي. وحوّل هذا ما يسمى مثلث الأبحاث المحيط بمدينة رالي، إلى مركز عالمي يجذب شركات مثل باسف وجلاكسو سميث كلاين.
ويقول جيم هانت، الذي تولى منصب حاكم الولاية أربع مرات: "نحن نعرف أن الشركات لا تأتي إلى هنا فقط لأجل الضرائب المنخفضة أو لأننا الأقل في الإجراءات التنظيمية، ولكنها تأتي لوجود الناس اللامعين فيها".
وفاز أوباما في انتخابات عام 2008 بالولاية مع أدنى هامش من الأصوات في أي انتخابات تجرى في هذه الولاية، وبعد أربع سنوات كان فوزه أقرب ما يكون إلى الخسارة. وسيكون الفائز في الانتخابات النصفية هو من سيأخذ أصوات الولاية معه إلى مجلس الشيوخ. ويمكن القول في هذه البلاد التي تقسم فيها الولايات إلى اللون الأحمر المنحاز إلى الجمهوريين، والأزرق المنحاز للديمقراطيين، أن نورث كارولينا هي من أكثر الولايات الأمريكية التي يمكن تمثيلها باللون الأرجواني (الولايات المتأرجحة بين الحزبين).
لكن لون المجلس التشريعي في ولاية نورث كارولينا أحمر غامق، الأمر الذي وضع هذه الولاية في مركز الضوء على المستوى القومي. وقد تمكن الجمهوريون من الفوز بأغلبية محصنة من الفيتو في كل من المجلسين التشريعيين أثناء الموجة المضادة في انتخابات عام 2010 واستطاعوا احتلال مقعد حاكم الولاية عام 2012.
وهذه أول مرة يحدث فيها مثل هذا منذ أواخر القرن التاسع عشر وهم يمارسون السلطة على هذا المستوى في نورث كارولينا ولم يضيعوا فيها مثل هذه الفرصة. فقد استطاعوا خلال فترة قصيرة أن يقلصوا من منافع البطالة والإنفاق على التعليم العالي ورفضوا تقديم المال الفيدرالي إلى الصحة والفقراء، وسمحوا للمال الخارجي بدخول الانتخابات التشريعية، وأدخلوا نظام الكوبونات المدرسية المستخدم في تمويل المدارس الخاصة وأعادوا رسم خريطة الحدود الانتخابية لتحصين أغلبيتهم المحافظة.
وهناك الكثير من الأفكار الأخرى التي ظهرت فجأة من بين صفوف الجمهوريين دون أن تنجح في أن تتحول إلى قانون، مثل السعي لحظر تطبيق قانون الشريعة الإسلامية في الولاية والسماح بإدخال الأسلحة المخفية إلى الحانات والملاعب.
قال بيل ماهر، الذي يستضيف شخصيات في برنامجه الساخر توك شو: "خُذ كل فكرة غبية أو غاضبة تسمع فيها عمك السكير المنتمي لليمين المتطرف وهو يتمتم بها في عيد الشكر، ثم حولها إلى قانون، وستجد أن هذا هو ما يحدث اليوم في نورث كارولينا".
ويرفض المحافظون الانتقاد الذي يقول إن المجلس التشريعي تحول إلى اليمين ويعتبرونها شكوى مريرة من مؤسسة ليبرالية معزولة. ويقول فرانسيس دي لوكا، من مؤسسة الأبحاث المحافظة، سيفيتاس إنستيتيوت: "الناس الذين يشتكون كانوا في السلطة لسنين طويلة، والآن هم خارج السلطة".
وهو يرى أن خفض منافع العاطلين عن العمل، وهو واحد من أهم الإجراءات المثيرة للجدل، كان أيضاً واحداً من أذكى الإجراءات، فقد عمل على تخفيض المال المطلوب من الولاية لواشنطن دون أن يحدث زيادة في معدل البطالة.
وتقدم الحكومة الفيدرالية القروض للولاية إذا نفدت الأموال المخصصة للإنفاق على العاطلين عن العمل. وفي حالة ولاية نورث كارولينا تشكل أقساط الديون التي تدفعها الولاية لواشنطن 5 في المائة من ميزانيتها، كما رفعت الحكومة الفيدرالية من قيمة الضرائب على رواتب العاملين في الشركات في الولاية حتى يتم سداد الديون المترتبة عليها.
لكن تلطيخ سمعة الجمهوريين وداعميهم من حزب الشاي واعتبارهم متطرفين في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية أثبت أنها سياسة جيدة للديمقراطيين، وأنها تساعد في تحويل الانتباه عن أوباما. ويلاحظ بربور أن "ذلك يعطي فرصة للديمقراطيين كي يغيروا الموضوع، ويدفع الجمهوريين إلى أخذ وضع دفاعي".
يوجد سبب جيد آخر للديمقراطيين لإبقاء انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي مركزة على المجلس التشريعي للولاية، لأن المرشح الجمهوري المنافس للسيدة هاغان هو رئيس مجلس النواب، توم تيليس.
وكان أحد أهم إعلانات الدعاية الخاصة بحملة انتخاب هاغان يصفها بفخر حسب تصنيف مجلة أمريكية، بأنها أكثر الشيوخ "اعتدالاً" في واشنطن. علماً بأنه لم يجرؤ أي جمهوري بعد صعود نجم حزب الشاي على وصف نفسه بالمعتدل، خوفاً من طرده من صفوف الحزب.
لكن لدى تيليز حلفاء أقوياء يفيدون في استغلال فرصة عدم شعبية أوباما. ومن هؤلاء الحلفاء المجموعة السياسية "أمريكيون لأجل الازدهار" المدعومة من صاحبي المليارات الصناعيين، تشارلز وديفيد كوخ، التي أنفقت سبعة ملايين دولار في ستة أشهر، حتى شهر آذار (مارس)، في نورث كارولينا على مهاجمة هاغان، إلى جانب قانون الرعاية الصحية للرئيس أوباما.
ويقول دونالد برايسون، مدير مجلة طب العائلة الأمريكية: "غير كل ذلك من الخلاف حول (قانون الرعاية الطبية الميسر التكلفة)، والآن إذا طرقت باب بيت أحدهم وسألته عن رأيه بقانون الرعاية الصحية المذكور، فستكون له وجهة نظر. سيلهب هذا السؤال مشاعرهم".
وتراجعت حدة الجدل حول "أوباماكير" منذ حفل غداء كارثي في أواخر السنة الماضية، لكن مستوى تأييد أوباما لا يزال منخفضاً في الولاية وفي الولايات الأخرى المتنازع عليها. ورغم سعادتهم بأخذ الأموال التي جمعها أوباما – وهو أمر لا يزال الرئيس بارعاً فيه – لم يقم أي من المرشحين الديمقراطيين الذين يتعرضون لمنافسة قوية بدعوته إلى الحملة معهم.
ولم يتلق أوباما اهتماماً يذكر حتى في الاجتماع الصغير في أواخر آب (أغسطس) الذي تُوِّج بخطاب الأب باربر. وعرض ذلك الاجتماع تشكيلة من قضايا يمين الوسط، مثل الحد من عملية التكسير الهيدروليكي وحقوق المهاجرين والكثير من الملاحظات الموجهة ضد المرشحين للمناصب التشريعية من الجمهوريين. ويقول الأب باربر: "هؤلاء يجعلون رونالد ريجان يبدو وكأنه ليبرالي بالنسبة لهم".
وعلى نحو ينسجم مع تقاليد "حزام الإنجيل"، ركز الاجتماع على الصورة الدينية، وسار الحشد الذي اجتمع حول مبنى حكومة الولاية سبع مرات، تشبيهاً بالمنظر الذي وصف في الكتاب المقدس وفيه يقوم جيش جوشوا الإسرائيلي بهدم أسوار مدينة أريحا.
وبالنسبة للديمقراطيين هذه الأسوار هي التي تحيط ببيت الحكومة في رالي. وبالنسبة للجمهوريين فهي تمثل البيت الأبيض في واشنطن. وبعد شهرين، سيعتقد كل جانب أن بيت الآخر هو الذي هُدم.
يقول هانت، الحاكم الديمقراطي السابق: "أنا واثق جداً، لكن ذلك سيكون دقيقاً مثل دقات الساعة".
لكن ما زال باربر، الجمهوري السابق، يحس بوجود موجة محافظة على الطريق، تنهي عهد أوباما برفض مجلجل للديمقراطيين عند عد الأصوات الموجودة في صناديق الاقتراع، حتى لو أظهرت استطلاعات الرأي خلاف ذلك. وهو يقول: "إذا وقع حزب في مشكلات، فعادة لا يظهر ذلك إلا بعد وقت متأخر، ومتأخر جداً".
( فايننشال تايمز 2014-10-13 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews