مع أوباما .. أمريكا تبقى بيضاء وسوداء مثلما كانت
تراجعت ثروة الأمريكيين الأفارقة في عهد باراك أوباما أكثر من تراجعها في عهد أي رئيس آخر منذ الكساد العظيم. ومع ذلك هم المجموعة الوحيدة التي لا تزال تعطيه تقييمات مرتفعة، في وقت بلغت فيه نسبة التأييد الوطني لأوباما درجة من الضآلة جعلته غير مرحب به من الديمقراطيين المتعبين في الولايات التي أوصلته مرتين إلى السلطة. أولئك الذين يسجلون أسوأ أداء في ظل أوباما هم الذين يحبونه أكثر. ولن يكون بإمكانك العثور على مثال أفضل على السياسة القائمة على التصور. وكما تساءل القس كيفين جونسون في عام 2013 "لماذا نحن موالون جداً للرئيس الذي لا يظهر الولاء لنا"؟
تتخذ هذه المشكلة أهمية جديدة مع استقالة إريك هولدر، أول وزير عدل في الولايات المتحدة حاول تصحيح التفاوت الضخم على صعيد إصدار الأحكام بالسجن بين السود والبيض. وبخروجه يبقى اثنان فقط من الأمريكيين السود في حكومة أوباما. وبالنظر إلى الحالة المزاجية السائدة بين الجمهوريين، من الصعب أن نتصور مجلس الشيوخ الأمريكي وهو يوافق على تعيين خلف لهولدر يتقاسم معه أولوياته.
لقد ازدادت شهرة أوباما في عام 2004 عندما قال "إنه لا توجد أمريكا سوداء وأمريكا بيضاء، فقط الولايات المتحدة الأمريكية". لكن كما يذَكِّرنا استمرار ردة الفعل الغاضبة إزاء إطلاق الشرطة النار على شاب أسود أعزل في فيرجسون، حين تنتهي ولاية أوباما ستكون الولايات المتحدة على الأقل منشقة كما وجدها. كيف يمكن أن يكون ذلك؟ الجواب العادل هو أنه ليس المسؤول عن هذا. الفقراء يعانون وطأة الكساد العظيم والسود أكثر احتمالا لأن يكونوا من الفقراء. وبأي مقياس كان - حصة ذوي القروض العقارية من ضعاف الملاءة، مثلا، أو أولئك الذين يعملون في وظائف هشة - الأمريكيون من أصل إفريقي كانوا أكثر في خط المواجهة وبشكل مباشر.
دون جهود أوباما، لكانت معاناة الأمريكيين الأفارقة حتى أكبر من ذلك بكثير. فقد خاض معركة مع الكونجرس للحفاظ على كوبونات الطعام والتأمين ضد البطالة على المدى الطويل - وكلاهما يساعد السود على نحو غير متناسب. وقد انخفض عدد الأمريكيين الذين هم من دون تأمين صحي بواقع ثمانية ملايين شخص منذ جاء قانون الرعاية بأسعار معقولة حيز التنفيذ. وبالمثل، لم يفعل أي رئيس ما فعله أوباما - دون تأثير يذكر بشكل يوقع الكآبة في النفس - في محاولة لتصحيح التحيز العنصري في إصدار الأحكام القضائية في المحاكم الفيدرالية الأمريكية. سبق أن وُصف بيل كلينتون ذات مرة بأنه "أول رئيس أسود في أمريكا"، لكن كانت البلاد تحت ولاية كلينتون عندما ارتفعت معدلات السجناء إلى مستويات شاهقة.
من خلال أي مراجعة صادقة لا يمكن لوم أوباما بخصوص تراجع حظوظ السود في أمريكا. إلا أن الحقائق تعطي انطباعاً سلبياً بشكل عميق. فمنذ عام 2009 انخفض متوسط دخل الأسر من غير البيض بمقدار العُشر، إلى نحو 33 ألف دولار في السنة، وذلك وفقا لمسح مجلس الاحتياطي الفيدرالي لمالية المستهلكين. وككل، انخفض متوسط الدخل بنسبة 5 في المائة. لكن المقياس الأكثر تعبيراً من صافي الثروة - الأصول ناقصاً المطلوبات – هو الأرقام التي تقدم قصة أكثر إثارة للقلق.
يوجد لدى الأسرة من غير البيض متوسط صافي قيمة يبلغ فقط 18100 دولار - تقريباً أقل بمقدار الخمس مما كان عليه عندما تولى أوباما منصبه. ومتوسط ثروة البيض، من ناحية أخرى، ارتفع بنسبة 1 في المائة ليصل إلى 142 ألف دولار. في عام 2009 كانت الأسر البيضاء أكثر ثراء بسبع مرات من نظرائها من الأسر السوداء. وتبلغ تلك الفجوة الآن ثمانية أضعاف. وسواء من حيث الأداء النسبي والمطلق، فإن وضع السود الآن أسوأ في ظل أوباما.
فلماذا يستمر الأمريكيون من أصل إفريقي في منحه تقييمات عالية؟ لنفهم ذلك، استمع إلى الرسالة السياسية من منتقدي أوباما. فكلما أكثر حزب الشاي في سب أوباما، أصبح الأمريكيون الأفارقة أكثر حماسة في دعمه. عندما وصف نيوت جينجريتش، الزعيم الجمهوري السابق، أوباما بأنه "رئيس كوبونات الغذاء"، كان المعنى الضمني لذلك واضحاً. وكان ذلك أيضا عندما اعترض جو ويلسون، النائب الجمهوري، خطاب أوباما إلى الكونجرس ليدعوه بالكاذب – وهو جرح للكرامة لم يسبق أن عاناه أي من أسلافه.
كذلك، لم يضطر أي رئيس لتأكيد أنه ولد في الولايات المتحدة (بدلاً من كينيا). ثم طالب دونالد ترامب بدليل على أن الرئيس التحق بجامعة هارفارد. كيف يمكن لرجل أسود أن يحقق كل هذا النجاح دون غش؟ هذا على الأقل ما سمعه كثير من الأمريكيين السود. ثم هناك تأثير أوباما باعتباره أنموذجاً يحتذى به. وباستثناء استعراض كوسبي الخيالي - المسرحية الهزلية حول الأسرة السوداء المتفائلة في الثمانينيات - كثير من البيض ليس لديهم خبرة تذكر عن العائلات السوداء السوية. وتبقى هذه الأخيرة غير مألوفة بشكل يؤسف له. وقد بذل كل من باراك وميشيل أوباما الكثير لمواجهة هذه الصورة.
هناك صورة بارزة في البيت الأبيض تظهر اللحظة التي مس فيها طفل أسود شعر أوباما لمقارنته بشعره. عندها سأله أوباما "ما رأيك الآن؟" فقال الطفل: "نعم، إنه يبدو فعلاً الشعر نفسه". تلك الحادثة تنقل شيئاً لا يمكن لإحصائيات البنك الاحتياطي الفيدرالي قياسه.
يبدو أن الأمريكيين السود فهموا شيئاً نسيه كثير من أنصار أوباما البيض. إذا تحكم الحزب المعارض في الكونجرس ويريد أن يثير المشكلات، فإنه يمكن أن يوقف تقريباً أي مبادرة للبيت الأبيض قبل أن تتحرك. ومعظم الناخبين يحملون الرئيس مسؤولية الاتجاهات الكبرى التي تؤثر في حياتهم، والاقتصادية منها بشكل خاص. لكن هناك أوقات لا يبدو فيها أن الرئيس يستحق ذلك تماماً. في ظل هذا الرئيس على الأقل، ربما تكون النظرة الفاحصة لأمريكا السوداء متقدمة خطوة على البقية.
( فايننشال تايمز 2014-10-19 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews