أسس جديدة للاستقرار المالي
معظم النظريات الاقتصادية فشلت في تنبؤ الأزمات خاصة الأخيرة بدءا من 2008 . ترتكز النظريات الاقتصادية الرئيسية على افتراض أن الاقتصاد يسير بدوراته العادية ارتفاعا وانخفاضا، وأن الأزمات تحدث بشكل مفاجئ أي يستحيل تنبؤها بل يستحيل تطبيق سياسات تمنع حصولها. لا توجد أسباب هيكلية ومبدئية داخل الأنظمة الاقتصادية تؤدي إلى حصول أزمة، بل هنالك مفاجآت تحصل وتمر فتعود الدورة إلى طبيعتها العادية. عبر هذه النظريات، لا يمكن تنبؤ
الأزمة بل يمكن فقط تحليلها ودراستها وتقييمها بعد أن تحصل علما بأن الدروس لا تنفع حيث عنصر المفاجأة يبقى الطاغي. يمكن وصف هذه النظريات بالقضاء والقدر أي لا تنبؤ ولا وقاية، بل تحمل التبعات التي لابد وأن تحصل من وقت لآخر.
في هذه الحال، ليست هنالك جدوى من إقرار قوانين سلامة ووقاية مالية واقتصادية طالما أن الأزمة ستحصل. من أفضل نتائج هذه القوانين تخفيف الصدمة في قوتها ونتائجها، دون أن تمنعها واقعيا. انخفضت نسب النمو كثيرا بدءا من سنة 2008 ، كما تدنت أسعار العقارات وارتفعت البطالة كما حجم العجز المالي في معظم الدول الصناعية. انقسمت النظريات الاقتصادية بين من يريد ضخ المال والنقد لدفع النمو وبين من يرغب في ضبط العجز المالي حتى على حساب النمو. قصة النمو طويلة منذ الخمسينات حتى سنة 2000 حيث لم تتوقف إلا في السبعينات لفترات قصيرة مما جعل العالم يعتقد أن عملية النمو طبيعية وأن الاستثناء
هو العكس. إذا حصلت أزمة ما تعرقل مسيرة النمو، فلابد وأن تنتهي ويعود النمو إلى سابق عهده. من ناحية أخرى، هنالك نظريات تشير إلى أن الأزمات المالية ليست قضاء وقدرا، بل تنتج عن سياسات سيئة وظروف صعبة. أن سبب الأزمات ومصدرها ليس المصارف بل الأوضاع الاجتماعية. فالعلاج لا يكون في الإجراءات والقيود والقوانين المصرفية، بل في كل ما يساهم في تحسين توزع الدخل ومعالجة واقع وأسباب الفقر. المصارف بريئة تبعا لهذه المجموعة التي يمكن توزيعها على محاور ثلاثة: أولا: السياسات الحكومية التي تحمي الكبار خاصة كبار المصارف عندما تتعثر. تدفع هذه الحمايات المؤسسات إلى المخاطرة في الأعمال لعلمها أنه سيتم إنقاذها منعا لضرب النظام العام. استغلت المصارف الدولية هذا الواقع وأعطت قروضا لمن لا يستحقها، مما سبب انهيارا في الأسواق المالية فأتت المصارف المركزية للإنقاذ. ثانيا: الفارق الكبير في الدخل والثروة بين الطبقات الشعبية ووجود طبقة وسطى مرتاحة تشكل
العصب الاقتصادي للدولة. ثالثا: هنالك نظريات تقول إن الأزمات تنبع من الفقر أو من سوء الغذاء المرتبط به. يساهم النمو في معالجة مشاكل الفقر والبطالة
بحيث لا تتفاقم إلى حدود لا يمكن تحملها. ترتكز هذه النظريات على تجارب الماضي حيث استمر النمو الاقتصادي العالمي لفترات طويلة منها بين 1946 و 1964 في الولايات المتحدة تزامنت أيضا مع فترة إنجاب مرتفع. على المدى الطويل اعتمدت نسب النمو على عوامل ثلاثة هي الزيادة السكانية والتطور التكنولوجي كما زيادة الادخار لتمويل الاستثمارات. لم يكن لموضوع المناخ أي وجود، إذ كان خارج الاهتمامات الشعبية والحكومية في تلك الحقبة. ارتكزت ثقافة النمو على أن الإنتاج يعتمد على عاملين فقط هما رأس المال واليد العاملة. لم يكن للموارد الطبيعية، قبل أزمات النفط في السبعينات، أي دور إذ اعتبر توافرها طبيعيا في الكمية والسعر. هنالك عوامل أربعة مهمة جديدة غيرت الواقع العادي ونقلت الاقتصاد العالمي إلى مرحلة جديدة: أولا: ارتفاع التكلفة الحقيقية للمواد الأولية. نكرر أن نظريات النمو كانت تفترض أن الموارد الطبيعية متوافرة دائما وبأسعار مقبولة لكل أقسام المجتمعات من مستهلكين ومنتجين. إلا أن هذا الافتراض خاطئ حيث حتى السلع الغذائية لم تعد متوافرة بأسعار يتحملها الفقراء. ثانيا: اعتمدت الدول الصناعية في الماضي على القوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة للوصول إلى منابع المعادن والنفط والأورانيوم وغيرها. لم يعد هذا ممكنا اليوم كما تدل عليه حرب العراق والأوضاع الأمنية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط. الجيوش الكبيرة لم تعد قادرة على التحكم في مصادر الثروةا.
ثالثا: تغير التطور التكنولوجي كما لم يحدث في القرون الماضية. فالثورة الرقمية مدهشة إذ غيرت طرق العمل وفرضت الاختصاص المتطور للمتابعة
والاستعمال. سيتغيران أكثر فأكثر مع الثورة الرقمية.
رابعا: هنالك ضرورة لمعالجة مواضيع الأخلاق في الاقتصاد العالمي. الأزمات المالية الكبيرة السابقة كانت أولا أزمات أخلاق، ولابد من تحسين هذا
الواقع عبر تطوير القوانين ليس فقط في عقوباتها وإنما أيضا في طرق مكافحة الغش. التكنولوجيا الجديدة تساعد هنا.
(المصدر: الشرق 2014-10-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews