«نوفوروسيا» طريق روسيا نحو الهاوية
تشير الخطة السلمية التي اقترحها بوتين خلال زيارته منغوليا وتصريحات ممثلي جمهورية دونيتسك الشعبية الى انّ روسيا تتجه الى تثبيت كيان «نوفوروسيا» (روسيا الجديدة) المفتقر الى اعتراف دولي على الأراضي الأوكرانية. وحدود هذا الكيان الجغرافية غير واضحة، لكن أهميته الجيو- سياسيّة لروسيا وأوكرانيا كبيرة. ونقلت جمهورية دونيتسك الشعبيّة عن موسكو التزامها تزويد هذا الكيان بالغاز. ويدور الكلام على سعي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك إلى تبني عملة الروبل الروسيّة الشهر الجاري.
ولن يسمح الانفصاليون بإجراء الانتخابات البرلمانية الأوكرانيّة في تشرين الأول (أكتوبر) في مناطق سيطرتهما. ولم يتضح بعد هل الانفصاليون يعدون العدة للسيطرة على مرفأ ماريوبول للحصول على منفذ على البحر أم سيكتفون بالمناطق الداخليّة. ويستبعد أن تضم روسيا المنطقتين هاتين على نحو ما ضمت القرم، فتنقل الحرب الأهليّة الى الأراضي الروسيّة. ولكن هل الكرملين مستعد للاعتراف باستقلال «الجمهوريتين» إذا سعت كييف الى الإمساك بمقاليدهما أو حازت صفة شريك بارز لـ «الناتو» من غير الانضمام اليه؟ في كل الأحوال، صارت لوغانسك ودونيتسك بمثابة قنابل موقوتة في أوكرانيا، على مثال ترانسنيستريا في مولدافيا وجنوب أوسيتيا وأبخازيا في جورجيا.
يمكن روسيا بسط نفوذها الكامل في دونيتسك ولوغانسك وتقييد التوجه الأوكراني إلى الغرب. وعلى رغم تأييد كييف وقف النار، يبدو أنها لن تقبل خسارة الدونباس أو القرم. ولن يحول ذلك دون ان تلقي مسؤوليات الحكومة في الدونباس على عاتق موسكو، فلا تتحمل كلفة الإنفاق العام في هذه المناطق المدمرة خصوصاً في الشتاء. ويتوقع ان تتلقى اوكرانيا 10 بلايين دولار مساعدات قبل نهاية العام، وأن تخصص 9 بلايين منها لتسديد الديون. أمّا ما يبقى فيكاد لا يكفي لسدّ حاجة الجيش وشراء الأسلحة الجديدة.
ولا تقل حاجة روسيا اليوم الى وقف النار عن حاجة أوكرانيا. فمن العسير إخفاء مشاركة الجنود الروس في صفوف الانفصاليين عن عيون المجتمع الدولي والمجتمع الروسي، على حد سواء. ولو طالت مدة المحادثات إلى الشتاء لكانت السلطة في كييف ربما انهارت تحت ثقل متاعبها الخاصة وتوسعت عندها مساحة «نوفوروسيا» بسبب عدم رغبة المواطنين بالموت برداً أو من الجوع.
والسؤال البارز هو ما حاجة روسيا إلى الدونباس؟ يرى بعضهم أن الرئيس الروسي يعتبر ان الجسر الى ضمان الأمن القومي الروسي هو إنشاء كيانات ضعيفة معدمة على حدود البلاد تعتمد في بقائها على روسيا. وهذا كان ركن الأمن القومي في القرون الوسطى. ويرى بعض آخر أن بروز «نوفوروسيا» يفاقم ضعف الاقتصاد الأوكراني. وتنتج أوكرانيا نصف حاجاتها من الكهرباء من الفحم الحجري، و70 في المئة من هذا الفحم يستخرج في الدونباس. واليوم تسعى كييف إلى حل مشكلة توفير الكهرباء من طريق ابرام اتفاقات مع أميركا وجنوب أفريقيا. ولكن، ويا للسخرية، المرفأ الوحيد المجهز لاستقبال مثل هذه الحمولة يقع في ماريوبول المحاصرة.
ولا تزيد فرص «نوفوروسيا» بالاعتراف الدولي عن فرص أبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة. وليس وقف إطلاق النار سوى مرحلة موقتة في الكباش الجيو- سياسي في أوكرانيا. فإذا لم تقسّم، خرجت من دائرة النفوذ الروسي. ولا شك في أن اتفاق وقف الإطلاق النار أفضل من الحرب، لكنه لن يبعث ثقة الغرب بالرئيس الروسي، ولن يحل مشاكل أوكرانيا. وإذا سمحت للدونباس أن يتداول الروبل وبدأت بتصدير الغاز بشكل مباشر إليه، ثبت أن روسيا ضمت «نوفوروسيا» وأصبحت طرفاً في الصراع. ويبدو أن استراتيجيّة روسيا اليوم لم تتغير عن تلك التي انتهجتها إبان حكم يانوكوفيتش وتكللت بإحجام الرئيس الأوكراني عن التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ولكن روسيا تحتاج إلى كل أوكرانيا وليس إلى الدونباس وحده، أي إلى أوكرانيا صديقة، أو على الأقل محايدة، مرتبطة بروسيا بعلاقات تجارية متينة. وبروز «نوفوروسيا» على الخريطة سيؤجج نيران النزاع. ولن يتخلى الغرب عن أوكرانيا على نحو ما ترك جورجيا لمصيرها في 2008. وتبعات المغامرة في أوكرانيا كبيرة على روسيا، وقد يترتب عليها سباق تسلح جديد، وصرف بلايين الدولارات من أجل تنمية القرم والدونباس في وقت ترزح تحت عقوبات اقتصادية.
( غازيتا رو 2014-09-11 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews