الأنظمة الرقابية للمصارف المركزية على الودائع والائتمان بالمؤسسات المالية
تعتبر رقابة المصارف المركزية على الودائع والائتمان في القطاع المالي من أهم أدواره الرئيسية للسيطرة على عرض النقد والحفاظ على حقوق المودعين واستقرارا للعملة الوطنية، فهي تسعى لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي للنظام العام من خلال تنظيم وترشيد الرقابة على عمل المؤسسات المالية (الإسلامية - التجارية)، والإشراف عليها والتأكد من أوضاعها المالية والتزامها بتطبيق وإجراءات العمل التي تتفق والمعايير المحلية والعالمية من الهيئات وبنوك دولية، فالمؤسسات المالية الإسلامية تعتبر جزءا لا يتجزأ من النظام المصرفي، مما يتطلب معه إخضاع هذه المؤسسات لأنظمة رقابية وإشرافية تتناسب وخصوصية طبيعة عملها واحتياجاتها وبما يضمن لها العمل في ظروف متساوية بالسوق التنافسي ولتنسيق وتقوية الأداء التي تضطلع به كل من هيئات الرقابة الشرعية والمصارف المركزية للقيام بالدور المنوط بها للتنمية الاقتصادية بجميع مجالاتها وفق القواعد والأسس التي تضمن سلامة مراكزها المالية وضمان حقوق المتعاملين معها، فالتعاون والتنسيق البناء بين المصارف المركزية والمؤسسات المالية (مصرفية وتمويلية واستثمارية) وفق مبادئ الشريعة الإسلامية يساهم في تعزيز الدور الرقابي والإشرافي على عمل تلك المؤسسات وتنظيم الصناعية المالية عموما والمصرفية خصوصا في اختصار لعلاقة (تنظيم ومراقبة الودائع والائتمان، كمًّا ونوعا، وتنظيم السياسة النقدية والمالية العامة - الرقابة والإشراف المهني والمصرفي – دور المقرض الأخير عند الحاجة) من خلال الأدوات والأساليب حسب التقرير وبهدف زيادة الشفافية والمعلومات وسلامة أنظمة الائتمان والتمويل لكل من (فرد- مؤسسة - دولة) وتحسين السياسات الرقابية في المجال النقدي والمالي والاقتصادي وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
أولا: مفهوم وأهداف الرقابة على الودائع المصرفية
تعرف الرقابة على الودائع المصرفية بأنها مجموعة الأساليب والأدوات التي تستخدمها المصارف المركزية ضمن الإطار القانوني المعمول به لضمان سلامة ودائع الجمهور لدى المؤسسات المالية وإعادتها إلى أصحابها عند الطلب أو حسب عقد الوديعة ويقوم المصرف المركزي بالرقابة على الودائع لتحقيق مجموعة من الأهداف، الهدف الأهم هو ضمان إعادة هذه الودائع إلى أصحابها مع عدم إساءة البنوك لإدارة هذه الودائع من أي تقصير وتعدٍ لإدارات المؤسسات على الودائع والاستغلال الأمثل والمفيد مع الوفاء بالتزامها نحو أصحاب الودائع الادخارية والاستثمارية والحسابات الجارية، تحقيقا لضمان الاستقرار الاقتصادي، حيث إن أي إخلال للبنوك بالتزاماتها يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية، إضافة إلى ذلك السيطرة على عرض النقد (التوسع النقدي).
ثانيا: الأدوات التي تستخدمها المصارف المركزية للرقابة على الودائع المصرفية
تعرف الأدوات التي تستخدمها المصارف المركزية للرقابة على الودائع المصرفية بأنها مجموعة الأساليب والأدوات التي تقسم لنوعين (كمية - نوعية) تستخدمها المصارف المركزية في ظل القوانين المعمول بها لتنفيذ السياسات الرقابة المتبعة لضمان سلامة الإجراءات المتعلقة بالودائع من الناحية العملية والتي تساهم أيضا في زيادة كفاءتها بالأعمال الإشرافية للرقابة على الودائع واستنادا عليها تقوم المصارف المركزية بتنفيذ سياستها الرقابية على المؤسسات المالية وفقا لهذه الأدوات، ومنها:
الاحتياطي النقدي: يمثل احتفاظ المؤسسات المالية بنسبة من ودائعها لديه تتناسب هذه النسبة مع أنواع وآجال الموارد الخارجية للمصرف ومع الحالة التي يمر بها اقتصاد الدولة من تضخم أو كساد وبهدف تأمين تلبية طلبات السحب من قبل المودعين.
والسيولة القانونية: تنفيذ المؤسسات المالية الاحتفاظ بنسب موجودات سائلة وفقا للعرف المصرفـي منسوبـة إلى مجموع الودائع وفقا لتعليمات احتساب هذه النسبة وهي تعتبر أداة من أدوات الرقابة
على الائتمان.
كفاية رأس المال: تتمثل في صورة تعليمات للمؤسسات المالية بضرورة عدم انخفاض رأسمال البنك عن نسبة معينة من الودائع وهذا يعني أنه على البنك التوقف عن قبول الودائع أو زيادة رأسماله عند وصول الودائع إلى مستوى معين بهدف حماية حقوق المودعين والدائنين وثقة المجتمع بالجهاز المصرفي واستقراره.
سقوف الائتمان: تمثل سقوف الائتمان إحدى الوسائل الإشرافية وكأداة من أدوات السياسة المالية والرقابة على الائتمان وتوجيه النشاط الاقتصادي، خصوصا المؤسسات التجارية القائمة على الإقراض والاقتراض والمؤسسات الإسلامية التي تقوم بتوظيف الاستثمارات الحقيقية وذلك وفق قيود وضوابط استثنائية حتى لا يتأثر حجم الاستثمار ومعدلات الأرباح لديها.
الفحص المصرفي: يقصد به التأكد من صحة العمليات التي تجري على حسابات العملاء وصحة الإجراءات وتطبيق المعايير المحلية والعالمية والسياسات الإجرائية في فتح الحسابات والتصرف فيها وغيرها من الأمور المتعلقة بحسابات المؤسسة المالية.
تحديد أنواع الأموال السائلة التي يجب الاحتفاظ بها والتي تدخل في تحديد نسبة السيولة.
ثالثا: مفهوم وأهداف الرقابة على الائتمان المصرفي
يقصد بالرقابة على الائتمان قيام المصارف المركزية باستخدام أساليب وأدوات معينة في السيطرة على الاستثمارات والتسهيلات المصرفية التي تقوم بها المؤسسات المالية وتوجيهها في ظل القوانين المعمـول بها لتحقيق أهداف معينة ويتطلب هذا إيجاد أنظمة معلوماتية فعالة ليتمكن من القيام بهذه المهمة على أكمل وجه وتقوم المصارف المركزية بالرقابة على الائتمان لتحقيق مجموعة من الأهداف الخاصة، أهمها تنظيم نشاط الجهاز المصرفي وتوجيهه الوجهة السليمة والمناسبة ورسم السياسة النقدية للدولة لتحقيق الصالح العام، قد أصبحت عملية الرقابة على الائتمان أكثر أهمية بعد إلغاء قـاعدة الـذهب، حيث أصبحت من أهدافها المهمة إدارة الدورات الاقتصـادية وتحقيـق مستوى عالـٍ من النشـاط الاقتصادي والتوظيف واستقرار المبادلات الدولية وتشجيع النمو والتنمية الاقتصادية للمجتمعات.
رابعا: الأساليب التي تستخدمها المصارف المركزية للرقابة على الائتمان المصرفي
حتى تستطيع المصارف المركزية تحقيق أهداف الرقابة على الائتمان المصرفي فإنها تستخدم مجموعة من الأدوات والأساليب التي تقسم لنوعين (كمية - نوعية)، تمكنها من الوصول سريعا لأهدافها التي تتمثل عادة على التأثير في الحجم الكلي للائتمان في البنوك بغض النظر عن نوعية الائتمان والغرض الذي يخدمه الائتمان الممنوح وهذه الأساليب الحديثة التي أصبحت المصارف المركزية تتبعها وتهدف إلى توجيه الائتمان للنواحي المرغوبة وللأغراض التي تخدم الاقتصاد العام للدولة وتساهم في نموه ومنها: -
سعر إعادة الخصم: أسلوب تقليدي يقوم به المصرف المركزي بصفته بنك البنوك والمقرض الأخير لها ولذلك فإن رفع سعر الخصم يؤثر سلبيا على كمية الائتمــــان الممنوح (ارتفاع - انخفاض- استقرار).
عمليات السوق المفتوحة: قيام المصارف المركزية ببيع سندات في السوق أو شراء سندات من السوق حسب الهدف الذي ينوي تحقيقه وعمـلية بيـع السندات في السوق تؤدي من الناحية النظرية إلى انخفاض ودائـع البنـوك بشكل غير مباشر كما تؤدي إلى انخفاض الأموال المتاحـة للتمويل والعكس صحيح بالنسبة لعملية شراء السندات من قبل المصارف.
تحديد نسبة الائتمان إلى الودائع: تعني عدم تجاوز الائتمان الممنوح نسبة معينة من الودائع، بما يعني قيام المؤسسات المالية بزيادة ودائعها إذا أرادت زيادة تسهيلاتها المصرفية.
تغيير نسبة الاحتياطي: تستطيع المصارف المركزية إصدار تعليمـات للمؤسسات المالية بزيادة أو تخفيض نسبة الاحتياطي بما يتناسب مع أهدافه ومعروف أن زيادة هذه النسبة تحد من قدرة المؤسسات على التوسع في منح الائتمان.
تحديد الهامش المطلوب في عمليات التمويل: قيام المصارف المركزية بتحديد نسبة الهامش المطلوب في هذه العمليات المصرفية بمـا يتناسب وتحقيق أهدافه، فزيادة نسبة الهامش تؤدي إلى تراجع الائتمان الممنوح لتمويل عمليات شراء الأوراق المالية وتوجهه إلى عمليات أخرى.
تغيير أسعار الفائدة: كان يقوم البنك المركزي برفع أسعار الفائدة على القروض الاستهلاكية، مثل القـروض الممنوحة للأشخاص بهدف السياحة مثلا، وتخفيض سعر الفائدة على القروض الإنتاجية وذلك لتوجيه الائتمان نحو القروض الإنتاجية.
الإقناع الأدبي: محاولة التأثير على السلوك الائتماني للمؤسسات المالية من خلال المقالات في الصحف والمجلات والحوار المباشر، ليتناسب هذا السلوك مع أهداف المصارف المركزية (أهداف السـياسة النقـدية وأهداف التنمية وتوازن العرض النقدي...)
تحديد حصة الائتمان والمخاطر المصرفية: يتمثل بتحديد سقوف معينة للقروض والسلف بشكل عام، لاستخدامها في تمويل قطاعات معينة وعدم تجاوزها، مع التصريح عن كمية ونوعية الائتمان الممنوح للمتعاملين والتصريح عن الضمانات مقابل منح التسهيلات بهدف كشف الأخطار المصرفية عند تزويد المعلومات الائتمانية عن المتعاملين الحاليين والمحتملين لمساعدتها في اتخاذ قرارات ائتمانية آمنة وسليمة.
خامسا: نتائج الآثار الاقتصادية لرقابة المصارف المركزية على الودائع والائتمان
تتمثل في النتيجة الأولى: على التوسع النقدي
تعتبر ظاهرة التضخم من أهم ظواهر الاقتصاد المعاصر التي تحاول الحكومات السيطرة عليها من خلال السياسة النقدية التي تتولـى عادة المصارف المركزية إدارتها ويعرف التضخم بأنه زيادة العرض النقدي (التوسع النقدي) والتداول الكلي للنقد عن العرض الكلي للسلـع والمنتجات لفترة زمنية معينة، مما يؤدي إلى زيادة المستوى العام للأسعار، فطبيعة العمليات الائتمانية في البنوك التجارية تؤدي إلى التوسع النقدي (زيادة عرض النقد) في صورة تقديم قروض نقدية، فيما المؤسسات الإسلامية فيتم توظيف السيولة النقدية في أدوات استثمارية قائمة على مبدأ المشاركة الفعلية في الأرباح والخسائر الناتجة عن الاستثمار، لذلك فتأثير البنوك الإسلامية في مضاعـفة النـقد المتداول (التوسع النقدي) هو أثر محدود لأسباب تجميع السيولة النقدية الموجودة في حسابات استثمارية طويلة الأجل عادة، مما يؤدي إلى سحب السيولة النقدية من السوق بشكل غير مباشر، فالإنفاق على الحاجات الاستهلاكية يتراجع بانخفاض السيولة مع عدم السماح بسحب المدخرات عند آجالها واستخدام السيولة النقدية باستثمارات حقيـقـية (أصول ملموسة) يعني زيادة الإنتاج وبالتـالي تحقيق نوع مـن التوازن بـين العرض النقدي والسلعي.
النتيجة الثانية: على الدخل والناتج القومي
دراسة الدخل والناتج القومي ومتابعته تعتبران إحدى أدوات قياس النشاط الاقتصادي للدولة وأهم الأدوات للحكم على التقدم الاقتصادي خلال فترة زمنية معينة، فزيادتهما تعتبر مؤشرا علـى ارتفاع مستـوى المعيشة للمواطنين وارتفاع نصيب الفرد، لأن احتسابهما يأخذ بعين الاعتبار تغير قيمة النقود لإلغاء تأثير التضخم، لذلك فالمؤسسات المالية (الإسلامية - التجارية) تمكنها المساهمة فـي زيـادة الدخل القومي والناتج القومي الحقيقيين من خلال توفير التمويـل اللازم للاستـثمارات المتعددة بالشكل الذي يساهم في زيادتهما بشكل متوازن مع المحافظة على أكبر قدر من الاستقرار الاقتصادي (استقرار قيمة النقود)، الأمر الذي يتطلب وجود تناسب طردي متوازن بين الزيادة في عرض النقد والعرض السلعي، فالاستثمار الحقيقي المباشر هو الذي يؤدي للتأثير الحقيقي في الناتج القومي والدخل الوطني عـن طريـق توجـيه الائتمان المصرفي إلى الاستثمار الحقيقي المباشر.
( الشرق 2014-09-01 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews