ألمانيا تنقذ أوروبا بالإبقاء على اليورو على قيد الحياة
بمجرد أن تسلمت أنجيلا ميركل الورقة التي مررها باراك أوباما للتو إليها على الطاولة، شعرت بالتحفز. "ما هذا؟" سألت المستشارة الألمانية، "أنا لم أرَ مثل هذا من قبل". وصف الرئيس الأمريكي الورقة بأنها نقاط حوار يمكنه هو ونظراؤه الأوروبيون السبعة الموجودون في الغرفة الإجماع عليها، عندما كانت قد انتهت قمة مجموعة الـ 20، بعد ظهر ذلك اليوم في لوس كابوس، المكسيك. معظم البنود كانت سرداً مختصراً لما تم الاتفاق عليه رسمياً، لكن يقول مسؤولون قرأوا الورقة، إن النقطة الأخيرة كانت جديدة: تأييد واسع النطاق لخطة لم تتم مناقشتها بشكل غير رسمي في القمة، إلا من قِبل الرجل الجالس بجانب ميركل - إنه ماريو مونتي، رئيس الوزراء الإيطالي، آنذاك.
الخطة، التي كان يعمل عليها مونتي ومستشاروه المقربون منذ شهور قبل قمة شهر حزيران (يونيو) عام 2012، تطالب البنك المركزي الأوروبي بحماية بلدان منطقة اليورو، عندما تتعرض للهجوم من الأسواق المالية عن طريق شراء سنداتها تلقائياً. البلدان "الفاضلة" التي امتثلت لقواعد ميزانية الاتحاد الأوروبي ستكون مؤهلة، لكن خطة مونتي من شأنها أن تضمن أنه سيتم وضع حد أقصى لتكاليف الاقتراض، وبالنسبة لإيطاليا وإسبانيا كان من شأن ذلك أن ترتفع أزمتها مرة أخرى إلى مستويات خطيرة. مونتي قال لـ "فاينانشيال تايمز"، "أردنا تطوير شيء لن يكون خطيراً فيما يتعلق بالسيطرة على عرض الأموال في أوروبا، ولن يكون مُسيئاً إلى النقاء الألماني، كما من شأنه أن يساعد هوامش عوائد [السندات] بشكل معتدل وملموس، لكن لا يمكن أن يُكتسب إلا كمكافأة للفضيلة". أثناء قراءتها للصفحة، ازداد غضب ميركل. قال شخص آخر كان في الغرفة "لقد كانت غاضبة للغاية". مع أن اعتراضاتها كانت إجرائية، فقد كان واضحاً أن الوفدين الإيطالي والأمريكي تآمرا لإجبارها على تأييد خطة شراء سندات من البنك المركزي الأوروبي، التي كانت ستؤدي إلى تغيير جذري في الطريقة التي تحارب فيها منطقة اليورو الأزمة.
كانت واشنطن تدعو لبناء "جدار حماية" مدعوم من البنك المركزي الأوروبي منذ بداية الأزمة تقريباً، بحجة أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أثبت أنه لا غنى عن الجدار الواقي لقمع الذعر المصرفي في الولايات المتحدة. كان البيت الأبيض يرى مونتي باعتباره حليفه الأقوى، خاصة بعد أن خسر نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، محاولة إعادة انتخابه. أوباما دفع ميركل لاحتضان إيطاليا التي تم التقليل من شأنها. في لقاء حميم خلال نزهة في فناء آسبن كابن في كامب ديفيد قبل أسابيع فقط من قمة لوس كابوس، أخبرها أوباما "أنت بحاجة للعمل معه".
في مواجهة اعتراضات ميركل الغاضبة في لوس كابوس، لجأ أوباما إلى المسؤول عن مساعدته في القمة، مايكل فرومان، رئيس وحدة الاقتصاد الدولي في البيت الأبيض، لمعرفة ما إذا كان لم يقم بمشاركة هذه الورقة مع الوفود الأخرى – وهي لفتة اعتبرها كثيرون طريقة جميلة لإنهاء الأزمة. عندما اعترف فرومان بالسهو، انتهى النقاش.
في ذلك الوقت، بدا أن المشاجرة هي الأحدث في سلسلة من الجهود الفاشلة من قِبل أوباما، والمتآمرين المشاركين للضغط على ميركل من أجل دعم جدار حماية أكبر لحماية بلدان منطقة اليورو المحاصرة. قبل ذلك بعام، كان قد تعاون مع ساركوزي في قمة مجموعة العشرين في قمة كان؛ وهذه المرة كان مونتي. حين ننظر إلى الأمور الآن، كان ذلك يميّز بداية نقطة التحوّل الأخيرة في الأزمة. بعد ثلاثة أشهر من الحوار الحاد، منحت ميركل تأييدها الضمني لخطة شراء سندات لا تقل طموحاً صممها تكنوقراطي إيطالي آخر، وهو رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي. كان هذا من شأنه إنهاء الأزمة الوجودية التي واجهت اليورو لأكثر من ثلاثة أعوام.
تلك الخطة - التي كشف النقاب عنها بعد قضاء موظفي البنك المركزي الأوروبي فصل صيف جنوني، لبناء النظام الذي تبع تصريح دراجي بأنه سيفعل "كل ما يلزم" لضمان بقاء اليورو – كانت منذ وقت طويل تلقى الترحيب باعتبارها بمثابة رصاصة الرحمة لمنطقة اليورو. مع ذلك، من غير المرجح أن برنامج دراجي قد نجح في تهدئة الأسواق بدون موافقة ميركل، التي منحهتا على الرغم من الاعترضات العامة من البنك المركزي الألماني القوي. كان هذا النصر السياسي الهادئ الذي تبيّن أنه محور نجاح البنك المركزي الأوروبي.
حصيلة عام من الأفكار المتطورة في ألمانيا
أولئك الذين تحدثوا مع ميركل في ذلك الوقت، قالوا إن تحفظاتها بشأن خطة مونتي كانت متجذرة في نظرتها للطريقة التي ينبغي أن تعمل بها منطقة اليورو. إن وضع أسعار السندات لم يكُن دور السياسيين. من ناحية أخرى، فإن اتخاذ البنك المركزي الأوروبي قراراً بشأن مثل هذه الخطة من تلقاء نفسه، ليس قراراً مناسباً لبنك مركزي مستقل. عديد من المسؤولين، خاصة أولئك الذين يعملون مع فريق عملها في عواصم أخرى في منطقة اليورو، جادلوا بأن احتضان ميركل النهائي برنامج دراجي قد توّج تحوّل التفكير في برلين المُستمر منذ عام.
إذا كانت رؤية ألمانيا الأصلية عن منطقة اليورو - بدون عمليات إنقاذ، بدون ديون مشتركة، وفي بعض المحافل، بدون اليونان - تصبح غير قابلة للتحقيق، فإن برلين تضمن تحمل الأعباء المشتركة مع فرض مع سيطرة مركزية.
في كانون الأول (ديسمبر) فازت ميركل بميثاق "الاتفاق المالي" الذي يفرض على كافة بلدان منطقة اليورو، كتابة قواعد الميزانية الصارمة للاتحاد الأوروبي في الدستور الوطني. وبعد أسبوعين من النزاع في لوس كابوس تمكنت من التوصل إلى صفقة من شأنها تمييز التحوّل الأكبر في السيادية منذ إنشاء اليورو: مقابل السماح بتمويل مشترك في منطقة اليورو لإنقاذ المصارف الأوروبية المتعثرة، فإن إهمال وتصفية هذه المؤسسات سينتقل من السيطرة الوطنية إلى سيطرة الاتحاد الأوروبي. في كلتا المبادرتين، وجدت شريكاً حيوياً لها في دراجي. يصرّ مسؤولون ألمان على أن ميركل لم تدعم هذه السياسات لتمهيد الطريق لعمل البنك المركزي الأوروبي.
وبالمثل، دراجي لم يتعهد بصراحة للسياسيين في الاتحاد الأوروبي، بأنه سيتصرف إذا تحركوا لدعم أنفسهم أولاً. وقال شخص شارك في الاجتماعات، حيث ضغط دراجي من أجل اتخاذ الحكومات لإجراءات "هل سمعت اثنين من اليسوعيين يتحدثان مع بعضهما البعض؟ ليس عليك الاستماع إلى ما يقولانه، بل إلى ما لا يقولانه".
يجادل بعض المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي الذين عملوا مع دراجي، أن ضمان دعم ميركل خطته الخاصة بشراء السندات، المعروفة رسمياً باسم برنامج "المعاملات النقدية الصريحة"، أو OMT، كان نتيجة محاولة اكتساب سياسية مدبرة بعناية من المسشارة. قال المسؤول السابق في البنك المركزي الأوروبي، الذي كان يعمل بشكل وثيق مع دراجي "إن الفارق الحقيقي كان علاقته مع ميركل. حيث كان يعرف أنه إذا كان لا بد من اتخاذ قرار في يوم ما بشأن شيء صعب، فإن عليه الحصول على ثقتها".
( فايننشال تايمز 2014-08-24 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews