الرئيس عباس..ماذا يريد؟
خطاب رئيس السلطة محمود عباس أمام القيادة الفلسطينية (السبت 16 أغسطس الحالي), يؤكد فيه على تمسكه بالمبادرة المصرية, "فلا مبادرات غيرها صالحة, من وجهة نظره – وحقيقة الأمر أن لا مبادرات أخرى مطروحة, وكذلك تلك التي قد تطرح مستقبلا". أبو مازن يعتبر أن مصر ليست وسيطا, بل هي طرف يقف إلى جانب الطرف الفلسطيني! بداية، من الضروري التأكيد على أن المبادرة المصرية تساوي بين الضحية والجلاد, وهي تساوي أيضا بين فعل الاحتلال, وبين مقاومة هذا الاحتلال, فهي تدعو إلى "وقف الأعمال العدوانية بين الطرفين". كما أن جوهر المبادرة يفضي إلى وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني ثم اللجوء إلى المباحثات!.
غالبية الفصائل الفلسطينية وفي بداية طرح المبادرة أعلنت الرفض التام لها, ولكن انطلاقا من الشعور لدى قياداتها بأهمية الحفاظ على دور مصر السياسي, والجغرافي باعتبارها أكبر دولة عربية, وانطلاقا أيضا من مجاورتها للقطاع وأهمية معبرها على الحدود بين الجانبين, أدخلت تعديلات عليها وأجمعت الساحة الفلسطينية بمختلف فصائلها وألوان طيفها السياسي, على هذه التعديلات.
الذي حصل أن إسرائيل رفضت, كما هي عادتها, كل المطالب الفلسطينية الست, ووعدت بدراسة بعض هذه القضايا فيما بعد.
الشيء الوحيد الذي وافقت عليه إسرائيل هو تحسين حركة المرور في المعابر مع القطاع للأفراد والشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية إلى فلسطينيي القطاع.
إسرائيل انطلقت في موافقتها على هذا الأمر من محاولة تجميل الوجه القبيح لاحتلالها للأرض الفلسطينية, وللتخفيف من انعكاسات مذابحها وجرائمها, وحرب الإبادة الجماعية التي اقترفتها وتقترفها ضد الفلسطينيين عموما, وخاصة في عدوانها الحالي على غزة, انعكاس كل ذلك على الساحة الدولية, بعد الاهتزاز الكبير في صورتها.
إسرائيل (وعلى الطريقة الكيسنجرية الخطوة خطوة) تحاول التلاعب والالتفاف في المفاوضات الدائرة في القاهرة, لإقناع الشارع الإسرائيلي بإنجازات تحققت.
الإسرائيليون في غالبيتهم العظمى يعتبرون عدوان دولتهم على القطاع عادلا، فوفق لإحصائية أجراها "معهد إسرائيل للديمقراطية" يعتبرون أن الحرب التي تشنها دولتهم على الفلسطينيين, مشروعة، هذا بالتالي يلخص توجهات غالبية الإسرائيليين, لذا فإن القيادات الإسرائيلية معنية بالتمسك بالرفض الإسرائيلي للمطالب الفلسطينية جملة وتفصيلا, ولن يكون من السهل على نتنياهو معاكسة هذه الصورة.
تجربة مصر مع إسرائيل حول انسحاب الأخيرة من مدينة طابا تؤكد بما لا يقبل مجالا للشك أنه كان من الأولى لمصر, إدراك حقيقة التنكر الإسرائيلي للاتفاقيات, فإسرائيل أصرت على الاحتفاظ بمدينة طابا باعتبارها مدينة "إسرائيلية". هذا رغم اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين إسرائيل ومصر, وكان من بين بنودها الانسحاب من طابا.
بعد تحكيم في محكمة دولية فقط, وافقت دولة الكيان على الانسحاب من المدينة وبعد تعنت مرير، طرحنا ما قلناه سابقا بهدف استحالة موافقة إسرائيل على أي مطالب فلسطينية أو عربية من خلال المفاوضات, فلماذا تصر مصر إذن على تأجيل المطالب الفلسطينية للمفاوضات اللاحقة؟ هذا الأمر يبرز إلى الواجهة حقيقة الدور المصري والتساؤلات المشروعة عنه.
الرئيس عباس وبالرغم من وضوح كل جوانب هذه الصورة, يعلن عن تمسكه بالمبادرة المصرية. هو أيضا قال في خطابه أمام القيادة الفلسطينية: "المهم بالنسبة إلينا وقف القتل ونزيف دماء الفلسطينيين". قتل الفلسطينيين قائم منذ قيام دولة الكيان, سواء بعدوان عسكري واسع أو من دونه. بالعكس بعد اتفاقية أوسلو مع إسرائيل, زادت الأخيرة من مذابحها واستيطانها وجرائمها ضد الفلسطينيين, هذه هي الحقيقة الأولى. الحقيقة الثانية أن تجربة المفاوضات التي خاضتها السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني لم تسفر سوى عن المزيد من التعنت الإسرائيلي في رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية, والمزيد من سرقة الأرض وهدم البيوت وتجريفها وخلع الأشجار, والمزيد من الشهية الإسرائيلية لالتهام المزيد من التنازلات الفلسطينية, والمزيد من فرض الشروط التعجيزية على الفلسطينيين من أجل دويلة منزوعة السيادة، جوهرها حكم ذاتي منزوع الصلاحيات.
وبالعودة إلى الرئيس عباس وما يريده من خطابه آنف الذكر, يمكن القول: إن أبو مازن وبالرغم من اضطراره لتغيير خطابه السياسي في أوج الصمود الفلسطيني والرد بنجاعة على العدوان وإيلام الشارع الصهيوني, فإن الرئيس يحاول العودة إلى نهج المفاوضات مع إسرائيل. كما يحاول إحالة كل المطالب الفلسطينية التي تتمسك بها الفصائل الفلسطينية إلى المفاوضات. كما يحاول إثبات أن السلطة هي المرجعية لكل القضايا الفلسطينية، أيضا فإنه يود تثبيت وتسييد نهج المفاوضات وأن نهج المقاومة المسلحة لا يجلب سوى الدمار والقتل للشعب الفلسطيني.
(المصدر: الشرق 2014-08-20)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews