«ثورة المؤامرة» و«مؤامرة الثورة»
لن يتوقف الجدل حول توصيف ما جرى في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وكذلك ما حدث في 30 حزيران (يونيو) 2013، فطالما أن أطرافاً تعرضت للضرر من حدث ما فإنها ستظل تتبنى مواقف ضده، ولا تفوت فرصة من دون أن تسيء له، بعكس حال آخرين نالوا الجوائز والفوائد أو المزايا جراء وقوع الحدث نفسه، إذ سيداومون على الترويج له، والإشادة به، والاحتفاء بتداعياته!
انظر إلى مواقف «الإخوان» منذ عزل محمد مرسي، بعد خروج الناس إلى الشوارع والميادين للمطالبة برحيلهم عن الحكم، هل يتوقع أحد أن يخرج قيادي في الجماعة إلى وسائل الإعلام ليشيد بالسيسي، أو الجيش، أو الحشود التي رفضت حكم الإخوان؟ الإجابة بالطبع لا، وموقف الجماعة من 30 حزيران سيبقى على حاله تماماً كما كان موقف الإخوان من جمال عبد الناصر وثورة 23 تموز (يوليو)، وكلما سعى أنصار «30 يونيو» إلى محاولة إثبات أنها كانت ثورة وأن الجيش استجاب لإرادة الشعب بعدما رفض مكتب الإرشاد كل ما طرح عليه من حلول للخروج من الأزمة التي تفجرت في الأسابيع الأخيرة من حكم مرسي رد «الإخوان» بسيناريوات عن مؤامرة حيكت لهم يصدقونها ويغضبون لأن الآخرين لا يقبلونها. ومع كل محك أو حدث أو تطور سياسي، وحتى قانوني سيعود المصريون للسؤال: هل ما جرى في 25 كانون الثاني ثورة أم مؤامرة؟ حتى بات الأمر وكأنه فتنة أشعلت النار، وقسمت المصريين فريقين كانا قبل سنة واحدة يواجهان الإخوان سوياً، يخوض فريق منهما «ثورة» لمحاولة ترسيخ وتثبيت وتدعيم وصف «المؤامرة» على ما جرى في ذلك التاريخ ويسعى فريق آخر إلى الدفاع عن «ثورته» ضد ما يعتقد أنه «ثورة مضادة». ما يغذي النار هو الوقود الذي يصبه عليها «الإخوان» حيث روجوا للخطاب السياسي لكل فريق ثم استغلوا نتائج الخلاف، فهم يعتقدون أن كل صدام حتى لو سياسي أو فكري، ناهيك عن الصدامات الدموية في الشوارع، يصب دائماً في صالح الجماعة التي تدرك أن استقرار الأوضاع يطيح بأحلامها في العودة إلى المشهد السياسي، أو قل العودة إلى الحكم! المحصلة أن «25 يناير» أفرزت مدمنين لها مغرمين بها غيورين عليها، لا يقبلون الانتقاص منها، ويرفضون الإشارة إلى تجاوزات وقعت أثناءها، ويعتبرون الحديث عن الأخطاء التي كانت تحدث أيامها ضرباً لها وإساءة لأرواح شهدائها، وأن الكشف عن بعض ما كان يجري بعيداً عن الأضواء من تحالفات أو اتفاقات أو تدريبات أو صفقات قبلها أو على هامشها جريمة يستوجب عقاب من يكشفها وكذلك من يصدقها!
هؤلاء ينسبون كل التجاوزات، مهما كانت، إلى مبارك ورجال حكمه ويكرهون الحديث عن حرق المقرات الأمنية، أو الهجوم على السجون وإخراج من فيها، أو الاعتداء على حافلات وسيارات الشرطة، أو هجمات البلطجية ونهبهم للفنادق والمحلات التجارية على رغم أن كل هذا جرى أمام الجميع، ويستكبرون الاعتراف بأنه كانت للإخوان خططهم الخاصة، وأنهم استغلوا الآخرين وسخروهم لخدمة هدفهم الرئيسي وهو الوصول إلى الحكم... هذا ما جرى فعلاً!
جاء عرض الجلسات الأخيرة لمحاكمة مبارك والعادلي ومساعديه على الشاشات ليزيد من «ثورة المؤامرة»، إذ استغلت بعض الفضائيات الفرصة لتسعى إلى ترسيخ أن ما جرى في «25 يناير» كان مؤامرة، على رغم أن مبارك وابنيه والعادلي ومساعديه ودفاعهم عندما تحدثوا أقروا بخروج الناس إلى الشوارع للتظاهر والاحتجاج، ثم في سعيهم إلى نفي تهمة الاشتراك في التحريض على القتل تحدثوا عن المؤامرة التي حيكت لهم ولمصر! في المقابل غضب أنصار «25 يناير» من دون مبرر كأنهم كانوا يتوقعون أن يقر المتهمون جميعاً بأخطائهم، وأن يطالب الدفاع عنهم بإعدامهم! المحصلة أن الكل متفق على أن السنوات الأخيرة من حكم مبارك شهدت تردياً في مجالات مختلفة، لا ينفيه أن سنة من حكم «الإخوان» كانت أسوأ، وأنه لولا وجود دوافع حقيقية لدى الناس للخروج إلى الشوارع ما نجح المتدربون في أميركا أو أوكرانيا والمدعومون من قطر وتركيا في تحريك الجموع والحشود، وأن فئات الشعب المصري خرجت أولاً للمطالبة بعزل العادلي وعلاج أخطاء الشرطة، وأن إخفاق مبارك ورجاله في التعاطي مع التطورات على الأرض رفعت طموحات المحتجين والمتظاهرين إلى حد الإصرار على إسقاط نظام الحكم كله، وانتهز «الإخوان» الفرصة لركوب الثورة، وكذلك المغرضون، لمحاولة إسقاط الدولة وليس فقط عزل مبارك. ليس كل ما جرى في كانون الثاني (يناير) 2011 ناصعاً وأبيض وخالياً من العيوب والأخطاء، وطبيعي أن بلداً بحجم وثقل مصر تنهار فيه الشرطة ويرتبك فيه النظام قبل سقوطه أن يكون هدفاً للمتربصين والمنافسين والكارهين. خرج المصريون ليحتجوا على مبارك لأسباب عدة منها أخطاؤه التي استغلها «الإخوان» وآخرون، وعندما تنحى ارتبك الكل وسادت الفوضى، وظهرت عيوب النخبة وأخطاء الثوريين ومراهقتهم، فتأسست دوافع لدى الناس ليخرجوا من جديد ليعدلوا المسار بثورة أخرى... فكانت «30 يونيو».
(المصدر: الحياة 2014-08-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews