إيران تبحث عن حل لأزمتها.. في العراق
اختارت إيران وكالة “رويترز″ ومصدرا عرّفته الوكالة بأنّه “مسؤول كبير” لم يكشف اسمه، كي تعلن تخلّيها عن نوري المالكي. نقلت الوكالة العالمية التي لا يمكن أن تعتمد مصدرا لتوزيع خبر من هذا النوع إلّا بعد التأكّد منه والحصول على الضمانات اللازمة، أن إيران في صدد البحث عن “بديل” من رئيس الوزراء المنتهية ولايته، وذلك بعدما “توصلنا إلى نتيجة مفادها أنّ المالكي لم يعد يستطيع المحافظة على وحدة العراق”.
هذا لا يعني أنّ المالكي خرج من تحت المظلة الإيرانية التي يتحرّك في ظلّها وتحت حمايتها منذ فترة طويلة، بمقدار ما يعني أنّ إيران بدأت تعيد النظر بأوراقها العراقية. كلّ ما في الأمر أن إيران تريد إنقاذ إيران في العراق وليس إنقاذ العراق ومساعدته.
يمكن اعتبار إعادة النظر هذه دليلا على الدهاء الإيراني.
استهلكت طهران ورقة المالكي المرفوض من معظم شيعة العراق أوّلا وليس ما يضطرّها إلى أن تخسر معه. ليس في العراق من لديه أيّ أوهام من أي نوع كان في شأن ما تسعى إليه إيران.
كلّ ما في الأمر أن ثمّة حاجة إلى ورقة جديدة في العراق. هل العراق في حاجة إلى ورقة إيرانية جديدة تتمتع بتغطية المرجع الأعلى علي السيستاني المقيم في النجف، أم أن الحاجة العراقية إلى سياسة جديدة يتولى تنفيذها رجال من نوع آخر، بمعنى أنّهم يختلفون تماما في كلّ شيء عن رجال إيران؟
الجواب بكل بساطة أن العراق في حاجة إلى رجال مختلفين. ليس ضروريا أن يكونوا من السياسيين الجدد. الحاجة إلى رجال لا يؤمنون بالمذهبية ويضعونها فوق أي اعتبار آخر خدمة لإيران ولغير إيران. ما يحتاجه العراق، في ما يبدو، هو إلى رجال يضعون مصلحة العراق فوق كلّ اعتبار ولا يفرّقون بين عراقيّ وآخر… بما يخدم “داعش” وما شابهه من تنظيمات إرهابية. استطاعت هذه التنظيمات الإرهابية أن تجد لنفسها موطئ قدم وتعاطفا في المحافظات السنّية لأسباب تعود إلى خروج الغرائز المذهبية من القمقم.
عملت إيران منذ ما قبل مشاركتها في الحرب الأميركية على العراق في العام 2003 على تغذية العامل المذهبي. يعرف الذين لديهم خبرة عميقة في إيران أنّ العامل المذهبي ليس سوى وسيلة تستخدمها طهران من أجل تحقيق أهداف معيّنة. استطاعت استخدام الحرب الأميركية من أجل الانتقال في سياستها إلى مرحلة جديدة تختلف عن تلك التي كانت سائدة في الماضي. فبعدما كانت الميليشيات الشيعية العراقية في إيران، انتقلت هذه الميليشيات إلى الداخل العراقي برفقة إيرانيين بهدف التحكم بمراكز القرار على كلّ المستويات. هناك وزارات عراقية يتخاطب الموظفون فيها بالفارسية ليس بالعربية، كما يروي شهود عيان.
يفترض في الموقف الإيراني الجديد من المالكي ألّا يغرّ أحدا. هناك بين أفراد المجموعة “الإيرانية” في “دولة القانون” وخارجها، من الذين يدورون في فلكها، من هم أسوأ من المالكي بكثير.
لا حاجة إلى إيراد أسماء ولكن ما لا يمكن تجاهله أنّ المالكي حاول في ولايته الأولى كرئيس للوزراء، أي قبل العام 2010، الحدّ من النفوذ العراقي وإن نسبيا. لكنّه اكتشف بعد انتخابات السابع من آذار -مارس 2010 التي تقدّمت فيها “القائمة العراقية” برئاسة الدكتور أياد علّاوي أن لا ولاية ثانية من دون إيران ومن دون تفاهم أميركي ـ إيراني في هذا الصدد. وقد تحقّق للمالكي ما أراده، خصوصا أنّ الثمن بات معروفا جيّدا، بل أكثر من اللزوم.
يعرف الخبراء في شؤون إيران، خصوصا إذا كانوا من العراقيين الذين أقاموا فيها، أن ما يحرّك المواطنين في هذا البلد على الصعيد الداخلي هو الروح الوطنية الفارسية. تعني هذه الروح تعاليا على العرب عموما، حتّى لا نقول احتقارا لهم، بصفة كون الفرس عنصرا مختلفا أكثر رقيّا وحضارة. أمّا على الصعيد الخارجي، تتحوّل المذهبية السلاح الأمضى وهي توظّف في خدمة الروح الفارسية التي ترى في إيران قوّة إقليمية يجب أن تتمتع بنفوذ واسع خارج حدودها وفي المنطقة كلّها.
من الواضح أن إيران تبحث، عبر تغيير المالكي، عن حلّ لمشكلتها في العراق وليس عن حلّ للعراق.
وجدت إيران نفسها في مأزق بعدما تبيّن أنّ الأكراد على غير استعداد للتعاطي مع رئيس للوزراء لا يؤمن بالشراكة الوطنية وبالتفاهمات التي أمكن التوصل إليها قبل سقوط النظام العائلي ـ البعثي، غير المأسوف عليه، الذي أقامه صدّام حسين.
أكثر من ذلك اكتشفت إيران أن السنّة العرب ليسوا مجموعة هامشية في العراق، بل هم جزء لا يتجزّأ من المعادلة التي لا يمكن للبلد الوقوف على رجليه من دونها.
لا تزال إيران تبحث عن مخرج من الأزمة العميقة التي تعاني منها في العراق. الأكيد أن التمسّك برجال معيّنين لن يقدّم ولن يؤخّر، خصوصا بعدما تبيّن أنّ المذهبية سلاح ذو حدّين. مثلما تستطيع إيران استخدام هذا السلاح، هناك من يستطيع استخدامه ضدّها.
الحديث هنا ليس عن طرف آخر في المنطقة على استعداد للاستثمار في المذهبية. الحديث عن ردود فعل تلقائية تجعل من الذي يلجأ إلى المذهبية عرضة لارتدادها عليه.
الأكيد أن رجال إيران في العراق هم آخر من سيحافظ على وحدة العراق. ولذلك، سيظل السؤال المطروح هل إيران مع وحدة العراق أم أن هذه الوحدة آخر همّ لديها؟ سيعتمد الكثير على من سيخلف المالكي في موقع رئيس الوزراء.
في حال كان الخليفة شخصية من طينة المالكي، يمكن منذ الآن القول ألف سلام وسلام على وحدة العراق. ستكون إيران اختارت عندئذ الخطة باء، أي الخطة البديلة من حلم السيطرة الكاملة على كلّ العراق.
إنّها تبحث بكلّ بساطة عن مخرج لها في العراق وليس عن مخرج للعراق يسمح بالقول إنّ البلد استطاع تجاوز ما تعرّض له من ظلم منذ الانقلاب الدموي الذي حصل في الرابع عشر من تموز ـ يوليو 1958 والذي قضى على الحكم الملكي. لا تزال دماء الذين ذهبوا ضحية الوحشية لمنفّذي ذلك الانقلاب في ذلك اليوم المشؤوم تسيل إلى يومنا هذا.
(المصدر: العرب 2014-08-10)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews