البنوك الأجنبية تهرب من العراق
أدى تخوف عدد من البنوك الأجنبية العاملة في العراق من الأوضاع الأمنية المتردية واستمرار المعارك في عدة محافظات بين الجيش العراقي من جانب وبعض الجماعات والتنظيمات المسلحة وعلى رأسها داعش، والتي استطاعت بالفعل السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، بالإضافة إلى استمرار العمل وفق المنظومة الاقتصادية القديمة وعدم تفعيل قانون الاستثمار الجديد، كل هذا قد أدى إلى نزوح عدد من هذه البنوك الأجنبية من العراق إلى بعض الدول المجاورة، وذلك خشية ضياع أصولها ومشروعاتها واستثماراتها. ولعل في مقدمة البنوك الأجنبية التي غادرت العراق بنك "ستاندرد تشارترد" البريطاني الذي نقل نشاطه وأعماله إلى دبي، وكذا بنك "سيتي جروب" الأمريكي الذي نقل مكتبه التمثيلي من بغداد إلى العاصمة الأردنية عمان، وأيضاً بنك "H.S.B.C " البريطاني الذي قطع علاقته بمصرف دار السلام للاستثمار العراقي والذي يمتلك نحو 70% من أسهمه، وهي البنوك التي قامت مع نقل نشاطها "وبالطبع عدم تحديد موعد للعودة وممارسة النشاط من جديد"، قامت بتوجيه النصح والتحذير لجميع عملائها من الشركات الدولية بتقليص مستوى السيولة النقدية التي تحتفظ بها إلى الحدود الدنيا. إلا أن عدداً من الخبراء الماليين والاقتصاديين قد خفضوا من تأثير خطوة نقل بعض البنوك الأجنبية لنشاطها وعملها من العراق إلى الخارج، مؤكدين أن مساهمة تلك البنوك في القطاع المصرفي والاقتصاد العراقي كانت متواضعة للغاية، وأن دورها في تطوير ذلك القطاع كان دوراً شرفياً وذلك بالنظر لكون النشاط الرئيسي للبنوك في العراق يعتمد على عمليات الصيرفة التي تهيمن على حوالي 90% من النشاط والتي مازالت مركزة بيد القطاع المصرفي الحكومي وأن مشاركة البنوك الأجنبية في هذا النشاط لا تمثل أكثر من واحد إلى عشرة آلاف من حجم عمليات السوق المصرفية العراقية. وأوضح هؤلاء الخبراء الماليون والاقتصاديون استمرار عمل الكثير من البنوك العربية والإيرانية بالعراق وأن أعمالها تبلي بلاء حسناً وتحقق أرباحا جيدة، وأكدوا على أن البنوك الأجنبية التي غادرت البلاد هي الخاسرة، بالنظر لكون السوق المصرفية العراقية هي سوق واعدة وتعد بيئة مواتية لتعظيم الأعمال والأرباح، وأن هذه البنوك الأجنبية لم تستطع استثمار الفرصة المتاحة لها بشكل إيجابي وفعال. ويؤكد فريق الخبراء المتخصص في الشؤون النقدية والمالية والاقتصادية، ومن بينهم رئيس رابطة المصارف الأهلية العراقية، على أن نشاط المصارف الأجنبية التي كانت تعمل في العراق لم يكن له دور ملموس في السوق المصرفية العراقية، وأن عمل هذه البنوك منذ دخولها إلى البلاد قد تركز على خدمة فروع شركات بلادها الأصلية التي تعمل بالعراق، "أي تلك الشركات التي تحمل ذات الجنسية"، ولم يكن من بين أهدافها الرئيسية أو الفرعية تنمية النشاط والجهاز المصرفي أو خدمة الاقتصاد العراقي. وعلى الجانب الآخر نرى أن هناك فريقاً ثالثاً من الخبراء يؤكد على أن نزوح المصارف الأجنبية من العراق هو أمر طبيعي، بالنظر لتخوف المسؤولين بتلك البنوك من تدهور البيئة الأمنية غير المستقرة وتزايد المخاطر التي يمكن أن تواجهها، ومن ثم حاجتها إلى تحصين نفسها ضد هذه الأوضاع الأمنية غير المستقرة.. وإن اتفقوا مع وجهة نظر الفريق الأول من أن نزوح هذه البنوك خارج البلاد لن يكون له أي تداعيات مؤثرة على الجهاز المصرفي العراقي أو الاقتصاد العراقي. وفي النهاية فإن الكثير من الخبراء يتفقون على أن عدم استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والقانونية يؤثر سلباً على جميع الجوانب الاقتصادية للبلاد وفي المقدمة منها القطاع المصرفي، سواء كان في صورة بنوك أجنبية أو محلية والتي تأثرت فيها حركة السحب والإيداع نتيجة لتخوف الكثير من العراقيين أنفسهم من احتمالية تطور العمليات العسكرية وزيادة نفوذ وسيطرة الجماعات والتنظيمات المسلحة وما يرتبط بذلك من انتشار حالات الفوضى والنهب والسرقة وخفض قيمة العملة المحلية، فيما يرى بعض المتفائلين أن الاستقرار قادم قريباً وأن عدداً من المصارف الأجنبية قد نقلت أنشطتها إلى أربيل "الأكثر أماناً في الوقت الراهن"، تمهيداً لعودة قريبة إلى بغداد، لاستمرار جاذبيتها واستثماراتها الضخمة وعوائدها المرتفعة.
(المصدر: الشرق 2014-08-06)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews