كيف ولماذا يخسر القوي في صراعه مع الضعيف
إذا نظرنا إلى العالم الذي نعيش فيه لرأينا أن القوي والمتسلط والمتجبر وصاحب المال والعسكر والسلاح يمشي في الأرض مرحا وله منها ما طاب ولذّ ويستمتع بأيامه عيشا سعيدا ورغيدا.
ولكننا ننسى أن الظاهر من الأمور شيء وما يكتنفه الواقع والسجل التاريخي شيء آخر. واستهلالا أنني لا أعني أن: "الدهر يومان.. يوم لك ويوم عليك" يتناوب فيه القوي والضعيف النصر والهزيمة.
نحن ننظر إلى الحروب الطاحنة والمعارك الحامية التي تجري أمام أنظارنا وأغلبيتها محصورة اليوم فيما يعرف بالعالم العربي والعالم الإسلامي وضحيتها، أي القتيل والمقتول وبأعداد غفيرة، هم العرب والمسلمون وفي كثير منها القاتل أيضا من العرب والمسلمين.
وحتى إن كان القاتل ليس عربيا أو مسلما كما يحدث في غزة حيث تذبح وتطحن الماكينة العسكرية الإسرائيلية المهولة الأطفال والنساء بشكل هستيري ووحشي فإننا لا نرى موقفا عربيا أو إسلاميا موحدا للجم الغاشم الإسرائيلي وإيقافه عند حدّه.
الخلافات السياسية والآيديولوجية والطائفية وأحيانا كثيرة الفقهية ضمن الطائفة الواحدة تحول اليوم بين العرب والمسلمين وبين الجلوس على طاولة واحدة وإصدار بيان موحد يتيم يدين المجزرة التي تقوم بها إسرائيل.
الدخول في معترك الخلافات بين العرب والمسلمين مسألة شائكة وفي غاية التعقيد ومن الأفضل تجنبها لأنه كلما زاد الحديث عنها زادت تعقيدا إلى درجة صار فيه قتل الناس وتدمير الحرث والنسل مقبولا ومباركا في منطقة (أ) ومدانا ومرفوضا في منطقة (ب) من قبل المجموعة ذاتها، بينما المنطقتان عربيتان مسلمتان والأنكى قد تكونان من الطائفة ذاتها.
لن يكون بإمكاننا فهم ما يحدث في أمصار العرب والمسلمين اليوم لأنه شيء مخيف ومرعب من حيث العنف المفرط غير المبرر وشيء يصعب على عقلنا إدراكه إن درسنا البنى والأرصفة الفكرية التي يستند إليها وينطلق منها.
بيد أننا قد نصل إلى استنتاج يسلط بعض الضوء على ما يحدث الآن إن نظرنا بإمعان إلى التاريخ وتفحصناه بتأن وعمق.
إن أخذنا التاريخ معيارا لرأينا أن معادلة القوي يتحكم في الضعيف لا تصح دائما وغالبا ما يقع القوي فريسة للضعيف. المشكلة الوحيدة هي أن ظلم القوي يستغرق وقتا طويلا ونهضة الضعيف لرفع الغبن والظلم أيضا تأخذ وقتا طويلا.
للنظر أولا إلى الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ. أغلبية هذه الإمبراطوريات سقطت وانهارت على أيدي شعوب مقهورة ومظلومة كانت من وجهة نظر سلم الحضارة والقوة العسكرية أدنى شأنا ومرتبة منها.
عندما يستمر القوي في غيّه ويتجبر ويتبختر فإنه يحفر قبره بيده. كلما زاد القوي من ظلمه وقهره للأضعف منه والذي يراه أقل شأنا ومرتبة منه يزيد من قوة الضعيف وتمكنه وتماسكه من حيث لا يدري.
نقطة ضعف القوي تكمن في قوته لأنه يتصور أن ما لديه من قوة وبطش وسلطة تمكنه من قهر الآخر الأضعف منه ولا يدور في خلده أنه بهذا الأسلوب يمنح خصمه الضعيف كل الأسباب كي يفيق من غفوته وينتفض كي يحقق العدل لنفسه.
ولأن القوي يمتلك من متاع الدنيا الكثير فإنه يقع في حب الدنيا وحب الحياة وملذاتها. ولأن الضعيف لا يملك من متاع الدنيا ما يخسره فتمتلكه روح التضحية، بالمفهوم الإسلامي الشهادة، من أجل دحر الظلم الذي يئن من وطأته.
والتاريخ شاهد. كم إمبراطورية سقطت وانهارت على أيدي أناس أو شعوب كانت في نظرها لا تتألف إلا من رعاع لا حول ولا قوة لهم. وكم قوة عسكرية غاشمة مدججة بأحدث الأسلحة هربت تولي الأدبار أمام حفاة لا يملكون سوى التصميم على دحرها.
هذا حدث كثيرا في الماضي السحيق وحدث في زمن الرسالة، ولكن عندما تجبّر العرب والمسلمون وقعوا ضحية سطوتهم وبطشهم بالأضعف منهم. وحدث ذلك لأمريكا، أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ، وحدث ويحدث لبعض الأنظمة العربية.
وهذا ما سيصيب إسرائيل التي أسكرتها نشوة القوة حيث لا تدري كيف تواجه البؤساء والمحاصرين والحفاة في غزة.
( بروجيكت سينديكست 2/8/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews