التوعية المالية .. مرة أخرى
بعد القرار الأخير من مؤسسة النقد، الذي ينص على البدء في تطبيق نظام الفوائد التناقصية بدلا عن نظام الفوائد التراكمية المعمول به حاليا. وهو أحد أهم القرارات التاريخية التي ستؤثر في مستقبل القطاع المصرفي. هذا القرار من شبه المؤكد أن يؤدي إلى زيادة الطلب على القروض الاستهلاكية في ظل انخفاض تكلفة الإقراض الفعلية.
وتشير الدراسات الأخيرة إلى أن حجم القروض الاستهلاكية في المملكة بلغ أكثر من ربع تريليون ريال سعودي، وهذا الرقم من المرشح أن يشهد زيادة واضحة خلال السنوات الأخيرة خصوصا بعد القرار الأخير. ويعد استمرار نمو القروض الاستهلاكية بهذا الشكل أحد عوامل الخطر على المصارف المحلية خصوصا إذا ما علمنا أن بعض تلك الديون غير مغطاة مثل ديون البطاقات الائتمانية.
هناك مصطلح مصرفي يمكن أن نسميه بكفاءة الإقراض، وتزداد كفاءة الإقراض كلما زادت مقدرة المقترض على الوفاء وبالطبع فإنها تتناسب طرديا مع نسبة مخاطرة المصرف، أي كلما زادت الكفاءة قلت نسبة الديون المعدمة. وبانخفاض نسبة المحافظ المصرفية المقدمة للقروض الاستهلاكية، ويسمى هذا الأسلوب علميا بتجنب المخاطر، يكون المصرف بذلك قد زاد من كفاءة الإقراض بشكل عام، إذ إن القروض الاستهلاكية في الغالب تكون عرضة لمخاطر عديدة على رأسها: نقص مستوى دخل الفرد أو انعدامه جراء خسارة عمله أو عجز جسدي ــــ لا قدر الله. والمصارف التجارية اليوم تحاول قدر المستطاع أن توازن محفظتها للإقراض بين تقديم القروض التجارية والقروض الاستهلاكية.
ويمكن للمصارف أن تعمل على خفض مخاطر القروض الاستهلاكية بشكل كبير، وذلك من خلال برامج التوعية المالية الموجهة حسب المراحل العمرية المختلفة. ما نتحدث عنه ونؤيده بشدة هو برنامج شامل للقطاع المصرفي يعمل على نشر الوعي المالي ويشمل جميع المعاملات المالية التي تمس حياة الفرد والتي يأتي في مقدمتها موضوع الإقراض.
فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا أن الشاب يتخرج من الجامعة في عمر 22 سنة، ومتوسط سن الزواج هو 28 عاما. وغالبا ما يقضي الشاب هذه السنوات في بيت العائلة مما يمكنه من تحقيق نسبة ادخار عالية. هنا يمكن لبرامج الوعي المالي أن تساعد الشاب على فهم أن الادخار في سن مبكرة يؤدي إلى خفض المصاريف على المدى البعيد، حيث يمكن للشاب أن يقتطع مبلغا من أجل تعليم الأبناء مستقبلا أو شراء مسكن مناسب. كما أن نسبة الادخار تقل شيئا فشيئا مع تقدم العمر وزيادة المتطلبات. ومن ناحية أخرى، فإن اختيار المسكن المناسب يمكن أن يكون له أثر كبير في تقليل الاستقطاع الشهري، فمثلا بدلا من أن يستقطع 65 في المائة من الراتب الشهري من أجل بيت كبير مكون من خمس غرف وصالة، يمكن أن يكتفي الشاب ببيت أصغر مكون من ثلاث غرف وصالة للسنوات العشر الأولى من الزواج. كما ينبغي أن تنتشر ثقافة الميزانيات، وكيف أن مستوى الصرف يجب ألا يتعدى مستويات الدخل الحالية مع ضرورة وضع بعض الاحتياطات للحالات الطارئة ــــ لا سمح الله.
وكمرحلة أعلى من مستويات الوعي المالي، يمكن أن يتحكم الشاب في ميزانيته عن طريق وضع قيود معينة، مثل ألا تتجاوز الزيادة السنوية من جميع مصادر الدخل الزيادة السنوية للمصاريف، وبذلك تكون الميزانية دائما في حالة من الفائض، يقل ويكثر على حسب المرحلة ومتطلباتها.
وحبذا لو قدمت المصارف بجانب نموذج تقييم الفرد لتحديد صلاحية ومستويات الإقراض. نموذج آخر لطالب القرض يشمل نسب النمو للمصاريف المختلفة مثل "نسبة نمو المصاريف السنوية لتعليم الأبناء، وإيجار المسكن السنوي"، وبذلك يساعد هذا النموذج طالب القرض على معرفة إمكاناته على الوفاء بالسداد مدة القرض بناء على افتراضات يتم تحديدها بالنموذج القرض.
كل هذا يمكن تحقيقه وأكثر من خلال برامج بسيطة وتفاعلية تأخذ بعين الاعتبار المرحلة العمرية والالتزامات المستقبلية المتوقعة، وكل هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى خفض مخاطر المصارف.
( الاقتصادية 1/8/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews