أي سياسة حازمة لمواجهة الإرهاب في تونس؟
بعد حوالي سنة من الهجوم الإرهابي الذي استهدف القتل والتنكيل بنحو8 جنود من الجيش الوطني في نفس توقيت الإفطار، يوم 29 يوليو2013، هاهو الجيش التونسي يتعرض لهجمة إرهابية قوية، تعد الأقوى منذ استقلال البلاد في العام 1956، حيث قتل 15 جندياً وجرح 20 جندياً في هجوم نفذه عشرات المسلّحون الإسلاميون المحسوبون على تنظيم "القاعدة" على نقطتَيْ مراقبة تابعتين للجيش التونسي في هنشير التلّة في جبل الشعانبي، على الحدود مع الجزائر، خلال وقت الإفطار، مساء الأربعاء 16 يوليو الجاري..وتبنت جماعة تطلق على نفسها اسم "كتيبة عقبة بن نافع"، وهي تشكيل عسكري تابع لجماعة "أنصار الشريعة" السلفية "الجهادية" الهجوم في جبل الشعانبي. وقد أدَّت العمليات الإرهابية المختلفة التي نفذتها العناصر المرتبطة بتنظيم «أنصار الشريعة»منذ العام 2011 ولغاية الآن،بحسب الأرقام الرسمية التونسية إلى استشهاد 60 عنصراً أمنياً وعسكرياً، وكذلك إصابة 40 جريحاً من أعوان الأمن والعسكريين بسبب انفجارات الألغام وهي إصابات طالت أرجل الأمنيين وطالت المدرعات العسكرية. في المقابل تم إلقاء القبض بحسب المصادر عينها على حوالي 885 إرهابيّا وتصفية أكثر من 20 عنصراً منهم.
وشكلت تحركات ونشاطات تنظيم « أنصار الشريعة»خطراً على المجتمع التونسي ومدنية الدولة ونمطها والمسار الديمقراطي في تونس لأنها اعتداء على الحرّيات العامة والخاصة وخروج على القانون ومحاولة لفرض نمط مجتمعي بالقوة، كما أنها خلقت إطاراً من الرعب بسبب الاغتيالات لزعامات المعارضة الذي يعيد على قوى الثورة المضادة تمرير مشروعها الاستبدادي. ومنذ الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي في 11سبتمبر 2012، والهجوم العسكري على السفارة الأمريكية بتونس يوم الجمعة14 سبتمبر 2012، حيث جرت مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين ينتمي معظمهم إلى تنظيم «أنصار الشريعة»، ما أوقع أربعة قتلى و49 جريحا، بحسب مصدر بوزارة الصحة التونسية، وجرت التظاهرات احتجاجاً على فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة،إضافة إلى المذبحة التي وقعت في عين أميناس، حيث قتل 39 رهينة أجنبيا في يناير2013، واغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، التي أثبتت التحقيقات مسؤولية تنظيم « أنصار الشريعة» فيها، بدأت الأضواء تسلط على الصلات بين الجماعات السلفية التكفيرية في تونس وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ».
وكانت الحكومة التونسية المؤقتة التي يرأسها السيد علي العريض صنفت تنظيم«أنصار الشريعة» تنظيماً إرهابياً في شهر أغسطس 2013،عقب اغتيال الشهيد النائب القومي محمد البراهمي في 25يوليو 2013.وإذا كان قرار حل تنظيم "أنصار الشريعة" أمراً لم تجد الحكومة النهضوية مهرباً منه في ظل الضغوط الشديدة التي مارستها المعارضة، فإن تنفيذ القرار بقي مقتصراً على ملاحقة رموز في التنظيم وردت أسماؤهم في التحقيقات حول الاغتيالات فيما بقيت أسماء أخرى على رأس قواعد التنظيم التي صارت ممتدة حول المساجد في العاصمة وضواحيها وفي المدن، خصوصا مدن الجنوب التونسي. ومن الملاحظ أن "أنصار الشريعة" والجماعات السلفية الموازية تبسط نفوذها في المناطق الانتخابية لحركة النهضة، من دون أن يُشكل ذلك مصدر احتقان بين الجماعتين. في تونس الآن، يدور جدل قوي حول مسؤولية الحكومات السابقة في عهد حكم الترويكا عن تنامي ظاهرة الإرهاب، فهل هو حزب نداء تونس الحزب المرشح للفوز في الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها يوم 26 أكتوبر المقبل يقول في بيان له: - "إنّ محاربة الإرهاب تتطلّب قيام وحدة سياسيّة وطنيّة قويّة ضدّ الإرهاب ومتابعة مظاهره وشبكاته تتناقض مع السيّاسات الّتي اتّبعت في المرحلة السّابقة والّتي قامت على التّهاون مع نموّ الظاهرة الإرهابية ومهادنتها. ويضيف: إنّ الحرب على الإرهاب قد دخلت منذ مدّة منعرجا جديدا لا يبدو معه أن مؤسسات الحكم الحالية قد طورت الوسائل ولا المقاربات ولا الاستراتيجيات لمواجهتها وهو ما يتطلب استفاقة وطنية حازمة لتعديل الأمور قبل أن تبلغ مستويات أخرى أشدّ خطورة.
أما حزب المسار الديمقراطي (الشيوعي سابقا)، فقد أدان هذه الجريمة الإرهابية، وحمل في بيان أصدره، المجلس التأسيسي مسؤولياته بخصوص التباطؤ في إصدار قانون الإرهاب ويطالبه بالتعجيل في المصادقة عليه.كما دعا الحزب كافة القوى الوطنية لتجميع قواها وتوحيد صفوفها من أجل الوقوف في وجه الإرهاب وكافة مكونات جبهة الإنقاذ إلى إعادة تفعيل هذه الجبهة حتى ترتقي إلى مستوى التحديات والمخاطر التي تهدد بلادنا.ودعا الأطراف الراعية للحوار الوطني إلى الإسراع بعقد المؤتمر الوطني لمناهضة الإرهاب ويعتبر أن الأولوية المطلقة يجب أن تعطى لمقاومة الإرهاب وتطبيق خارطة الطريق.
وعلى صعيد متصل اعتبر حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد (الحزب اليساري الذي تم اغتيال أمينه العام الشهيد شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، من قبل تنظيم "أنصار الشريعة"):أن مواجهة هذه الظاهرة الإرهابية باتت تقتضي وضعا استراتيجيا فعليا لمواجهة الإرهاب تتضافر فيها جهود مؤسسات الدولة ومكوّنات المجتمع المدني والسياسي الديمقراطي التقدمي وسائر المؤسسات الإعلامية والتربوية عبر بلورة خطة وطنيّة تقوم شاملة.
ومن أبرز عناصر تلك الاستراتيجية طالب الحزب بالتعجيل بإصدار قانون مكافحة الإرهاب دون أي تلكؤ، وتفكيك الحواضن المنتجة للإرهاب عبر ضرب أساسه المادي المتمثل في شبكات تمويله في جمعيات تبييض الأموال المتسترة تحت غطاء العمل الخيري والدعوي، وفرض سيطرة الدولة على دور العبادة.إلى جانب ذلك طالب الحزب بالتوافق حول سياسة إعلامية تحاصر الخطاب التكفيري وتمنع رواجه، والعمل على تفكيك جماعات الدعم اللوجيستي (أموال،معلومات،عمليات اختراق،استقطاب مقاتلين)التي تعمل تحت عنوان العمل الدعوي السلمي في حين تلعب دورا رئيسيا في ضمان استمرار الأعمال القتالية للإرهابيين، وأخيرا تنقية جميع مؤسسات الدولة من كلّ التعيينات الحزبية صونا لها من كلّ ضروب الاختراق حتى لا تتمكن الجماعات الإرهابية من وضع موطئ قدم في صلبها.
( الشرق 25/7/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews