الجرف الصامد من عملية الى معركة في الطريق الى حرب
بدأت الجرف الصامد عمليةً عسكرية في قطاع غزة حرص الجيش الاسرائيلي على أن يُعرفها بأنها عملية محدودة. وقد تحدث أمس رئيس الاركان بني غانتس عن “معركة”. وبحسب قوة جريان القتال في قطاع غزة، وبسبب عدد الخسائر المرتفع، قد يصفها الاعلام بعد قليل بقدر ما من المبالغة بأنها حرب. إن الجمهور الاسرائيلي، وعلى إثره الساسة ايضا، يُعرفون حادثة بأنها حرب بحسب جانب واحد فقط هو عدد المصابين فيها. وأمس ارتفع عدد القتلى الاسرائيليين في العملية الى 20. والسؤال الذي سيتضح في الايام القريبة هل يمكن أن نقف الآن وأن نصد الانزلاق الى حرب في نطاق كامل في القطاع؟.
في المعارك في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة قتل أمس 13 مقاتلا من لواء جولاني وأكثر من 70 فلسطينيا يبدو أن نحوا من نصفهم كانوا مدنيين. فهذه معركة بحجم لبناني تقريبا. وتدأب حماس الآن في جعل المعركة رمزا وأسطورة. وهي تحاول أن تغلف أمر المعركة في الشجاعية برسالة كاملة من وجهة نظرها، فمن جهة صد مقاتلو المقاومة أقوى جيش في الشرق الاوسط وقد كبدوه خسائر، وهي تزعم من جهة اخرى أن الاسرائيليين ذبحوا أبرياء. ولهذا وبالضبط بحسب توجيهات وزارة الداخلية الحماسية التي نشرت قبل بضعة ايام بُذل كل جهد لتُنشر في وسائل الاعلام الصور الفظيعة لجثث نساء واولاد أطلق الجيش الاسرائيلي النار عليهم خطأ.
في أول يومي القتال البري انحصر عمل الجيش الاسرائيلي في العثور على أنفاق وآبار انفاق في شريط ضيق من الارض الفلسطينية قرب الحدود مع اسرائيل، وانحصر في اراض عدد السكان فيها قليل نسبيا. وتقرر في ليلة السبت توسيع ذلك فضُمت قوة كبيرة من لواء جولاني الى ألوية كانت تعمل هناك وهي – لواء المظليين وجفعاتي والشباب الطلائعيين مع كتائب مدرعة – وأُرسلت الى أكثر المناطق المدنية المكتظة جدا التي مكث بها الجيش الاسرائيلي في العملية الى الآن، أكثرها ازدحاما، الشجاعية. وتقع المشارف الشرقية من الحي على بعد كيلومترين عن الحدود لكن جانبه الغربي قريب من مركز مدينة غزة. وعلى حسب المعلومات الاستخبارية حفرت حماس نفقا يفضي من الحي الى داخل اسرائيل.
بيد أن العملية كان لها كما يبدو هدفا آخر. فحماس، كحزب الله في لبنان، توزع منظوماتها الدفاعية على هيئة سلسلة أقواس تتجه نحو الحدود مع اسرائيل. وقد وضعت في الشجاعية كتيبة ميدانية قوية نسبيا من حماس تنتمي الى واحدة من الدوائر الداخلية. وقد افترض المخططون للعملية أنه سينشأ مع الحاجة الى العثور على النفق، احتكاك بين مقاتلي جولاني ورجال حماس، يجبي من المنظمة ثمنا باهظا من المصابين. وقد استقر رأي حماس التي هربت من مواجهة مشابهة في عملية الرصاص المصبوب في 2009، هذه المرة على البقاء والقتال، فأطلق عشرات كثيرون من المسلحين النار على القوات المتقدمة، وأطلقوا صواريخ مضادة للدبابات واستعملوا عبوات ناسفة. فمني جولاني بمصابين في سلسلة حوادث: 7 قتلى باطلاق قذيفة آر.بي.جي على ناقلة جنود مدرعة؛ و3 ضباط قتلوا باطلاق قذائف صاروخية على بيت و3 جنود آخرين قتلوا في مواجهات مختلفة. وجرح ايضا قائد اللواء العقيد رسان عليان ايضا.
عمل المقاتلون في شجاعة وتصميم يميزان هذا اللواء في كل الحروب. وناضلوا في ظروف صعبة لتخليص رفاقهم الجرحى والقتلى. تتحدث حماس عن مذبحة لكن يبدو أن الأمر ليس كذلك، كما حدث في المعركة في مخيم اللاجئين جنين في 2002. فعلى حسب المعلومات الاولى التي جاءت من المعركة زادت قوة اطلاق النار فقط بعد أن منيت القوة بخسائر كثيرة. وقد يكون استقرار الرأي خاصة على استعمال أقل لنار المدافع والهجمات الجوية في الايام التي سبقت العملية قد مكّن حماس من الاستمرار على التمسك بمواقع في الحي، هذا الى أن بعض العمليات تم تأجيلها يوما قبل ذلك لأن الكثير جدا من السكان لم يستجيبوا لطلب الجيش الاسرائيلي اليهم أن يغادروا بيوتهم. يوجد القليل من الجيوش التي تسلك هذا السلوك في قتالها لقوة عصابة مسلحة تعمل في محيط مدني مكتظ. ونشك في أن يعمل الجيش الاسرائيلي هذا بالضبط فيما يلي من القتال. وقد خفت تبادل اطلاق النار في الحي في ساعات بعد الظهر لكن العملية استمرت، بل قد تتسع على نحو أعنف. وقد قال قادة ميدانيون أمس إنه بسبب قوة مقاومة حماس قد يبلغ التدمير البيئي الذي سيحدث في ما يلي من القتال الى مقادير الدمار التي كانت في الضاحية في بيروت في 2006.
لن تكون هذه هي المقارنة الوحيدة بحرب لبنان الثانية. ففي اليوم الذي حدثت فيه قبل ثماني سنوات بالضبط أولى المعارك البرية في تلك الحرب في معركة قرية مارون الراس، يثور الخوف في غزة من انزلاق غير منهجي وغير متعمد الى عملية أكبر من تلك التي تنبأ بها المخططون لها. ويُكشف في غزة ايضا بحسب التحقيقات الاولى عن عدد من الاخطاء والعيوب التي يقف لها شعر الرأس أولها يتعلق بنوع الوسائل التي تملكها القوات، فالقتلى الـ 7 الذين قتلوا باصابة قذيفة آر.بي.جي كانوا يركبون ناقلة جنود مدرعة من طراز إم 113 من الطراز الذي استعمله الامريكيون في فيتنام وبدأ الجيش الاسرائيلي يستعمله منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي 2004 بعد تفجير ناقلتي جنود مدرعتين جبى حياة 11 قتيلا في القطاع، استقر رأي الجيش الاسرائيلي على ألا يستعملها بعد ذلك في غزة. وخاف قادة قدماء يصفون هذه الناقلة بأنها “علبة سردين مشتعلة” يخترقها السلاح الخفيف احيانا، خافوا حينما سمعوا أنها أُدخلت الى القطاع مرة اخرى. وتثار اسئلة تتعلق ايضا باجتماع عشرات المقاتلين من كتيبة دورية جولاني في بيت أصيب بقذائف صاروخية. ويرتبط ذلك بالاخطاء القاسية في عملية النفق التي قتل فيها ضابط وجندي من اللواء المدرع 188 في يوم السبت.
هذه قضايا سيضطر الجيش الاسرائيلي الى أن يستوضحها لنفسه استيضاحا عميقا بعد أن تضع الحرب أوزارها. ويجب أن ننبه مع الحذر الذي تقتضيه الظروف على أن الجيش الاسرائيلي لم يكد يجرب في السنوات الاخيرة قتالا بريا بعامة وفي قطاع غزة بخاصة. وأن بعض التجربة العملياتية ضاع مع جيل القادة الذين سُرحوا من الخدمة العسكرية. وحدث ضعف ايضا في مستوى التدريب في السنة الاخيرة بذريعة الميزانية العامة. إن كل عملية واسعة النطاق مصحوبة بأخطاء تنبع من عدم اليقين في القتال. ويجب أن نأمل أن تتحسن الامور بعد ذلك.
وعلى هذه الحال ايضا يمكن أن نستمد التشجيع من الروح المعنوية في جميع الوحدات، ومن الأداء الناجع في كثير من الميادين ومن حقيقة أنه في مقابل كل قائد جرح في القطاع تطوع فورا ثلاثة ضباط ليحلوا محله. وسجلت نجاحات كثيرة في الانجاز الرئيس الذي طلب من القوات وهو تدمير الانفاق الهجومية، ودمر 6 انفاق كبيرة على الاقل تفضي الى داخل اسرائيل. فهذه سحابة تهديد ثقيل تقشع الآن عن حياة الكيبوتسات على طول السياج الامني في غلاف غزة. ومنذ كان الدخول البري الى القطاع انخفض كثيرا اطلاق القذائف الصاروخية على الجبهة الداخلية، لكن يجب أن ننبه في هذا الشأن الى أن حماس عالمة بقدرة المنظومة الاعتراضية القبة الحديدية، واذا كانت تنجح في أن توقع خسائر بالجيش الاسرائيلي في القتال داخل القطاع فربما تكون فضلت أن تحصر عنايتها الآن في ذلك وألا تهدر ما بقي لها من مخزون القذائف الصاروخية.
مثل رئيس هيئة الاركان غانتس الذي زار القوات أمس في القطاع، مثل بعد ذلك أمام عدسات التصوير واجاب عن الاسئلة. وكان ذلك اكثر مما فعله أحد أسلافه وهو شاؤول موفاز الذي ترك قائد المنطقة يواجه الصحفيين في اليوم الذي قتل فيه الـ 13 من رجال الاحتياط في كمين في مخيم جنين. وقال غانتس كلاما حسنا عن التمسك بالمهمة وعن الواجب الاخلاقي وهو حماية مواطني اسرائيل وعدم المس دون حاجة بمواطني العدو. والآن يزيد الضغط عليه وعلى الحكومة، فشعور الجمهور في اسرائيل بخسارة حياة الجنود في الحرب عظيم. ومن المفارقة أنه أكبر حتى من الشعور بموت المدنيين. وينبغي ألا يُحسد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزراء المجلس الوزاري المصغر الذين يجب عليهم الآن أن يقرروا هل يزيدون في عمق العملية البرية زيادة واسعة أم يتمسكون بالاهداف الاصلية وهي تدمير الانفاق وضرب بنى تحتية ارهابية اخرى لحماس مع قصد الى التوصل الى وقف اطلاق نار سريع.
إن مشاهد القتل في الشجاعية ستسرع الآن العمل الدولي في وقف اطلاق النار. وقد اصبحت القاعدة مهيأة لذلك مبدئيا كما سمع أمس وزير الخارجية الامريكي جون كيري وهو يقول على نحو فظ يميزه: “يجب أن نطير الى هناك”، أي الى اسرائيل لوقف الحرب. وتوجد قطعة البازل الناقصة كما هي الحال في العادة عند حماس. فبرغم تفاؤل متخذي القرارات الاسرائيليين يبدو أنهم لم يخبروا المنظمة الى الآن بأنها خسرت في الحرب. فحماس تتحصن في قصة البطولة التي تقصها على نفسها وعلى سكان غزة. ويبدو الى الآن أن الذراع العسكرية مستعدة لأن تقود القطاع الى الجحيم قبل أن تستجيب لاقتراح الوساطة المصرية.
سيضطر الجمهور الاسرائيلي الذي تقبل اكثره ببرود اعصاب مدهش الرشقات الصاروخية على الجبهة الداخلية، سيضطر الى أن يواجه الآن عبء الخسائر في المعركة ايضا. ولا يساعد السلوك المجنون في الشبكات الاجتماعية على تسكين النفوس. وقد شاعت موجة اشاعات مبالغ فيها أمس في الدولة ايضا، فقد نشرت في الواتس آب لا اسماء بعض القتلى فقط قبل أن تُبلغ العائلات، بل صور توابيت أُعدت لضحايا الجيش الاسرائيلي في الشجاعية في قاعدة في مركز البلاد قبل أن يُسمح لوسائل الاعلام أن تتحدث عن الخسائر بوقت كثير. فاذا كان رجال احتياط نشروها فان ذلك لا يقل عن فضيحة.
( هآرتس 22/7/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews