(الأزمات السياسية تهدد بتقويض قطاع النفط العراقي
يعاني العراق سلسلة أزمات سياسية متواصلة منذ الثمانينات، مع احتمال انفصال الأكراد لتأسيس دولة مستقلة يمكن أن تشمل كركوك، ونشوب حرب أهلية، إضافة إلى سيطرة مسلحين على حقول ومنشآت نفطية. وعانى الشعب والاقتصاد العراقيين هذه الأزمات، بخاصة القطاع النفطي الذي أصبح هدفاً رئيسياً للتدمير من أجل تقويض العراق.
تتركز التحديات السياسية النفطية في أمور أهمها، دعوة الأكراد إلى التصويت على تقرير المصير، واحتمال انفصال إقليم كردستان. وفي تعزيز خلافها مع الحكومة الاتحادية، لجأت حكومة الإقليم إلى فصل قطاعها النفطي عن مؤسسات الدولة خلال السنوات العشر الماضية. ثم بعد احتلال الموصل، أُرسلت قوات البيشمركة إلى محافظة كركوك، بموافقة بغداد في البداية، للدفاع عنها ضد «داعش» وغيره من المسلحين، ثم بدأت محاولة ضم المحافظة للإقليم. ولافت أن الأخير أعلن قبل أيام من هجوم «داعش»، خطة لربط حقل كركوك بالأنبوب الكردي لتصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، من دون أي اتفاق مسبق مع الحكومة الاتحادية.
إن الدستور العراقي واضح، إذ ينص على أن الحقول المنتجة تابعة للحكومة الاتحادية. ويذكر أن حقل كركوك بدأ الإنتاج منذ عام 1927. وانقطعت صادرات النفط منه عبر تركيا منذ آذار (مارس)، وفي الفترة التي سبقت هذا التاريخ، انخفضت صادرات «شركة نفط الشمال» إلى حوالى 300 ألف برميل يومياً. والسبب الرئيسي لذلك (كان معدل التصدير من كركوك سابقاً حوالى 700 - 800 ألف برميل يومياً) هو التخريب المستمر لخط كركوك - جيهان، فازدياد أعمال التخريب والنسف أخيراً جعل من غير المجدي تصليح الأنبوب. وتبقى سلامة تصدير النفط من شمال العراق غامضة، في حال إعلان الدولة الكردية، بخاصة إذا ضمت أجزاء من جنوب شرقي تركيا. ولا تكمن المشكلة في منطقة عبور الأنبوب فقط، بل أيضاً في مدى استقرار المنطقة المحيطة به، ما قد يؤدي إلى استمرار عمليات التخريب في الجزءين العراقي أو التركي.
أدت الحروب والنزاعات إلى تأخر تطوير حقول النفط، وبالفعل تأجلت خطة ترجع إلى عام 1990 لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى حوالى 6 ملايين برميل يومياً. وخططت وزارة النفط لرفعها إلى حوالى 12 مليون برميل يومياً قبل نهاية العقد. لكن تحقيق هذا الهدف مشكوك فيه حالياً. فالنزاع الدائر والصراع المتوقع فرضا على بعض شركات النفط العاملة تقليص عدد موظفيها في العراق، كما أن سياسة وقف حرق الغاز قد تتأخر بسبب احتلال المسلحين حقولاً تحت التطوير: عكاز في محافظة الأنبار، والمنصورية في محافظة ديالى.
أدت تجربة الحكم منذ عام 2003، إلى تقوقع الطوائف والأقليات في مناطقها، والتعامل مع بقية العراقيين كأقليات يصح تهميش حقوقها. وبما أن كل مجموعة تحاول تخريب مشاريع تفيد الطوائف الأخرى، نتوقع أن يشهد مشروع خط نفط البصرة إلى حديثة في محافظة الأنبار، ثم إلى مصفاة الزرقا الأردنية ومنها إلى ميناء العقبة لتصدير النفط إلى الأسواق الدولية، تأخيراً إضافياً، أو حتى إعادة نظر في جدواه، نظراً إلى مروره في مناطق لطوائف متصارعة. إن تأجيل تنفيذ هذا الخط الحيوي الذي يوفر للعراق منفذاً آخر غير البصرة والخليج ناهيك عن تزويد الأردن بالنفط الخام، يضع العراق مجدداً في مأزق، خصوصاً في الوضع المستقبلي المرتبك لخط كركوك - جيهان. وأثبتت التجارب ضرورة توافر منافذ تصديرية عدة. والأزمة ستتفاقم مع الارتباك الذي سيحصل عبر تركيا.
صممت المشاريع النفطية على أساس وحدة البلد واستفادة مناطق عدة في آن. فالطاقة التكريرية لمصفاة بيجي مثلاً (أكبر مصافي العراق وأحدثها) تبلغ حوالى 290 ألف برميل يومياً، مع وحدة تكسير حراري بطاقة 30 ألف برميل يومياً ومصفات للدهون بطاقة 250 ألف طن سنوياً، إضافة إلى مستودعات وخزانات لنقل المشتقات بالأنابيب إلى كل من مستودع حمام العليل في الموصل ومستودع المشاهدة في بغداد. وتستلم مصفاة بيجي النفط الخام من أقرب حقل لها (كركوك) وتوزع المشتقات إلى محافظات صلاح الدين وكركوك ونينوى وبغداد والبصرة. فماذا سيحدث لها في حال استمرار وضع اليد على حقل كركوك من جانب إقليم كردستان؟ طبعاً، من الممكن الاتفاق على عقد تجاري لاستيراد نفط كركوك من دولة كردستان في حال إعلانها، أو تشييد خطوط أنابيب لإيصال النفط من حقول عراقية أخرى، أو استيراد المشتقات. لكن لكل حل بديل نفقات باهظة.
هناك أيضاً كثير من الحقول البترولية التي تمتد عبر المحافظات والأقاليم. فجيولوجيتها ليست ذات علاقة بالتقسيم الإداري. ويخلق امتداد الحقل عبر محافظتين أو أكثر خلافات قانونية حول ملكيته، ما يسبب تأخير التطوير إلى حين الوصول إلى اتفاق مشترك. كما أن حكومة كردستان منحت عقوداً للبحث والاستكشاف لشركات نفطية دولية خارج حدودها. والمثال على ذلك العقود الستة مع «أكسون - موبيل». ويقع اثنان من هذه العقود في مناطق متنازع عليها، وهما القوش وبيرمام. إن الخلافات داخلية حتى الآن. لكن، ماذا لو انفصل الإقليم؟
تشكل ضعضعة العراق فرصة للغير لاستغلال الوضع. فقد صرح وكيل وزارة النفط الإيرانية للعلاقات الدولية والتجارية علي ماجدي، بأن «إيران على استعداد لتعويض النفط العراقي بسرعة في حال انقطاعه عن الأسواق الدولية، إذا اضطرت بغداد لوقف الإمدادات»، وفق وكالة «إرنا» الرسمية (12 الجاري). والمثير في تصريح ماجدي هو توقيته من جهة، ومدى صدقيته من جهة أخرى، بخاصة أن مجمل صادرات العراق آتٍ من الجنوب، وحافظت على معدل 3 ملايين برميل يومياً تقريباً. ولا شك في أن المسؤول الإيراني على علم بوضع الجنوب السياسي، ما يدعو إلى استغراب تصريحه. والغريب أيضاً، أن إيران تستطيع زيادة إنتاجها إلى حوالى 4 ملايين برميل يومياً، على رغم أن معدل إنتاجها النفطي خلال الفترة 1960 - 2014 كان أقل من هذا المعدل ( 3 - 3.6 مليون)، ولم تستطع الوصول إلى معدل 4 ملايين منذ الثورة الإسلامية. ويشكل التصريح عن مواجهة مع العراق حتى قبل توقف صادراته النفطية من الجنوب، تحدياً فظاً من دولة «شقيقة»، وتضخيماً في الأرقام، لا ينطلي على شركات النفط العالمية.
( الحياة 20/7/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews