منعا لنشوب الحرب الأهلية في ليبيا
كان صباح الأحد الماضي صباحا داميا في طرابلس، حيث حصل صدام بين جماعات مسلحة أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وصحت طرابلس في ذلك اليوم على أصوات تفجيرات وتبادل نيران بالمدفعية والصواريخ، والسبب، كما ورد في أجهزة الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وبيانات متضاربة تصدرها مختلف الميليشيات، أن هناك حشدا من الميليشيات وصل إلى طرابلس من عدة مناطق، لفرض السيطرة على المدينة واحتلال مطارها باعتباره الموقع الاستراتيجي الذي يمكن من خلاله السيطرة على شريان الحياة لأهل البلاد، ثم يبدأ من بعده الانطلاق للسيطرة على مواقع أخرى، خاصة أنه يمثل أيضا موقع التمركز لعدد من القوات العسكرية التي تنضوي رسميا تحت لواء الجيش، وأخرى تتعاون معه وتمتثل لأوامر الحكومة مع احتفاظها بشخصية اعتبارية، باعتبارها نشأت كإحدى الفصائل الثورية التي قادت المنازلة ضد النظام المنهار.
ومن خلال التعليقات التي تبثها الإذاعات وما ينشره الليبيون في مواقع التواصل الاجتماعي فقد لاقى الهجوم الذي استهدف المطار، سخطا كبيرا من أهل البلاد.
كما صدر بيان من الحكومة المؤقتة يعبر عن استهجانه لهذا الهجوم ويسمي الميليشيات التي قامت به جماعات مسلحة جهوية أي أنه لا صفة حكومية ولا شرعية لها. وقد استخدم بيان الحكومة في هذه التسمية لغة دبلوماسية، لكن هذه الميليشيات تنتمي للتيار الإسلامي، بكل تلويناته الداعشية والقاعدية والإخوانية، لفرض سلطة الأمر الواقع بعد أن تسيدت على المشهد السياسي من خلال مجلس ناقص الأهلية والجدارة رغم أنه جاء عبر صناديق الاقتراع، فقد استسلم للابتزاز والإغراء، وسار في النهج الذي يريدونه، فكان بوابة هذه الميليشيات لخزائن الدولة وأرصدتها، التي تم استنفاذها صرفا على هذه الميليشيات التي تدعي انتسابا للثورة. ويقول الثوريون أن مجموع من وقف في الجبهات لم يكن يزيد عن بضعة آلاف، وفي حده الأقصى خمسة عشر ألفا، وصل الآن عدد المنتسبين لهذه المليشيات ممن تصرف لهم الميزانيات الضخمة والمرتبات التي تصل إلى آلاف الدينارات للفرد إلى أكثر من مائة وخمسين ألف مليشياوي، ولا أحد يعلم من أين جاؤوا وكيف نبتوا، ولكن هناك في ليبيا- كما تقول الإحصائيات- أكثر من عشرين مليون قطعة سلاح، ومعنى ذلك أن هذا العدد مازال قليلا بالنسبة لترسانة السلاح التي تختفي في مخازن لا يعلم الله مآلها، لأنها ليست تحت سلطة الدولة والقانون، ولأنه لا وجود إلا لنواة جيش صغير ضعيف لا يستطيع أن يقف في مواجهة مع غول المليشيات، ولا سلطة لقوات الأمن تستطيع أن تفرض بها قانونا أو نظاما.
ومعنى ذلك أن ما حدث صباح الأحد، كان بروفة أولى لعمل مرعب يمكن أن يحدث إذا تكرر مرة أخرى، لقد تصدت قوات المطار إلى هذه الميليشيات الإسلاموية التي جاءت للسيطرة وبسط النفوذ، لأسباب ودوافع كثيرة، ليس بينها ما قامت بإعلانه وهو إعادة المطار إلى سلطة الدولة، لأن الدولة ممثلة في الحكومة الانتقالية أصدرت بيانا يستنكر فعلها ويطالبها بالعودة إلى الأماكن التي انطلقت منها، ويرى ما فعلته تهديدا للسلم والأمن وحياة المدنيين في العاصمة، وأراه أنا وكثير من المواطنين أكثر من ذلك، إنه وصفة لحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، فمع وجود هذا الكم الهائل من السلاح، ومع وجود هذه النوعية التي تصل إلى مستوى الصواريخ والمدافع التي لا تملكها إلا الجيوش في العالم، ومع وجود كل هذه الميليشيات المتمترسة في مدن وأحياء سكنية ومواقع حساسة، مثل المطارات والموانئ، فإن آفاق الحرب لن تكون مدمرة للأبنية وللعناصر المسلحة، وإنما للمدنيين أطفالا ورجالا ونساء، علما بأنها ميليشيات لا تحتكم لأية مرجعية، لأن الأمر الديني نفسه لم يعد موضع اعتبار لديها، فها هي في شهر رمضان الحرام تسفك الدماء وتعتدي على الأمنيين، ولا تراتبية عسكرية لها، ولا تملك أجندة وطنية أو ثورية كما كان الأمر في بداية تفجر ثورة 17 فبراير، لأنه انتفت من وجودها كل الأهداف وكل المبادئ، ولم يعد إلا مبدأ المتاجرة بالسلاح والدماء والتربح ومحاولة ابتزاز ميزانية الشعب الليبي.
وإذا كان هناك خيط سياسي اسمه الإسلام السياسي، فإن فئة صغيرة تتحكم في هذا الخيط. مجرد مجموعة سياسية فشلت في الحصول على شرعية عبر الصندوق، بعد أن سقطت عناصرها في انتخاب لجنة الستين، وتم نبذ هذه العناصر عند انتخاب مجلس النواب، ثم جاء قرار نقل هذا المجلس إلى بنغازي وسحبه من موقع النفوذ المليشياوي في طرابلس، فصار همهم استخدام لوردات الحرب في الابتزاز، مقابل إطلاق الحبل على الغارب لهؤلاء المسلحين باستباحة البلاد، وإقامة حكم القوة خارج الدولة وخارج القانون، نهبا وسلبا وجريمة.
حان الوقت لأن يحدث توافق بين قوى المجتمع المدني في ليبيا، بنزع كل قطعة سلاح خارج الدولة وخارج القانون، وخارج وزارتي الدفاع والداخلية، وأن نتجه بنداء إلى الأمم المتحدة التي رعت استقلال ليبيا قديما، ورعت ثورتها حديثا، ولديها مندوب للأمين العام يواصل المهمة، بأن تسعى إلى تحريك البند السابع الذي يعطيها حق فرض هذا الأمر، وتطبيقه عملا بقراري مجلس الأمن 1970 و1973 في حق حماية المدنيين وتوفير الأمن والسلام للبلاد.
(المصدر: العرب 2014-07-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews