السندات الحكومية «منخفضة المخاطر» ليست آمنة
هذا الأسبوع أود الحديث عن السندات. السندات الآمنة المملة. لقد ذهبت إلى الإذاعة في وقت سابق هذا الأسبوع للحديث عن مدى الأمان في الاحتفاظ بسندات حكومية. لكن جوابي، الذي أحدث مفاجأة معتدلة لفريق الإنتاج، كان أنها ليست آمنة على الإطلاق.
لمعرفة السبب، ما عليك سوى الأخذ في الحسبان النقطة الأساسية حول تسعير السندات: عندما تنخفض أسعار الفائدة، ترتفع أسعار السندات، وعندما ترتفع أسعار الفائدة تنخفض أسعار السندات. هذه واحدة من القواعد الثابتة القليلة جداً في القطاع المالي. إنها كذلك تماماً.
لهذا السبب ارتفعت أسعار السندات في معظم الوقت منذ بداية الثمانينيات- عندما بدأت أسعار الفائدة في كل أنحاء الغرب انخفاضها طويل الأمد لتصل إلى المستويات المثيرة للسخرية اليوم. لهذا السبب أيضاً يعتقد معظم المشاركين في السوق أن سوق السندات الآن عند، أو حول ما سيعتبره مؤرخو السوق في يوم ما ذروة طويلة المدى- بما أن الاقتصادات تعافت وأسعار الفائدة بدأت ترتفع مرة أخرى، فإن أسعار السندات ينبغي أن تنخفض. وبالتالي في حال بدأ التضخم واضطر محافظو البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة بسرعة ولمدة طويلة لاحتوائه، فإن أسعار السندات لن تنخفض فقط لكنها ستنهار.
وإذا كنت تعتقد أن التضخم مؤكد في ديمقراطية غير مسؤولة من ناحية المالية العامة، كانت قد تخلّت بشكل واضح عن أي محاولة للمحافظة على وضع مالي سليم، فإنك على الأرجح لن ترغب في الاحتفاظ بسندات حكومية ليست مرتبطة بمؤشر.
لكن إليك الأمر. ليس عليك حتى التجوّل في أي طرق رؤيوية لترى كيف يمكن أن تخسر مبلغاً كبيراً من المال في أسواق السندات الحكومية في الوقت الراهن. وليس عليك حتى الاعتقاد أن سوق السندات وصلت إلى ذروة طويلة المدى. ليس عليك سوى إدراك أننا نحصل على أسواق هابطة معتدلة لمدة عامين في السندات على أساس منتظم جداً.
دعونا ننظر إلى الوراء في أسواق السندات الهابطة في الولايات المتحدة على مدى الأعوام الـ 25 الماضية أو نحو ذلك. لقد كانت هناك سوق هابطة من عام 1989 إلى 1990. إذ ارتفع العائد على سندات المملكة المتحدة من 8.25 في المائة إلى 13.59 في المائة خلال العامين وانخفض سعرها من 108.1 إلى 90.01 – ما أدى إلى خسارة سيئة في رأس المال بلغت 16.7 في المائة. لكن القسيمة على السندات كانت 9 في المائة، لذلك فإن الـ 18 في المائة التي تم دفعها على شكل دخل على مدى العامين كانت تجعل المستثمر دون خسارة أو ربح من حيث القيمة الاسمية.
كانت هناك سوق هابطة أخرى بين عامي 1993 و1995. مرة أخرى كانت خسائر رأس المال على السندات لأجل عشرة أعوام سيئة - 12.6 في المائة. لكن مع القسيمة البالغة 6.5 في المائة، فإن الخسارة الاسمية كانت مجرد 2 في المائة.
بعد ذلك كانت هناك واحدة بين عامي 1998 و2000. فقد كانت خسائر رأس المال على السندات لأجل خمسة أعوام أكثر من 10 في المائة بقليل، مع ارتفاع العوائد بشكل أقل. لكن الخسائر الاسمية، مرة أخرى، كانت أدنى من ذلك - 2.6 في المائة.
تأمّل هذه الأرقام وبإمكانك أن ترى لماذا هناك وجهة نظر عامة مفادها أن السندات آمنة. على المدى الطويل (الذي لا يمكن لأحد السماح لنفسه بأن يعتبره أطول من 10 أعوام) كان أداؤها متألقاً. أما عندما يكون أداؤها ضعيفاً، فالمسألة كانت بضع نقاط مئوية هنا أو هناك.
الآن انظر إلى اليوم. الأمر مختلف. لماذا؟ لأنه مع قسائم ذات قيمة منخفضة جداً فلا توجد حماية من خسائر رأس المال. السندات الحالية التي مدتها خمسة أعوام تأتي مع قسيمة تبلغ 1.75 في المائة، حيث تم تسعيرها بقيمة أقل من قيمتها الاسمية. لنفترض أننا سنحصل على واحدة أخرى من تلك الأسواق الهابطة المعتدلة على مدى بضعة أعوام. ولنفترض أنك حققت خسائر في رأس المال تبلغ 10 في المائة، كما في الأعوام من 1998 إلى 2000. خسائرك الاسمية ستكون أقرب إلى 6 في المائة من نسبة 2 في المائة. وإذا خسرت 20 في المائة من رأس المال الخاص بك، فستكون خسائرك الاسمية أقرب إلى 17 في المائة - وهذا فقط في سوق هابطة طبيعية.
بفضل حقيقة أن أسعار الفائدة منخفضة للغاية، وأن المستثمرين (بشكل يُثير الدهشة) لا يبدو أنهم يطالبون بفرق قيمة التضخم بعد الآن من عوائدهم، فإن عنصر الوقاية من الآثار السلبية قد اختفى.
ما الغاية؟ إذا كنت تحتفظ بسندات ولديك انطباع أن ذلك أقل خطراً بكثير من الاحتفاظ بأسهم، فإنك ربما ترتكب خطأ - خاصة، كما أعتقد، إذا كنت تقترب من التقاعد. حتى وقت قريب، كان وقت التقاعد للعاملين في المملكة المتحدة يمثّل نقطة ثابتة كانت عقوداً من الزمن من جهود الإدخار فيها تعتبر ذات قيمة. إذا تقاعدت في الرابع من تموز (يونيو) عام 2010، وكنت مستعداً تماماً لشراء سندات ذات عوائدة منتظمة (كما كان يفعل معظم الأشخاص في برامج المساهمة المحددة أو في برامج التقاعد الشخصي المستثمر ذاتيا ’سيبز‘)، فقد تم تقييم قيمة أصول معاشك التقاعدي، وتلك القيمة كانت السعر الذي دفعته ثمناً للسندات ذات العوائد المنتظمة. كان أهم شيء يجب القيام به هو التأكد من أنك لم تخسر فجأة كومة من رأس المال في الفترة التي تسبق يوم التقييم ذاك.
إذن، بالنظر إلى الأسواق الهابطة المعتدلة للأعوام الـ 30 الماضية، فإن معظم الأشخاص حوّلوا أصولهم (أو طلبوا من مدير الأموال تحويلها) إلى سندات في الوقت الذي يكبرون فيه. لكن التقاعد لم يعُد كذلك بعد الآن. بما أن معظمنا الآن من المرجح أن يقوم بشراء سندات ذات عوائد منتظمة أقل من دخول نوع من التراجع المرن (حيث نحتفظ بأموالنا مستثمرة ونقوم بسحب دخل وبعض رأس المال لنعيش منه)، فليست هناك أي نقطة تقييم ثابتة.
حتى لو كان من المرجح أن السندات ستحمي رأس مالنا (لكن الأمر ليس كذلك) فلن يكون هناك سبب وجيه للاحتفاظ بها؛ المطلب الرئيس لرأس المال في الفترة التي تسبق التقاعد وفي التقاعد الآن هي ليس أن تحتفظ بقيمتها الاسمية بل أن تخلق دخلاً طويل المدى بحيث نتمكن من العيش منه.
وهذا في المقابل يؤيد الاحتفاظ بالقليل من ما يشبه السندات الحكومية منخفضة العوائد ذات المخاطر المرتفعة، والاحتفاظ إلى حد كبير بالكثير مما يشبه الأسهم ذات العوائد المرتفعة في شركات مميزة. وذلك على أساس أننا نأمل أن هذه سيتم إدارتها من قِبل مديرين مهتمين بتطوير أعمال مستدامة بإمكانها زيادة أرباح أسهمهم فوق معدل التضخم سنوياً (أرباح الأسهم الجيدة تنمو، لكن الدخل الثابت دائماً ثابت).
(المصدر: فاينانشال تايمز 2014-07-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews