زيادة الاستثمار تعيد أوروبا إلى الحياة مرة أخرى
باعتباره الرئيس المقبل للمفوضية الأوروبية، فإن جان كلود يونكر لا يملك الكثير لمساعدة ديفيد كاميرون، لكن يمكن أن يساعد في إصلاح منطقة اليورو - وربما سيكون هذا أحد مهامه الأكثر أهمية في السنوات الخمس المقبلة. وهذا يتطلب دائماً قدراً أكبر من مركزية السياسة - بالضبط عكس ما يطالب به رئيس الوزراء البريطاني. ليست الدبلوماسية فقط هي ما يعمل على التباعد بين كاميرون والزعماء الآخرين، ولكن المصالح الاقتصادية الأساسية أيضا تعتبر على الأقل بالأهمية نفسها.
بالنسبة لمنطقة اليورو المهمة الأكثر إلحاحا ستكون إحداث انقلاب في اتجاه الانخفاض الحاد في الاستثمار. إنها مشكلة على مستوى الاتحاد الأوروبي، لكنها في منطقة اليورو أثبتت أنها أكثر عناداً من أي مكان آخر. فإجمالي تكوين رأس المال الثابت - والكثير منه يتكون من الاستثمار من قبل الشركات - تراجع بنسبة 18 في المائة في الفترة ما بين نهاية عام 2007 وحتى العام الماضي، مع عدم وجود علامة على انعطاف جذري حتى الآن. وفي المملكة المتحدة انخفض بنسبة 22 في المائة - لكن معظم هذا الانخفاض حدث في عامي 2008 و2009 وكان ثابتاً بصورة أساسية بين عامي 2010 و2013، وهو الآن آخذ في التزايد.
والانخفاض في استثمارات القطاع الخاص يعتبر نتيجة حتمية لتراكم الديون في العقد الماضي. والآن تنفق الشركات والأسر بنسب أقل لأنها تقوم بتسديد ديونها. وعندما يحدث ذلك يقع الاقتصاد في ما يسمى ركود الميزانية العمومية. وفي بعض البلدان، مثل إيطاليا، كان الوضع أسوأ حين قلصت البنوك أيضا مرة أخرى الإقراض.
من السهل أيضاً تفسير الانخفاض في استثمارات القطاع العام، فهو نتاج تأثير مباشر للتقشف. وتجد الحكومات أن من الأسهل لها خفض الاستثمار بدلا من الإنفاق الجاري عندما تكون في حاجة إلى كبح جماح العجز. في إيطاليا توقفت الحكومات حتى عن تسديد فواتير الموردين. ومن الناحية الاقتصادية يعتبر هذا هو الطريق الأقل من المعقول لتطبيق التقشف. فهو يدمر الوظائف والشركات ويقلل من القدرة الإنتاجية للاقتصاد على المدى الطويل.
ماذا يمكن للمفوضية أن تفعل؟ في الظاهر الخيارات محدودة. قواعد المالية العامة، إذا فسرت بكثير من التجوز، تسمح ببعض المرونة. لكن يجري بالفعل تطبيق الكثير من هذه المرونة. القيد الحقيقي على إيطاليا، مثلا، لا يعتبر القاعدة التي تقيد العجز السنوي بـ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. المشكلة تكمن في نسبة الدين إلى الناتج التي هي 135 في المائة، ولا تزال في ارتفاع. دون النمو لا يمكن موصلة العجز في الإنفاق إلى الأبد.
في ألمانيا، انخفض إجمالي تكوين رأس المال الثابت في عامي 2012 و2013، ويحتاج أيضاً إلى بذل المزيد من الجهد، لكنه مقيد بقاعدة الميزانية الدستورية التي تحد من العجز الهيكلي بـ 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. واتفاق التحالف في عام 2013 لا يتوقع سوى زيادة ضئيلة في استثمارات القطاع العام. والقيد المفروض هنا ليس من بروكسل، ولكن من القانون الدستوري الألماني.
هل من الممكن حل المشكلة على مستوى الاتحاد الأوروبي؟ ميزانية الاتحاد الأوروبي البالغة نحو 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تعتبر ضئيلة - والأهم من ذلك أنها مخصصة للبرامج القائمة.
الطريق الآخر الذي من خلاله يعطي الاتحاد الأوروبي تقليدياً حوافز للاستثمار هو بنك الاستثمار الأوروبي. ففي عام 2012 رفع زعماء الاتحاد الأوروبي رأس مال بنك الاستثمار الأوروبي لتعزيز الإقراض بمبلغ 20 مليار يورو في الفترة من عام 2013 إلى 2015، لكنه فشل في إحداث الدفعة اللازمة للاستثمار لعدد من الأسباب. هناك قواعد التمويل المشترك الشاقة التي تتطلب من بنك الاستثمار الأوروبي البحث عن المستثمرين المشاركين في كل مرة يلتزم فيها بتقديم المال. وكان انخفاض الطلب على الائتمان أيضاً عاملاً في ذلك.
ما الذي تبقى إذن؟ الحل الأسهل، من الناحية النظرية، سيكون في أن يقوم الاتحاد الأوروبي نفسه بإصدار السندات، وببساطة أن يبدأ في استثمار الأموال، على سبيل المثال في البنية التحتية على مستوى الاتحاد الأوروبي أو شبكات الطاقة. لنطلق على هذه السندات "سندات الاستقرار" بدلاً من سندات اليورو، إذا كان هذا يجعل من الفكرة أكثر قبولاً في برلين. ومن ثم السماح للبنك المركزي الأوروبي بشراء تلك السندات؛ فقط لا تتحدث عن تسييل الديون. وهذا من شأنه أن يحل مشكلتين - عدم كفاية الاستثمار وانخفاض معدلات التضخم بشكل مفرط - في صك واحد.
لكن ثمة مشكلة في الأمر. هذا يكاد يكون من المؤكد اقتراح جذري جداً للمؤسسات الأوروبية، لأسباب سياسية وقانونية على حد سواء. في كل الأحوال، فإنها تحتاج إلى إيجاد نظام يمكنها من زيادة الاستثمار الكلي. ولعل الجواب يكمن في مزيج من الإجراءات.
يمكن للمفوضية إعفاء بعض الاستثمارات من إجراء العقوبة على العجز المفرط، ويمكن أن تقترح زيادة قروض بنك الاستثمار الأوروبي، لكن أخشى أن لا يكون أياً من ذلك كافياً. يونكر بحاجة إلى إيجاد توافق في الآراء لصالح الاستثمار العام العالي في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، ويحتاج إلى إيجاد وسيلة بارعة لتمويل ذلك.
يمكن للمفوضية أيضا أن تلعب دوراً مفيداً في تحريك الاتحاد الأوروبي باتجاه مؤتمر حل الديون الكبيرة، للمساعدة على التخفيف من الديون التي لا يمكن تحملها والتي تؤثر في الميزانيات العمومية في جميع أنحاء منطقة اليورو. وهذه المسألة سترتفع على أولويات قائمة جدول الأعمال بمجرد أن يصبح من الواضح جداً أن مستويات الديون لا تنخفض بسرعة كافية.
حملة يونكر جعلتني غير متأكد ما إذا كان سيتم معالجة هذه القضايا مع الشعور بالحاجة الملحة إلى ذلك. الآن سأحجب الحكم، لكن الرئيس المقبل يحتاج إلى أن يفهم أن هناك القليل من الوقت لنضيعه.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2014-07-02 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews