التجربة الصينية وليست البرازيلية
لو أن هناك عدلا فإن الذى يستحق الاعدام فعلا هو النظام السياسى الذى تسبب فى وجود جيش من أطفال الشوارع فى مصر.
شعرت بانزعاج كبير للمقال الأزمة الذى كتبه الكاتب والناقد وأستاذ الجامعة الدكتور نصار عبدالله فى جريدة المصرى اليوم صباح الجمعة الماضى مطالبا فيه بإعدام أطفال الشوارع خصوصا أن انطباعى عن الدكتور نصار أنه منحاز دائما للمهمشين والفقراء والمحرومين.
حذف المقال واعتذار الكاتب شىء جيد، ليس عيبا أن يخطىء أى إنسان، طالما أنه يدرك خطئه ويعتذر عنه، لكن العيب الأكبر أن نترك مثل هذه الافكار الفاشية تنتشر وتجد لها أرضية اجتماعية تشجعها.
ولذلك فإن أحد أفضل مزايا مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر» أنها وفرت المدفعية الثقيلة والسريعة ضد فكرة الكاتب الداعية إلى الاحتذاء بالبرازيل وقتل أطفال الشوارع باعتبارهم عالة ينبغى التخلص منها.
من قبيل التكرار القول بأن هذه فكرة شديدة الخطورة طالب بها كثيرون على مر التاريخ أبرزهم فى العصر الحديث، النظام النازى فى ألمانيا وفشلت فشلا كبيرا فى كل مرة لأنها ليست فقط ضد الإنسانية والأخلاق والقانون بل ضد الفطرة السوية.
المثير للأسف والحزن أن نخبا كثيرة يفترض أنها مثقفة تفترض أن أطفال الشوارع هم المسئولون عن حالهم وعن أزمتهم فى حين أن العكس هو الصحيح تماما.
نظام حسنى مبارك وسياساته الإجرامية فى المجالات جميع ضد الفقراء والمهمشين ومحدودى الدخل هى التى أوجدت المناطق العشوائية وهى التى جعلت الأطفال يهيمون على وجوههم فى الشوارع.
لا توجد أسرة طبيعية تتمنى أن تجد ابنها يعيش فى الشارع، والمؤكد أن ظروفا قاهرة هى التى تدفعها لذلك.
الطفل المشرد نفسه لا يود أن يعيش فى الشارع. لا يوجد مجرم يولد مجرما بالفطرة. الظروف والبيئة والمجتمع هم الذين يحولونه إلى مجرم. وبالتالى فالنظام السياسى هو المسئول الأول عن مثل هذه الظواهر. لو أن نظام مبارك طبق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ما صار لدينا هذا الجيش العرمرم من المشردين فى الشوارع.
المحزن أن كثيرا من مثقفينا وإعلاميينا يتحدثون بعنصرية شديدة عن المشردين والباعة الجائلين وهم يصدعوننا ليل نهار عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
المؤكد أن البائع الجائل يخالف القانون، لكننا ننسى أنه يريد ان يمارس عملا شريفا، والحل بدلا من الدعوة لحبسه أو قتله أن نوفر له مكانا صالحا يمارس منه عمله. نفس الوضع بالنسبة لأطفال الشوارع وأظن أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تكلم عن هذا الأمر أكثر من مرة قبل فوزه حينما طالب وسأل: هل لدى المجتمع وأغنياؤه الاستعداد لإقامة مشروعات لإيواء أطفال الشوارع؟ وهناك تقارير تقول إن الحكومة لديها مشروعات بالفعل لحل مشكلة أطفال الشوارع.
بدلا من إعدام هؤلاء الناس لماذا لم يفكر الدكتور نصار عبدالله ومن يفكر مثله فى التجربة الصينية التى جمعت غالبية المشردين من الشوارع بل والمساجين وأقامت لهم مشاريع تنموية كبيرة حولتهم إلى أيدى منتجة وأطلقت سراحهم بعد أن أعادت تأهيلهم وكانوا أحد أسباب نهضتها الكبرى؟!.
( بوابة الشروق 23/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews