زيارة أوباما و" يهودية " الدولة العبرية !

هذه ليست الزيارة الأولى للرئيس باراك أوباما إلى العالم العربي، فقد سبقها بزيارة إلى مصر في الرابع من حزيران 2009 وألقى خطابا في جامعة القاهرة آنذاك خلال فترة رئاسته الأولى، وحينها ، كان أوباما أكثر تحمساً واندفاعاً في إقامة علاقات ودية مع الدول العربية والإسلامية وإيجاد سلام وانفتاح تام على القضايا المتشابكة والسعي لحلها .

أما في زيارته الثانية للمنطقة والأولى له في فترة حكمه الثانية ، فيبدو أن الحماس الذي كان في بدايات عهده قد تبخر وأضحى أثرا بعد عين .

صحيح أن سياسة أميركا ثابتة تجاه اسرائيل وهذا واضح عبر التاريخ الطويل من العلاقات الحميمية بين البلدين، لكن الواقع المُستجد اليوم من توقف لمفاوضات عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والوضع المتأزم الذي تمر به سورية وتداعياته على المنطقة واسرائيل على وجه الخصوص، والأهم تنامي قوة إيران وبرنامجها النووي ، كل ذلك وغيره يفرض على أميركا أن تلعب دوراً أكبر اعتمادا على حليفتها " الإستراتيجية " ، بل " الأبدية " كما قال أوباما نفسه .

الجميع عوّل على أوباما ونشأته وأصول والده الإسلامية وحماسه السابق الذي عبّر عنه في زيارته الأولى ووعوده بتحسين العلاقات بين أميركا والشعوب العربية والإسلامية..

لكن الجميع أُصيبوا بخيبة أمل زاد عمقها تصرفه ومواقفه حيال قضايا المنطقة ، وآخرها الملف الفلسطيني والإستيطان وسورية .

اليوم لا تحرك أوباما العواطف بل تحركه السياسة والمصالح ، وكان يفترض به وهو في فترة حكمه الثانية والأخيرة أن يكون متحررا من اللوبي الصهيوني في الكونجرس ومن نفوذه الطاغي ، ولكنه خيب الآمال لدرجة الصدمة وتصرف بالعكس .

إن كل ما تحدث عنه أوباما ووعد بتنفيذه في زيارته الأولى للعالم العربي في مصر لم يتحقق، وهذه الزيارة الأخيرة لكل من إسرائيل وفلسطين والأردن لم تكن إلا لإعطاء الأولى مزيداً من شرعية الاحتلال ، بينما كانت زيارتاه للأخرَيَيْن " سياحة " بكل ما في الكلمة من معنى : فقد زار ما دعاه نتنياهو " أرض إسرائيل التاريخية " وزار كنيسة بيت لحم ، وزار البتراء ، وغادر بوعود دعم الأردن بـ 200 مليون دولار كمساعدة لموازنته في مواجهة ضغوط اللاجئين السوريين ، ومن يدري ، فإن موافقة الكونجرس على المبلغ غير مضمونة ، وهناك تجارب تاريخية عن وعود أمريكية كُتبت على الماء ، وخذوا مؤتمرات ما يسمى : " أصدقاء سوريا " مثالا صارخا عليها .

إن " يهودية " الدولة العبرية هي أخطر ما تمخضت عنه زيارة أوباما ، وهذا محور لم يجرؤ أي رئيس أمريكي على الدوران فيه أو البوح به علنا وأمام الإعلام ، ليس خوفا من العرب ، ولكن انسجاما مع الحلفاء الأوروبيين ، وهو مطلب صهيوني قديم كان يطل برأسه بين الفينة والأخرى ، ولكنه قفز في فترة حكم أوباما الثانية ، ودفع الحزب الديمقراطي إلى إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وذلك خلال الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ، وهو الإعتراف الذي جعل يهود الولايات المتحدة يصوتون بأغلبهم لصالحه ، ولعل ذلك استحقاق كان لا بد من دفعه ، فجاء إلى إسرائيل وأعلنها مدوية : إن إسرائيل دولة يهودية ، مما اثار حفيظة ملايين العرب والمسلمين ، حيث يعني هذا الإعتراف نزع أي صفة إسلامية أو مسيحية عن القدس ، وسحب المواطنة والجنسية عن حوالي مليون ونصف المليون فلسطيني ممن يطلق عليهم " عرب إسرائيل " الذي يشكلون حوالي 20 % من السكان ، وغير ذلك من آثار خطيرة على المنطقة بأسرها .

كما وإن الهدف الآخر الذي تمحورت حوله الزيارة هو الملف النووي الإيراني ، حيث أكد أوباما للإسرائيليين : إن وجود إسرائيل مرتبط بوجود أمريكا ، وإن معها الحق في الدفاع عن نفسها وإن الولايات المتحدة معنية بالدفاع عنها .

باختصار : لم تكن هذه الزيارة لأوباما تاريخية كما أحب البعض تسميتها، فهي لم تقدم أي جديد ولم تحمل أي بشائر للشعب الفلسطيني بخصوص قضية الاحتلال ، ولا للشعب السوري بإمكانية مؤازرته " عمليا " بما يحميه من القصف والقتل ، بل لم تصب في صالح شعوب المنطقة جميعها باستثناء إسرائيل .

إن هدف زيارة أوباما الأول والأخير هو خدمة أمن ومصالح اسرائيل وسياستها الاحتلالية العدوانية.

هي زيارة بلا أفق سياسي جديد للعرب ، وبلا أي مؤشرات إيجابية ، هي زيارة هامة لإسرائيل ونتنياهو فقط ، ولكنها بالنسبة للعرب والمسلمين زيارة " سياحية " بامتياز ! .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv