مجموعات التكنولوجيا الأمريكية بحاجة للتكيف مع عالم ما بعد سنودِن
بمناسبة الذكرى السنوية لتسريبات إدوارد سنودِن التي كشفت عن حقيقة مراقبة الإنترنت في الولايات المتحدة، فإن الأمر يستحق التأمل بالمقدار الذي آلت إليه الأمور بالنسبة لشركات التكنولوجيا الأمريكية - وبالتالي، مدى التغير على مساهميها.
بشكل مماثل لما كان عليه العالم قبل الهجمات الإرهابية في 11/9، تبدأ شبكة الإنترنت قبل سنودِن بإعطائك شعوراً وكأنها مكان بعيد وبريء. وصعود شركات الإنترنت في الولايات المتحدة يبدو وكأنه لا يتزعزع. وباستثناء الصين، إضافة إلى دولة أو دولتين، لم يكن هناك شيء يذكر يستطيع زعزعة هيمنتها.
وحين نحلل الأمور من منظور بعيد، عقب الأحداث، فإن جزءاً من الرأي السائد عن تلك الفترة أخذ يبدو وكأنه نوع من التهاون. يشتمل هذا الرأي السائد على فكرة أن الإنترنت هي عالم بلا حدود تتدفق فيه المعلومات بحرية دائماً؛ وأنها مجموعة معيارية من الخدمات المقدمة عالمياً لجمهور يبلغ عدده المليارات؛ وفضاء متحرر من كثير من القوانين التنظيمية التي تعيق الشركات العالقة في العالم المادي؛ وأنها تتسم بقدرة غير مقيدة لتكويم كميات كبيرة من البيانات لتغذية الاستهداف الإعلاني الذي يعتبر أكثر دقة من أي وقت مضى. لكن لا شيء من هذه الأفكار يبدو الآن مضمونا مثلما كنا نعتقد في السابق.
في الواقع، تغيرت الأرض تحت أقدامنا بالفعل، في الوقت الذي أخذ فيه الساسة والأجهزة التنظيمية تبدي اهتماماً أقوى من قبل بعالم التكنولوجيا الرقمية المتوسعة. إن أي أمل في الإبقاء على القوانين التنظيمية غير المشددة في الأيام الأولى لشبكة الإنترنت، حين كانت الحكومات تعترك مع مضامينها، يبدو بالفعل وكأنه ضرب من التفكير بالتمني. لكن الصدمة من إفصاحات سنودِن عجلت التحول بشكل كبير.
بصرف النظر عن التفاصيل التي ستؤول إليها الأوضاع النهائية، فإن الاتجاه يعتبر واضحاً. ستكون القوانين التنظيمية أكثر صرامة، والمحاكم أكثر ميلاً لوضع القيود – مثلما اكتشفت "جوجل" الشهر الماضي، عندما صدر أمر بحقها لتوسيع نطاق "الحق في النسيان" في الموقع لصالح أشخاص في أوروبا. وعلى الأرجح سيفكر الزبائن الأجانب أكثر من قبل في الشراء من الموردين المحليين، وغالباً بتشجيع من حكوماتهم. وفي الحالات القصوى، فإن تسريبات سنودِن توفر ذريعة لاستبعاد الشركات الأمريكية تماما لأسباب أمنية.
وكان رد الفعل أكثر وضوحاً في بلدان مثل الصين، التي استغلت هذا الأسبوع الذكرى الـ 25 لحملة القمع في ميدان تيانانمين، لتصعيد هجوم خطابي على شركات الإنترنت في الولايات المتحدة. وكان واضحا أيضا في روسيا التي تقود ضغطا من أجل أن يتم تخزين البيانات عن مواطنيها على خوادم محلية.
وهناك نتيجة متوقعة من كل هذا، لا محالة، وهي ارتفاع التكاليف. إن تفكيك حيازات البيانات الكبيرة لشركات السحابة الإلكترونية إلى مجموعات وطنية، أو إقليمية يمكن أن يقلص وفورات الحجم التي يجعلها العالم الرقمي أمراً ممكناً. وحتى من دون هذا التطور، من المرجح أن تثير قواعد الخصوصية الأكثر صرامة مخاطر الامتثال، وتعمل في الوقت نفسه على الحد من المجال أمام تجربة طرق جديدة لكسب المال من بيانات العملاء.
وربما تكون هذه التكاليف تستحق الدفع. لكن في أعقاب تسريبات سنودِن، هناك خطر من ردود الفعل المفرطة التي تُضِر بالفوائد المحتملة للخدمات الرقمية.
وفي الوقت الذي تكافح فيه من أجل طمأنة مستخدميها، تدفع شركات الإنترنت الثمن لأنها أظهرت في الماضي أنها وضعت المصالح التجارية الخاصة بها أولاً. والمبادرات، مثل محاولة "فيسبوك" الأسبوع الماضي منح أعضائها مزيدا من السيطرة على خصوصية البيانات الشخصية، ربما جاء بعد فوات الأوان لتغيير التصور السائد في الأذهان.
وفي الوقت نفسه، ستواجه شركات خدمات السحابة الإلكترونية الأمريكية التي تبيع للحكومات، أو زبائن القطاع التجاري، ضغوطاً مختلفة. بالنسبة لبعضها، الرد سيكون بالاعتماد بشكل أكبر على شركاء محليين لتقديم خدماتها، وستكون بمثابة خط المواجهة في التعامل مع الأجهزة التنظيمية. ويمكن أن يؤدي هذا إلى المزيد من خدمات "البطاقة البيضاء" (أي بدون الظهور البارز للعلامات التجارية) من الشركات الأمريكية التي تتراجع إلى الخلفية.
ومن المرجح أن تكون المنافسة أقوى في بعض الأسواق الخارجية، مع تعزيز الحكومات الوطنية لـ "أبطالها المحليين". وتشعر IBM ومايكروسوفت، في الصين، بقلق بسبب تقارير أخيرة تتحدث عن تشجيع رسمي لبعض عملائهما الكبار لوقف شراء التكنولوجيا منهما.
ومع ذلك، فإن نظام الأمان الذي تملكه الشركات الأمريكية في الكثير من جوانب صناعة تكنولوجيا المعلومات يجعل من الصعب التكهن بمدى سرعة ظهور منافسة جدية.
ربما يكون من السهل نسبياً العثور على موردين بديلين لأجهزة التوجيه، أو التبديل التي تصنعها سيسكو، أو خوادم معايير الصناعة من هيوليت باكارد، لكن لا يمكن استبدال الكثير من التكنولوجيا الأمريكية بشكل سريع. وعندما يتعلق الأمر بالخدمات السحابية من النوع الذي بدأ يلعب دوراً أكبر في توفير تكنولوجيا المعلومات، فإن الشركات الأمريكية تملك دوراً ريادياً مبكراً فيها.
وعلى الرغم من ذلك، لا شيء من هذا يغير الواقع الجديد. ففي الوقت الذي تتغلغل فيه المنصات الرقمية الآخذة في الاتساع، لشركات مثل جوجل وفيسبوك، بشكل أعمق في الحياة اليومية، يصبح مما لا بد منه أنها ستجتذب المزيد من التدقيق، والحسد، والمقاومة. إن الاختبار بالنسبة لشركات الإنترنت الأمريكية في عصر ما بعد سنودِن سيكون مدى قدرتها على التكيف مع الأوقات المتغيرة.
( فايننشال تايمز 9/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews