اول انجازات حكومة الوحدة الفلسطينية خلق ازمة ثقة بين اسرائيل وامريكا
ها هم اولاء الامريكيون احتالوا علينا مرة اخرى. فقبيل تأدية حكومة الوحدة الفلسطينية اليمين الدستورية اتفق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الامريكي جون كيري على أن تنتظر اسرائيل والولايات المتحدة عدة اسابيع كي ترى الى أين تتجه هذه الحكومة، وأن تتطرقا الى شأنها رسميا بعد ذلك فقط. وتم الاتفاق على أن تكون التصريحات حتى ذلك الحين من قبل اسرائيل معتدلة، وأن تكون خطوات عقابها – إن وجدت – رمزية. ووعد الامريكيون من قبلهم بألا يلتزموا بموقف فوري وأن ينتظروا بردهم.
ووفت اسرائيل بالتزامها بحسب ما تقوله مصادر رفيعة المستوى في القدس. أما وزير الخارجية الامريكي في مقابل ذلك فلم يصبر حتى يوما واحدا.
بعد تأدية الحكومة الفلسطينية اليمين الدستورية بساعات معدودة صدر عن متحدثة وزارة الخارجية تصريح مؤيد لا لبس فيه. ويتساءلون الآن في اسرائيل: ألم يفهم جون كيري ما اتفق عليه مرة اخرى؟ أولا يسيطر على البيروقراطية تحت إمرته؟.
ومهما يكن الامر فان النتيجة هي ازمة ثقة. فالكلمة ليست كلمة والتنسيق ليس تنسيقا.
يقولون في اسرائيل إن أبو مازن رفض خطة كيري، والامريكيون يمنحونه جائزة مقابل ذلك ويصفقون لحكومة الوحدة الجديدة التي انشأها. وترى اسرائيل أن اعلان وزارة الخارجية الامريكية المؤيد يعني ضوء اخضر للاوروبيين ليبيضوا اتصالاتهم السرية بحماس. وفي هذه الحال ترى حكومة نتنياهو نفسها معفاة من الالتزام الذي اعطته لجون كيري وهو أن تعمل في اعتدال، وهي تنوي أن ترد بحسب مصلحتها فقط.
من نابلس الى جنين في نصف يوم
لم تخرج اسرائيل سلاح يوم القيامة حتى الآن. وليس الحديث عن فرق دبابات تغرق الضفة ولا عن القرار الذي اتخذته الحكومة أمس على بناء 1500 وحدة سكنية في المناطق، باعتباره ردا من البطن على تصريح وزارة الخارجية الامريكية. فالفلسطينيون لا يخشون هذه الخطوات لأنها تعني اعلان حرب للعالم. إن كابوس الفلسطينيين الحقيقي هو استقرار رأي اسرائيل على العودة الى تمزيق الضفة بالحواجز. فالجيش مستعد – في غضون وقت قصير منذ لحظة صدور الامر – لنشر اكثر من 40 حاجزا تزلزل نظام الحياة في الضفة كلها وتجعله كابوسا طويلا، بحيث يصبح كل سفر من جنين الى نابلس رحلة تحتاج الى نصف يوم على الاقل.
لم يتجرأ وزراء المجلس الوزاري المصغر ايضا الذين اجتمعوا في مطلع الاسبوع للتباحث في الخطوات التي ستأخذ بها اسرائيل بازاء انشاء حكومة الوحدة الفلسطينية، على الالتزام بهذه الخطوة العقابية، الى الآن.
يملك المدير العام لمكتب الشؤون الاستراتيجية العميد (احتياط) يوسي كوبرفاسر وثيقة فيها قائمة خطوات عقاب ممكنة للسلطة الفلسطينية. ونشر الحواجز خيار واحد فقط. وثمة خطوة اخرى هي قرار اسرائيلي على العودة الى العمل “بحسب الكتاب” (الذي كتبته اسرائيل بالطبع)، في كل ما يتعلق بالتفتيش الامني للبضائع كما كانت العادة حتى 2004. فعلى سبيل المثال كان مُصدر رخام كبير في المناطق يخسر في ذلك الحين عشرات ملايين الشواقل كل سنة بسبب اجراءات تفتيش الحاويات التي يرسلها الى الشرق الاقصى. ولم يكن يستطيع بحسب مطالب اسرائيل الامنية أن يملأ الحاويات بألواح الرخام حتى النهاية، وطُلب اليه أن يبقي فراغا يُمكن من دخول انسان وكلب للبحث عن عبوات ناسفة محظورة. ولما كانت الحاويات تملأ بصورة جزئية فقط فلم تكن الشحنة مستقرة وكان بعض ألواح الرخام يُكسر بسبب الزعزعة في الطريق. ومنذ ذلك الحين لينت اسرائيل توجيهاتها وهي اليوم تُمكن من ملء الحاويات حتى النهاية. ويمكن أن يتغير ذلك بقرار واحد عن المجلس الوزاري المصغر، ويؤثر في كل التجار وارباب الصناعة في الضفة الذين يصدرون سلعا الى غزة والعالم.
يكرر وزير الدفاع موشيه يعلون قوله في كل فرصة إن الفلسطينيين أشد تعلقا بنا من تعلقنا بهم. فنحن نستطيع البقاء من غيرهم لكنهم من غيرنا لا يساوون شيئا. وبرغم ذلك لم يخطر ببال حتى اكثر وزراء المجلس الوزاري المصغر يمينية أن يستعملوا اجراءا ما فيه ما يهدد مصلحة اسرائيل الامنية الواضحة في المناطق، أعني التنسيق الامني. فما بقي أبو مازن يعلن أن التنسيق الامني مع اسرائيل مقدس وأنه يعمل بحسب ذلك فان حكومة الوحدة الفلسطينية ترى في اسرائيل في الاساس أنها تدبير اعلاني سياسي يمكن أن يكون تهديدا في المستقبل. ولا يعلم أحد الى الآن في اسرائيل أو في السلطة كيف سيدار هذا الجهاز لأنه توجد حكومة ووزراء أدوا اليمين الدستورية وذلك كل شيء.
إن الصورة التي ترسم هي أنه يوجد اليوم بدل حكومتين لفتح في رام الله وحماس في غزة، يوجد ثلاث حكومات للفلسطينيين اليوم. وفي حين تدير هيئة الموظفين الكبار التي بقيت على حالها الحكومتين الاوليين، فان الحكومة الثالثة هي حكومة خبراء ضعيفة صلاحياتها غامضة. ولهذا تبنى المجلس الوزاري المصغر توصية جهاز الامن وهي ألا تضر خطوات الرد أو العقاب التي ستتخذها اسرائيل بالحياة اليومية وأن ينحصر الرد الاسرائيلي في الصعيد الدبلوماسي والدولي مع لمسات رمزية على الارض كمنع دخول وزراء من الضفة الى غزة عن طريق الاراضي الاسرائيلية أو أخذ بطاقات “المهمين جدا” من وزراء سابقين، وهي خطوات هدفها المباشر دعم وزراء الجناح اليميني في الحكومة عند ناخبيهم.
لكن حتى لو مكنت اسرائيل وزراء فلسطينيين من الانتقال من الضفة الى غزة والمكوث في مكاتبهم فليس من المؤكد أن ينجحوا في فرض سلطتهم على هيئة الموظفين الحماسية العليا. واكثر من ذلك منطقا أن نفرض أنهم سيمكثون هناك على هيئة دمى. ويستطيعون في سريرتهم أن يشكروا منسق العمليات في المناطق اللواء يوآف (بولي) مردخاي الذي يمنع عنهم بطاقات دخول الى غزة.
استقر رأي حكومة اسرائيل على الخطوات الكبيرة قبل بضعة اسابيع وهي تجميد التفاوض السياسي والاستمرار على محادثة السلطة عن طريق القنوات الامنية فقط (منسق العمليات في المناطق، وقيادة الوسط و”الشباك”). وتقرر ايضا أن تتابع الاستخبارات التطورات على الارض وأن يتخذ رئيس الوزراء ووزير الدفاع قرارات لغاية ما بحسب الاحداث. ويكون في مقدمة أولويات المتابعة الاستخبارية سلوك اجهزة امن السلطة مع تنظيمات حماس الارهابية في الضفة. فسلبية الاجهزة الامنية ستفضي الى زيادة تدخل اسرائيل في الاعتقالات. لأن 80 بالمئة من احباطات الخلايا الارهابية في يهودا والسامرة يقوم بها الجيش الاسرائيلي و”الشباك” اليوم ايضا.
وفي خلال هذا الوقت يتابعون في اسرائيل العدد الذي أخذ يزداد من أعلام حماس الخضراء في المظاهرات والاجتماعات بل في موقع رجال شرطة السلطة في الخليل. ولم يتغير الى الآن نشر الجيش ولم يُزد جندي واحد على مجموع القوة البشرية العاملة في قيادة الوسط. وحينما يسأل رجال اجهزة الامن في لقاءات مع نظرائهم الاسرائيليين في مستوى قادة الالوية مثلا هل تلقوا منذ كان انشاء حكومة الوحدة توجيهات جديدة، لا يفهمون السؤال.
في اسرائيل ينظرون بتأثر الى الحيل السياسية التي تقوم بها حماس. فقد اعلن رئيس حكومة حماس اسماعيل هنية عن استقالته وقال إنه سيكتفي بمنصب نائب زعيم الحركة خالد مشعل. ونسي هنية فقط أن يقول إنه عزل رئيس المجلس التشريعي وعين نفسه بدلا منه. ومعنى ذلك واضح فرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني هو نائب أبو مازن اذا لم يستطع هذا الاستمرار على تولي رئاسة السلطة.
والى ذلك اصبح هنية يطلب جمع المجلس التشريعي للتباحث في نفاذ كل تلك الاوامر الرئاسية التي اصدرها أبو مازن منذ كان شلل المجلس التشريعي والتي تحولت منذ ذلك الحين الى قوانين تُسير السلطة بحسبها. وأبو مازن وفتح غير مستعدين بالطبع للاستماع الى ذلك فهم يرون أن المجلس التشريعي سينعقد لمرة واحدة فقط لاعلان اجراء انتخابات وذلك ايضا اذا وفى أبو مازن بالتزامه اجراء انتخابات عامة في غضون نصف سنة. ومستشاروه المقربون غير مستعدين للسماع بشأن انتخابات فهم يخشون أن يخسروا لحماس كما حدث في انتخابات المجلس التشريعي في 2006.
يزعمون في اسرائيل أنه ليس للسلطة الفلسطينية قدرة على وجود اقتصادي مستقل – مع غزة ومن غيرها. وإن معظم التوتر بين الحكومات الفلسطينية محصور في سؤال أي واحدة تسيطر على الخزانة العامة والمكاتب الاقتصادية أفتح أم حماس. فهناك توجد القوة لكن توجد ايضا نقطة الضعف وهي الخزانة العامة الفارغة.
إن السلطة في رام الله مدينة لشركة الكهرباء الاسرائيلية فقط بمليار ونصف مليار شيكل. وحكومة حماس في غزة مدينة للمزودين بالسلع باكثر من مليار شيكل. فالسلطة في رام الله والادارة في غزة هما مصنعان أفلسا. وتتوقع حماس في اطار حكومة الوحدة أن تقضي السلطة الفلسطينية عجزها المالي بواسطة المنح التي تحصل عليها من الولايات المتحدة والاوروبيين.
وتوجد مشكلة اقتصادية اخرى في الطريق فقد وقعت حماس وفتح قبل ستة اسابيع على اتفاق يقضي بألا يقال أي عامل دولة. بيد أن فتح نسيت أن تدخل مادة تقضي بانطباق هذا المبدأ على عمال كانوا يعملون في يوم التوقيع على الاتفاق، وقد انقضوا في حماس على هذا البثق. فقد تبين لفتح في الاسبوع الماضي أن الجهاز الحكومي لحماس في غزة بورك في غضون اسبوع واحد بزيادة 7 آلاف من عمال الدولة الجدد، بعضهم من الاقرباء وسائرهم مقربون من السلطة، وتتوقع سلطة حماس أن تنفق رام الله عليهم.
يدرك أبو مازن عظم الازمة ولهذا اعلن خطوات طواريء اقتصادية تشمل تقليص الرواتب. فعمال الدولة الذين يحصلون على زيادة استعداد أو مخاطرة مهنية سيبقون مع هذه الزيادات بيد أن الحديث في الاساس عن العاملين في الاجهزة الامنية وقد بدأوا يسألون: لماذا يقلصون رواتبنا ليدفعوا الى الطفيليين في غزة اولئك الذين قتلوا رجالنا في 2007؟ ولا يوجد الى الآن انفجارات غضب لكن من الواضح للجميع أن الحديث عن خطوة جد غير شعبية ستكون لها آثار على الشارع في الضفة.
يُحتاج الى وريث
يرى أبو مازن اتفاق الوحدة مع حماس انجازا استراتيجيا قد يكون الاكبر في فترة ولايته. وهو يرى أنه حتى لو بقيت حكومة الوحدة شهرين فانه قام بعمله وسيكتب في صفحات التاريخ أن حماس هي التي أفشلته.
سيصبح أبو مازن في السنة التالية في الثمانين من عمره. ويُشعر في اسرائيل وفي السلطة بأن هذا الرجل يقترب من نهاية طريقه في الحياة العامة. وقد بدأوا في اسرائيل والسلطة يفكرون في قضية الوريث الذي لا يخلفه وراءه. وتفتح هذه الاسئلة الباب لضغط عربي ودولي على اسرائيل لتفكر من جديد في الافراج عن مروان البرغوثي.
قبل ستة اسابيع حينما خرج الوفد الفلسطيني برئاسة عزام الاحمد من رام الله الى غزة للتباحث في حكومة الوحدة، فوجيء الجميع بحقيقة أن حماس وقعت دون شروط. وقد سبقت ذلك في الحقيقة محادثات في القاهرة وكان ادراك – عند الاستخبارات الاسرائيلية ايضا – أن حماس تتجه الى حكومة وحدة، لكن السرعة التي تم فيها كل شيء فاجأت الجميع.
وتبين بعد ذلك أن حماس وافقت على كل الشروط التي عارضتها في الماضي لا لأن المصريين ركعوها فقط. فيبدو أن المصريين وعدوا حماس بفتح معبر رفح الذي هو مصلحة عليا للحركة. وعلى حسب الاتفاق بين حماس والسلطة ستنشر على طول الحدود المصرية خمس كتائب من الحرس الرئاسي الفلسطيني معروفة بـ “كتائب دايتون”. لكن المصريين لا يكتفون بذلك فهم يخشون أن تستطيع اسرائيل في اللحظة التي يفتح فيها معبر رفح ان تتحلل من المسؤولية عن قطاع غزة وأن يقع هذا الملف على كاهلهم. ولهذا يطلبون مع نشر قوات دايتون العودة الى الاتفاقات القديمة في فترة القوة المتعددة الجنسيات التي كانت تدير معبر رفح منذ كان الانفصال في 2005 الى أن سيطرت حماس على القطاع. وتشمل تلك الاتفاقات في جملة ما تشمل وجودا اسرائيليا مع تحكم من بعيد في معبر رفح بوسائل الكترونية. وسيصعب على حماس أن تبتلع هذا الضفدع ومن المنطق أن نفرض ألا يجوز ذلك.
وعلى العموم بقيت المواضيع الامنية في غزة خارج اتفاق حكومة الوحدة، فذراع حماس العسكرية لا تخضع لأحد في السلطة في رام الله ولا لحكومة الوحدة الجديدة، بيقين. ويعالج المصريون هذه القضية الآن بقفاز من حرير. يرأس اللجنة المشتركة بين السلطة وحماس المتعلقة بمكانة القوات المسلحة في قطاع غزة، لواء مصري يشتغل بالشأن الفلسطيني الداخلي الواضح بموافقة الطرفين. فاذا استقر رأي حماس على اطلاق صواريخ على اسرائيل أو اصرت على عدم كف الجهاد الاسلامي فلن تكون لها مشكلة مع اسرائيل فقط بل وفي الاساس مع المصريين.
هناك اختلاف جوهري آخر نشأ عشية التوقيع على اتفاق حكومة الوحدة الفلسطينية وهو المسؤولية عن وزارة الداخلية التي تخضع لها قوات الامن الفلسطينية. وقد لاقى قرار تعيين رئيس الحكومة الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله وزيرا للداخلية ايضا معارضته الشديدة فهو يعلم أن الحديث عن حقل الغام لأن المخزون الضخم من المسلحين ومخازن السلاح والصواريخ في قطاع غزة مستقل تماما فلماذا يحتاج الى هذا الصداع؟ وما زالت فكرة تقسيم وزارة الداخلية الى اثنتين – الاولى مسؤولة عن شؤون مدنية والاخرى عن شؤون الامن الداخلي – موضوعة على الطاولة.
إن التحدي الاول الموضوع على باب حكومة الوحدة الفلسطينية الجديدة هو اضراب السجناء الاداريين عن الطعام. فهذه أول مرة يتم فيها اضراب سجناء عن الطعام في وقت وقعت فيه السلطة الفلسطينية على وثيقة جنيف. ماذا يفعلون بذلك؟ لا شيء، الى الآن.
من الصحيح الى الآن أن احتمال أن تبقى حكومة الوحدة أصغر من التهديد الذي تعرض اسرائيل له إن عرضتها أصلا، لكن حكومة الوحدة الافتراضية هذه تهب الكثير من ساعات البث لكل معارضي التسوية مع الفلسطينيين وتُمكنهم من ترديد مختلف الكليشيهات وشعاراتهم الوطنية أمام كل سماعة. وهذا ايضا شيء ما.
( يديعوت احرنوت 7/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews