وصفة من المكسيك لوضع الهند على طريق النمو
إذا كان ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند، يبحث عن مثال لقائد تم انتخابه ديمقراطياً وشرع في تنفيذ إصلاحات جذرية، بإمكانه التطلّع إلى إنريكي بينيا نييتو. صحيح أن الأخير هو رئيس بلد أصغر بكثير، وأكثر ثراء - من حيث متوسط مستوى المعيشة في المكسيك، الذي هو ضعف ذلك الموجود في الهند، على الرغم من أن الأداء الاقتصادي الضعيف في العقود الأخيرة، قد ضيّق الفجوة إلى حد كبير.
يواجه كلا الزعيمين تحديات ذات صلة، فكلاهما يحتاج إلى تحقيق النمو الموجه نحو السوق، في اقتصادات تُظهر فجوة كبيرة بين القطاع الرسمي ذي الإنتاجية العالية، والقطاع غير الرسمي منخفض الإنتاجية. لقد شرع بينيا نييتو بتنفيذ إصلاحات جريئة. هل تلك الإصلاحات هي النموذج الواجب اتباعه؟
في دراسة نشرت في الفترة الأخيرة، استطاع معهد ماكينزي العالمي تصوير ثنائية المكسيك بشكل جيد. تعترف الدراسة بأن "هناك دولة مكسيك حديثة، باقتصاد متطور ذي سرعة عالية". هناك أيضاً "دولة مكسيك تقليدية، وهي منطقة تتكون من شركات في نطاق فرعي، غير منتجة ومتخلفة تكنولوجياً، والكثير منها يعمل خارج الاقتصاد الرسمي". التنمية بالتالي تعني إحداث التكامل بين الاثنتين.
غالباً ما ننسى أنه في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، كان اقتصاد المكسيك ناجحاً للغاية: ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بمعدل متوسط سنوي بلغ 3.3 في المائة. ثم جاءت أزمة الديون عام 1982 وعقد ضائع من الزمن، وبرنامج خصخصة فاشل، واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية عام 1994، والأزمة المالية بعد ذلك بوقت قصير، وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، والتحوّل إلى الديمقراطية متعددة الأحزاب، إضافة إلى صعود المنافسة الصينية. طوال هذه الفترة، كان النمو ضعيفاً: فقد نما الناتج لكل عامل بنسبة تقل عن 1 في المائة سنوياً منذ عام 1980. كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في المكسيك "عند قياسه حسب معادِل القوة الشرائية" يمثّل 30 في المائة من مستويات الولايات المتحدة في عام 2012، تماما كما كان في عام 1990.
بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن الانفتاح على التجارة سيضمن النمو السريع، هذه حكاية تجعلهم يدركون التبصر والصحوة: فقد ارتفعت نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 39 في المائة في عام 1990 إلى 65 في المائة في عام 2011. والصادرات إلى الولايات المتحدة زادت ستة أضعاف في ظل اتفاقية نافتا، لكن أداء الاقتصاد كان دون المستوى.
تعاني المكسيك "معضلة الإنتاجية"، فالتناقض مع الاقتصادات الناشئة الأخرى مذهل. وتفسير معهد ماكينزي هو أنه في الوقت الذي زادت فيه الإنتاجية بمعدل نمو مركّب بلغ 5.8 في المائة سنوياً بين عام 1999 وعام 2009، في شركات توظف أكثر من 500 شخص، إلا أنها زادت بمجرد 1 في المائة سنوياً في شركات توظف عشرة أشخاص إلى 500 شخص، وانخفضت بمعدل بلغ 6.5 في المائة في شركات توظف أقل من عشرة أشخاص. كما زادت حصة الأخيرة في التوظيف في الفترة نفسها من 39 في المائة إلى 42 في المائة، في حين أن حصة الشركات الكبيرة بقيت 20 في المائة، وتلك الموجودة في الوسط انخفضت من 41 في المائة إلى 38 في المائة.
ماذا يكمُن وراء انخفاض الإنتاجية وزيادة حصة الشركات الصغيرة في إجمالي التوظيف؟ طالما نحن في الموضوع، فلماذا كانت الشركات متوسطة الحجم غير حيوية إلى حد بعيد؟ يقدّم معهد ماكينزي ثلاثة فرضيات.
الأولى أن الشركات تبقى صغيرة وغير رسمية، لأن الأعباء التنظيمية والمالية الكبيرة والرسمية، بالغة الارتفاع والتكلفة. الحل هو في تخفيض الأعباء عن الشركات الرسمية وزيادتها على الشركات غير الرسمية.
الثانية هي أن الشركات الصغيرة تفتقر إلى إمكانية الوصول إلى الائتمان، ولأن نسبتها 33 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن القروض المستحقة تعتبر صغيرة للغاية. كما أنها مُكلفة أيضاً.
يجادل معهد ماكينزي بأن "احتياجات رأس المال التي لم يتم تلبيتها لشركات فيها عشرة موظفين إلى 250 موظفاً تمثل 75 في المائة، ما نُقدّر بأنه فجوة ائتمان تبلغ 60 مليار دولار في المكسيك". لذلك يجب أن يتضمن الحل تحسينات في حقوق الملكية، والإجراءات القانونية، وربما ضمانات مستهدفة.
الثالثة هي أن البنية التحتية، وتكاليف الطاقة، وتوفير المهارات وجودة الإدارة سيئة للغاية. هذا يؤثر في الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء، لكنه يجعل من الصعب بشكل خاص ازدهار الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. الحلول هي بتحديث الإدارة على جميع المستويات، وتحرير وتعزيز المنافسة. كما ينبغي أن تلعب الشراكات بين القطاع العام والخاص، بما في ذلك رأس المال الأجنبي، دوراً في توفير البنية التحتية.
تحليل معهد ماكينزي صحيح، ضمن إمكاناته، لكنه محدود، فالقطاع غير الرسمي يعمل بمثابة مكان لامتصاص العمالة الزائدة في المكسيك "كما هو الحال في الهند". الإنتاجية المنخفضة في القطاع غير الرسمي ليست مجرد نتاج ما يحدث في ذلك القطاع بل هي نتيجة تباطؤ نمو التوظيف في أماكن أخرى، إذ يتلاءم القطاع غير الرسمي مع العرض الزائد للعمالة غير الماهرة نسبياً، وغير القادرة على إيجاد وظائف في الشركات الرسمية. وبما أن الائتمان بالنسبة للشركات الصغيرة صارم للغاية، فالنتيجة هي انخفاض الإنتاجية والأجور الحقيقية.
حكومة بينيا نييتو تعي ضعف الأداء الاقتصادي في البلاد، لذلك فهي تعيد تشكيل قطاع الطاقة - من بين أمور أخرى، إنهاء احتكار "بيميكس" شركة النفط المملوكة للدولة. وفي قطاع الاتصالات، تعمل على الحد من "المكانة المهيمنة" لشركة أمريكا موفيل، التي يملكها كارلوس سليم. كما تصلح أيضاً أسواق العمل، ونظام الضرائب "الذي لا يحظى بشعبية بين دافعي الضرائب"، والتعليم "الذي لا يحظى بشعبية بين المعلمين" وسياسة المنافسة.
هذا برنامج جريء، لكن هل سيكون كافياً؟ لاحظ أن معدل نمو الإنتاجية يحتاج إلى أن يرتفع ثلاث مرات على الأقل. وحيث إن المكسيك أصلاً بلد متوسط الدخل، فإن هذا سيتطلب ليس استحداث إصلاحات موجهة نحو السوق، وإنما تحسناً جذرياً في نوعية مؤسسات الدولة.
سيحتاج القطاع غير الرسمي إلى أن يوضع ضمن نطاق إطار تنظيمي وقانوني مسانِد. فقط حين تتخذ هذه الشركات طابعاً رسمياً تستطيع أن ترجو الحصول على الائتمان والخدمات المهمة الأخرى.
وتعرض الأجور المرتفعة بقوة في الصين فرصة جديدة لشركات التصدير المكسيكية. الصادرات وحدها لن تعمل على تحويل الأداء الاقتصادي. لا بد أن تظهر الشركات الديناميكية والروح المبتكِرة في جميع أقسام الاقتصاد.
يعطينا ماضي المكسيك تحذيراً، ويعطينا حاضرها الأمل، لكن إلى حد كبير فإن برنامج الإصلاحات، وإن كان ضرورياً، إلا أنه ما زال من غير المؤكد أن يكون كافياً لتوليد التحسن الكبير في الأداء، الذي تحتاج إليه البلاد.
كلما تقدم الاقتصاد، يغلب على النمو السريع أن يزداد صعوبة. كان هذا صحيحاً بالنسبة للمكسيك منذ فترة. لا بد أن يكون جزء كبير من الجواب هو أن يصبح القطاع الرسمي أفضل، وأن يخضع لقوانين تنظيمية أقل، وأن يصبح القطاع غير الرسمي أفضل، ويخضع لتنظيم أقوى.
ما تحتاج إليه المسكيك ليس تحسناً كبيراً في السياسة فحسب، بل أيضاً تحتاج إلى تحسن في الحوكمة. وينطبق هذا على المكسيك والهند على حد سواء. دعونا نرى ما إذا كان بمقدور هاتين الحكومتين تحقيق ذلك.
( واشنطن بوست 6/6/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews