سطوع نجم اليمين المتطرف يعطل عجلة التكامل الأوروبي
كان الأداء القوي من قبل الأحزاب المعادية للمؤسسة الأوروبية القائمة طلقة تحذيرية إلى النخب السياسية - وسيعقِّد الوصول إلى هدفهم المتمثل في أوروبا أكثر تكاملاً.
كانت اللغات التي تم التعبير بها عن ذلك هي الفرنسية والإنجليزية، لكن ليلة الأحد من الأسبوع الماضي كانت نغمة تحدٍ منتشى أداها ثنائي من المتمردين السياسيين المناهضين للمؤسسة الأوروبية، على نحو أثار ذهول النخبة السياسية في باريس ولندن. في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2014، الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنسا وحزب الاستقلال البريطاني المعارض للاتحاد الأوروبي فازا، وكان فوزهما كبيراً.
إنها ليست ثورة أوروبية عالمية. انتصارات أحزاب يمين الوسط، والوسط، وأحزاب يسار الوسط في معظم الدول الـ 26 الأخرى للكتلة، خاصة ألمانيا وإيطاليا، ضمنت أن القوى المعتدلة والقوى المؤيدة للاتحاد الأوروبي، التي هيمنت على السياسة الأوروبية منذ الخمسينيات، تشغل نحو 70 في المائة من 751 مقعداً في البرلمان الأوروبي.
ومع بقاء معظم البرابرة على البوابات، عقد زعماء أوروبا في غضون 48 ساعة من نتائج الانتخابات، أول جولة من عديد من جلسات المساومات على من سيشغل مختلف الوظائف الكبيرة، لا سيما رئاسة المفوضية الأوروبية التي ستصبح شاغرة قريباً. ذلك هو ما يفعلونه كل خمس سنوات: 28 دولة في الاتحاد الأوروبي هي كيان يسير بحكم العادة، مع إدمان لا شفاء منه لاجتماعات القمة. فقط هذه المرة، تعني نتائج الانتخابات أن الأمور لم تجرِ تماماً كالمعتاد.
لا أحد أدرك هذا بابتهاج أكثر من ماري لوبن، زعيمة الجبهة الوطنية. صورتها كاميرات التلفزيون مساء الأحد وهي تتحدث أمام مؤيديها على خلفية ملصق الحملة الذي اندمج بدهاء في صورة ظلية لها مع ماريان، الرمز المبجل للجمهورية الفرنسية. وأعلنت بقوة "إن الشعب صاحب السيادة تكلم بصوت عال وواضح، كما هو الحال في كل لحظة عظيمة من تاريخه. الشعب يطالب بنوع واحد فقط من السياسة - سياسة الفرنسيين، للفرنسيين ومع الفرنسيين".
نايجل فرج، زعيم حزب الاستقلال في المملكة المتحدة، مجهز بالوطنية الإنجليزية العملية، واسم له وقع فرنسي وزوجة ألمانية، لم يكن أقل وثوقاً بنفسه: "إنه زلزال سياسي (...) جيش الشعب من حزب الاستقلال في المملكة المتحدة سيتقدم إلى الأمام من الآن فصاعداً (...) أي شيء أصبح ممكناً الآن بعد نتيجة هذا المساء".
الاختراقات الانتخابية للجبهة الوطنية وحزب الاستقلال البريطاني - لم يسبق لها مثيل في فرنسا منذ ولادة الجمهورية الخامسة في 1958، وغير مسبوقة في بريطانيا منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى ـ كانت من الصدمات الانتخابية الكبيرة، لكن ذلك ليس بسبب تأثيرها في البرلمان الأوروبي.
وإذا حكمنا بالمعايير التشريعية العالمية، البرلمان الأوروبي جمعية مخولة بصورة شاذة. فهو لا يستطيع اقتراح القوانين من تلقاء نفسه، وليست هناك حكومة تعلو على الحكومات الوطنية في الاتحاد الأوروبي ليتولى مراقبتها على طريقة البرلمانات الوطنية.
وإلى حد كبير، هذا يفسر نسبة المشاركة الانتخابية الأدنى في الأسبوع الماضي، التي بلغت 43.1 في المائة، وهي تقريباً نفسها في عام 2009. وإذا كان البرلمان لغزا بالنسبة لملايين من الأوروبيين، فإن دوره الرئيسي المتمثل في تشكيل قوانين الاتحاد الأوروبي التي تطال كل شيء، من الأسواق المالية إلى استخدام أكياس البلاستيك، لا يخفى عن جيوش جماعات الضغط من رجال الأعمال الذين يحاصرون دوائره.
وستعمل النتائج الفرنسية والبريطانية على تضخيم ختم له طابع وطني مطبوع فعلا على قالب السياسة الداخلية في اثنتين من أكبر ثلاث دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي. وهذا قد يدفع بريطانيا وفرنسا للتعامل بطريقة أكثر حدة وخشونة مع الاتحاد الأوروبي، مع عواقب محرجة بالنسبة لألمانيا التي هي الآن أكثر من أي وقت مضى، الدعامة الأساسية لتقرير مصير أوروبا السياسي والاقتصادي.
حين يدخل الزعماء قمة ما بعد الانتخابات في بروكسل، سنجد أن الزعيمين البريطاني والفرنسي، ديفيد كاميرون وفرانسوا هولاند، قد اقترض كل منهما سترة وقميصاً من خزانة الملابس الخاصة بالفاتحين الشعوبيين، من خلال المطالبة بأن يكون الاتحاد الأوروبي أقل تدخلاً في حياة البلدان. لكن خطابهما يخفي الأولويات السياسية المختلفة بشدة بينهما.
بالنسبة إلى كاميرون، الأسئلة الرئيسية هي ما إذا كان يمكن احتواء تمرد حزب الاستقلال، وتأمين الغالبية المطلقة في الانتخابات البريطانية العام المقبل، وإعادة التفاوض على شروط عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وتحقيق الفوز في استفتاء عام 2017 الذي من شأنه أن يحافظ على عضوية بريطانية، فضفاضة، في الاتحاد الأوروبي. إن فرص تحقيق شروط العضوية المتفاوض بشأنها تبدو ضئيلة بشكل كبير. قليل من حكومات الاتحاد الأوروبي لديها شهية لإدخال تغييرات واسعة النطاق على معاهدة الاتحاد الأوروبي التي قد تسترضي بعضا، ولكن ليس جميع، المعارضين للتكامل الأوروبي في حزب المحافظين بزعامة كاميرون.
وبالنسبة إلى هولاند، الذي ليس من أتباع اشتراكية الشمبانيا أو اشتراكية اليسار المتطرف أيضاً، فهو يواجه أسئلة حارقة حول كيفية دعم رئاسته المتهالكة، البالغة من العمر سنتين، وكذلك كيفية إقناع زملائه في منطقة اليورو للمساعدة في إحياء النمو الاقتصادي الفرنسي، وعلاج الأوضاع المعتلة في بلاده، التي أدت إلى رفع صوت الجبهة الوطنية، والحفاظ على فرنسا شريكاً موثوقاً به لألمانيا في توجيه الاتحاد الأوروبي.
وعلى جبهة أوسع، فإن نتائج الانتخابات تشكل تحدياً للنخب السياسية التي وضعت إطار التاريخ الأوروبي بعد عام 1945 باعتباره حكاية من التكامل الذي لا رجعة فيه ـ انطلاقاً من تجمع الفحم والصلب الذي كان مؤلفاً من ست دول عام 1951 إلى ولادة اليورو عام 1999 واحتضان الدول الشيوعية السابقة في أوروبا الشرقية والوسطى بعد عام 2004. الاتحاد الذي كان أقرب من أي وقت مضى يبدو اليوم مثل الجبل الذي هو أعلى من أي وقت مضى. يقول فابيان زوليج، من مركز السياسة الأوروبية "سيقول الناس نحن لا يمكن أن نتحرك بسبب قوة الأطراف المعادية للاتحاد الأوروبي في الوطن".
هنا يكمن خطر خاص لمنطقة اليورو المؤلفة من 18 دولة. مع سلسلة من التدابير الطارئة التي اعتمدت بعد انفجار أزمة السندات اليونانية عام 2010، أنقذ زعماء أوروبا في اللحظة الأخيرة، عملة اليورو التي شكلت أكبر خطوة اندماجية على الإطلاق في الاتحاد الأوروبي. لكن ما تبقى، على حد قول فرنسوا هايزبورج، الرئيس الفرنسي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ـ مقره لندن ـ هو "سرطان في الانتظار" – تهديد قادر على إعادة الظهور في المستقبل.
في بحث تم إعداده عشية الانتخابات لمركز دراسات السياسة الأوروبية ـ مقره بروكسل ـ كتب بول دي جراوفه، من كلية لندن للاقتصاد، ويوماي جي، من جامعة برونيل "إن التركيبة المؤسسية التي تم إنشاؤها في منطقة اليورو ليست مستدامة، ولا بد أن يتم إكمالها بخطوات نحو اتحاد في المالية العامة. هذا الأخير ينطوي على درجة من الاتحاد السياسي الذي يذهب أبعد بكثير مما تم تحقيقه حتى الآن".
مثل هذه الخطوات تظهر الآن صعوبة هائلة في تنفيذها. اتحاد مصرفي متوسع، وتشديد رقابة الاتحاد الأوروبي المركزية على الميزانيات الوطنية، وحتى سلطة تشريعية منفصلة لمنطقة اليورو – كل ذلك يواجه عقبات أكبر بكثير بعد إعطاء قطاعات واسعة من الناخبين الأوروبيين إشارة الغضب واللامبالاة بالاتجاه الذي اتخذه له السياسيون خلال السنوات الخمس الماضية. علاوة على ذلك، خف الضغط كثيراً في أسواق السندات في الأشهر الأخيرة، ما يجعل الحكومات تشعر بقدر أقل من الاستعجال بخصوص الحاجة إلى الضغط من خلال تدابير مثيرة للجدل سياسياً تحد من السيادة الوطنية.
صحيح أن بعض السياسيين الذين بنوا حياتهم على السعي لتحقيق تكامل أوثق ضمن الاتحاد الأوروبي يرفضون فكرة أن الناخبين ينظرون إلى أن "المزيد من أوروبا" غير مرغوب فيه. وعلى حد تعبير فولفجانج شويبله، وزير المالية الألماني: "الناس ليسوا ضد أوروبا. إنهم ببساطة لا يفهمون ما الذي تفعله أوروبا في الواقع".
وهو على حق، بمعنى أن الأصوات الاحتجاجية المسجلة في الانتخابات كان منها المؤيد لأوروبا. في إسبانيا توجد حركة يسارية متطرفة، مناهضة للتقشف تحمل اسم "نحن نستطيع" PODEMOS، تشكلت قبل شهرين فقط، وحصدت 8 في المائة من الأصوات وفازت بخمسة من أصل 54 مقعداً إسبانياً في البرلمان الأوروبي. ومع أنها ليست معارضة لليورو، إلا أنها تريد زيادة في ميزانية الاتحاد الأوروبي وتؤيد سيطرة الحكومة على الطاقة والغذاء والاتصالات والنقل وغيرها من القطاعات. منصة هذه الحركة تشبه سيريزا الفائزة في الانتخابات في اليونان، التي تهاجم بعنف دائني البلاد الأجانب لأنهم كانوا السبب في إفقار اليونانيين، لكنها تريد البقاء في منطقة اليورو - وفقاً لشروط الجناح اليساري. ولسيريزا و"نحن نستطيع" موقف إيجابي من أوروبا ليس لديه شيء مشترك مع صوت اليمين المتطرف في المجر أو هولندا. حتى في فرنسا، فإن أعداداً كبيرة من الناشطين وأنصار لوبن لا يتفقون مع البند الرئيسي في برنامجها الذي يدعو لخروج الفرنسيين من منطقة اليورو.
مع ذلك أدت الانتخابات الأوروبية إلى زيادة حدة الخلافات وسقوط ضحايا. كان أول الرؤوس التي أطيح بها هو الفريدو بيريز روبالكابا، زعيم الحزب الاشتراكي المعارض في إسبانيا، وايمون جيلمور، نائب رئيس الوزراء في إيرلندا، وزعيم حزب العمال، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم. لم تنجح محاولة الانقلاب ضد نيك كليج، نائب رئيس الوزراء البريطاني وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، لكنها أوضحت مقدار الذعر الذي انطلق قبل الاقتحام الماكر من حزب الاستقلال لحدائق المؤسسة السياسية.
الاهتمام يتحول الآن إلى اختيار رئيس المفوضية المقبل، مع عدم وجود مرشح أوفر حظاً في الأفق، لكن مع كاميرون العازم تماماً على إفساد طموحات جان كلود يونكر، رئيس وزراء لوكسمبورج السابق. هناك صراع على السلطة، غامض تماماً بالنسبة إلى الأوروبيين العاديين، يلوح الآن بين الحكومات الوطنية التي تحرص على حماية حقهم في الترشيح، والأعضاء المنتخبون حديثاً في البرلمان الأوروبي، الذي يملك قوة الموافقة النهائية. أيا كان الفائز، فإن الخطر هو أن الخاسر غير المحظوظ سيكون مرة أخرى هو الاتحاد الأوروبي والصورة العامة المشوهة له.
( فايننشال تايمز 2014-06-04 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews