فقاقيع "نتنياهو" الجديدة
تعيش إسرائيل في تخبط وارتباك متواصل، ومن كابوس دولة ثنائية القومية، إلى خوفها بأن تصبح دولة "أبرتهايد" منبوذة، وهذا وضع قد يطول، وهو ناجم عن تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني، المنصوص عليها في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهي ثوابت لا يُلغيها الاحتلال، ولا مرور الزمن، و"نتنياهو" الذي يتبجح باتهامه الفلسطينيين باتخاذ إجراءات من جانب واحد، والمقصود توجههم للأمم المتحدة للانضمام إلى اتفاقيات دولية، فهو نفسه –أي "نتنياهو"- جاءت جميع إجراءاته في الأراضي الفلسطينية أحادية الجانب، فتوجهات القيادات الإسرائيلية متناقضة مع بعضها البعض، وفي كل يوم يطرحون اقتراحات جديدة، كان آخرها ما طرحه "نتنياهو" بالقيام بخطوات أحادية الجانب للخروج من المأزق والجمود السياسي الذي تعاني منه إسرائيل، وبالتالي فإنها قد تتعرض لضغوط وعزلة دولية، مع أن "نتنياهو" لم يوضح توجهاته الجديدة، فهو يبرر ذلك مستنداً إلى توجهات الرأي العام الإسرائيلي لعمل شيء ما، خشية تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، يصبح فيها عدد اليهود والفلسطينيين في فلسطين التاريخية متساوية، فـ "نتنياهو"الذي يصنف في إسرائيل بأنه مخادع وكاذب، أطلق فقاعته ومناورته الجديدة معترفاً بأنه لا وجود لزعامة فلسطينية قادرة على قبول الحد الأدنى من طروحاته، فهو يعترف بأن الفلسطينيين يرفضون الاملاءات، ويريدون الحرية والتخلص من الاحتلال وإقامة دولتهم المستقلة، ومع أن العالم حتى أوروبا والولايات المتحدة يحملون إسرائيل مسؤولية انهيار المفاوضات، لكن لـ "نتنياهو" موقفا آخر في تحميله الرئيس الفلسطيني المسؤولية.
لنفترض جدلاً بأن "نتنياهو" سيقوم بإجراء من طرف واحد، كما فعل "أرئيل شارون" عام 2004، بالانسحاب من قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى انشقاق حزب الليكود، فإن "نتنياهو" لا يتمتع بأغلبية في حكومته وفي الكنيست لأي انسحاب من جانب واحد، فهناك معارضة داخل حكومته، ورفض مطلق لتقديم أية تنازلات، مهما كانت صغيرة، حتى أن وزير الشؤون الإستراتيجية "يوفال شتاينتس" المقرب جداً لـ "نتنياهو"، يعارض القيام بأية خطوات سياسية تجاه الفلسطينيين، والوزير "نفتالي بينت"، يصر بأن ما يسمى بأرض إسرائيل كلها ملكاً لليهود، وستكون تحت السيادة الإسرائيلية، وأنه سيتقدم إلى الكنيست بمشروع قانون لضم الأراضي التي تشكل ثلثي مساحة الضفة الغربية، والمصنفة بـ "ج" حسب اتفاق أوسلو، وإزالة جدار الفصل العنصري للتمدد أكثر داخل الأراضي الفلسطينية، فـ "نتنياهو" من خلال فقاعته الجديدة، يريد ضرب عصفورين بحجر واحد، داخلياً وخارجياً، فهي رسالة إلى الإسرائيليين الذين يريدون الحل، بأنه ليس مع الجمود، لإشاعة الأمل في نفوسهم وإخراجهم من حالة اليأس والإحباط، ورسالة إلى الخارج والمجتمع الدولي لوقف الضغوط الدولية التي يتعرض لها.
لقاء الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" مع وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" في لندن في الشهر الماضي، لم يسفر عن جديد، ولا يزيد عما طرحه "كيري" أثناء فترة المفاوضات، وأن "كيري" على استعداد للمضي قدماً استناداً إلى اتفاق الإطار، الذي عمل عليه المبعوث الأميركي "مارتين إنديك"، ورفضته إسرائيل، بل أن هذا الاتفاق لم يوضع على الرف، وأن العائق بأن إسرائيل ترفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى، كما ترفض تجميد البناء الاستيطاني، ولا تريد البحث في موضوع الحدود، وهذا كشف أساليبها أمام العالم لوضع العقبات أمام الحل، و"كيري" طلب من الرئيس الفلسطيني في هذا اللقاء، عدم تصعيد الأمور خلال الفترة المقبلة، عبر توجهه بطلب للانضمام إلى مؤسسات جديدة في الأمم المتحدة، وضمان أن تكون الحكومة الفلسطينية الجديدة، حكومة معتدلة، تعترف بشروط الرباعية، خاصة نبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل، والسؤال: أين هي اللجنة الرباعية؟ ماذا فعلت وماذا تفعل؟ فهل هي في موت سريري، وهنا ينتهي دورها؟ فحكومة "نتنياهو" التي تنتهك كل شروط الرباعية، دون أن يوقفها أحد ويطالبها الالتزام بها، بل يطالبون الفلسطينيين فقط الالتزام بشروط الرباعية، بينما إسرائيل غير ملتزمة بمسيرة السلام، ولا نبذ العنف، ولا بالاتفاقات الموقعة، مع وجود اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، إلا أنهم يصرون ويكررون المطالبة بهذا الاعتراف.
خارطة طريق الرباعية الدولية منذ عام 2003، والتي أقرت بالإجماع في مجلس الأمن الدولي، والتي أقرت حل الدولتين، عارضتها مؤسسات حزب الليكود وعارضوا إقامة الدولة الفلسطينية، حتى أن الوزيرين نفتالي بينت، وأوري أرئيل، من حزب البيت اليهودي، اقترحا في الحكومة، حذف كلمة دولة فلسطينية من محاضر الحكومة، وإسرائيل نقضت ما سبق أن تعهدت به بتفكيك جميع البؤر الاستيطانية التي أنشئت منذ شهر آذار 2003، وفقاً لتقرير المبعوث "ميتشيل"، وخريطة الطريق التي وافقت عليها حكومة الليكود، وحسب شروط الرباعية، كبح جماح البناء الاستيطاني، وأن هذا البناء يجسد نكثاً لشروط الرباعية، خاصة أنه يستبيح أعمال العنف، ويشوش على احتمال إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية، والقدس الشرقية، قابلة للحياة، ونكث سافر للالتزامات والاتفاقات.
الوزيرة "تسيفي ليفني" مسؤولة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين اعترفت أن النشاط الاستيطاني أضر بإسرائيل وبالفلسطينيين وبالمفاوضات، مؤكدة أنها لا تستطيع الدفاع عن البناء والتوسع الاستيطاني، وتقول أن هناك وزراء لا يريدون السلام، وفي طليعتهم الوزيران من البيت اليهودي، "نفتالي بينت"، و"أوري أرئيل"، مع أن هناك في إسرائيل من يعتبر أن نهاية حل الدولتين ستكون مصيبة تاريخية على إسرائيل، وعلى الرغم من تهديد رئيس الوزراء بإقالة الوزيرة "ليفني" لاجتماعها مع "أبو مازن" في لندن، فسبحان المغير والذي لا يتغير، فقبل سنوات قليلة، كانت إسرائيل وبحرارة تدعو إلى توسط دول العالم من أجل المفاوضات المباشرة، ولقاء قادة الشعب الفلسطيني، لكن تهديد "ليفني" بالإقالة، سيكلف "نتنياهو" ثمناً باهظاً، قد يؤدي لانهيار حكومته، إلا إذا عمل على استمالة الأحزاب الدينية بضمهم لحكومته، و"نتنياهو" –حسب الأديب الإسرائيلي المعروف "ديفيد غروسمان"- عبقري في التلاعب والخداع، فهذا الأديب قلق على مستقبل إسرائيل، ويخشى مما قد يحصل للمجتمع الإسرائيلي بسبب سياسة "نتنياهو" وحكومته.
"نتنياهو" الذي تراجعت أسهمه حزبياً، مقابل زيادة أسهم اليمين المتطرف، استغل المصالحة الفلسطينية في حملته الدعائية، داخلياً وخارجياً، وحسب المحللين الإسرائيليين، فإن هذه المصالحة أنقذت حكومته من السقوط، فالمصالحة نزلت عليه هدية سماوية ليستغلها ضد الفلسطينيين أمام العالم، وأمام تحالفاته الائتلافية، فانهيار الحكومة، وإجراء انتخابات مبكرة للكنيست، لا تصب في مصلحته، وفي توقيت غير مريح للأحزاب الإسرائيلية.
الأحزاب اليمينية الإسرائيلية معروفة بتوجهاتها الرافضة لاعتبار الضفة الغربية أرضاً محتلة، مؤكدين أنه لن تقام دولة أخرى بين النهر والبحر باستثناء دولة إسرائيل، وحسب جريدة "يديعوت احرونوت 29-4-2014، فإنهم يبررون توجهاتهم هذه، على خلفية المزاعم التالية:
1. سيطرة الأردن على الضفة الغربية لم تكن قانونية
2. لا وجود لشعب فلسطيني
3. لا ذكر للقدس في القرآن الكريم
4. لم يكن للعرب في مرحلة الاحتلال البريطاني سيادة على أرض فلسطينية -"وهل كان لليهود سيادة".
5. وعد بلفور أعطى ضفتي نهر الأردن إلى الكيان الصهيوني.
6. مطالبة الفلسطينيين بدولة بدأت بعد حرب عام 1967 وليس قبلها.
7. العرب في المناطق عاشوا دوماً تحت حكم أجنبي.
إن هذه الادعاءات نوقشت ودحضت حتى من قبل الإسرائيليين أنفسهم، وما قرارات الأمم المتحدة، والاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين إلا دليل على أنها مخادعة ولا مصداقية لها، بما فيها احتفاظ إسرائيل في الضفة الغربية بصفتها محتلة، وأنها تحت الحكم العسكري، تدار من قبل حاكم عسكري، وضباط عسكريين، وأوامر عسكرية.
وتطالب هذه الأحزاب اليمينية-كما جاء في الجريدة- باعتراف الفلسطينيين بالملكية الحصرية لليهود على فلسطين، وبنظرهم لا فرق بين العرب مواطني إسرائيل وبين العرب في الأراضي المحتلة، وأن المواطنة قابلة للإلغاء ولذلك يطالبون الاعتراف بيهودية الدولة، وأن على الفلسطينيين تسليم منازلهم، وهذا أخذ ينغرس عميقاً في المفهوم والوعي الإسرائيلي اليميني، وسيطهرون غور الأردن من العرب، فالطريق لأن تصبح إسرائيل كجنوب إفريقيا في العهد البائد وأن تصبح منبوذة، أصبح ممهداً، فالحكومة الإسرائيلية تعتبر أن السلام يشكل خطراً عليها، حتى ان "إسحاق شامير"، كان في أعقاب فشل كل محاولة تسوية مع الفلسطينيين يتنفس الصعداء ويقول أنه: "زال تهديد السلام، لنتمكن من مواصلة البناء الاستيطاني"، لكن "نتنياهو" المخادع الذي أعلن عن ما يسمى بحل الدولتين، وأنه سيقلب حجراً على حجر في البحث عن تسوية فإنه كاذب وانكشف كذبه أمام العالم، فتفكير واتجاهات اليمين الإسرائيلي أن شروط السلام الذي يريدونه، استسلام الفلسطينيين لشروطهم، ومع أن الرئيس الفلسطيني نجح في تعرية إسرائيل عالمياً، فإنه يتطلب من القيادة الفلسطينية، في ضوء المواقف الإسرائيلية الرافضة للسلام، العودة إلى الأساسيات ألا وهي قرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرار (181) وهو القرار الذي قسم فلسطين إلى دولتين، فإسرائيل تقف حتى دون ورقة تين من مسيرة السلام، علينا التعامل معها بالمثل.( المصدر : جي بي سي نيوز 3-6-2014)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews