رحلة هيلاري إلى البيت الأبيض تبدأ مبكرا
كل شيء في المناسبة تفوح منه رائحة مسيرة الحملة الانتخابية، ابتداء من المنظمين المتوترين الذين يحدقون عن كثب في الحضور عند المدخل، إلى الشهادات السخيفة التي تم تسليمها قبل وصول ضيف الشرف. كانت وسائل الإعلام قد حُشرت في الجزء الخلفي، كما لو كانت في تجمع انتخابي، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة مفتوحة وكأنها تتهيأ للقتال.
لعبت هيلاري كلينتون دورها، أيضاً. تارة برفعها التوقعات مع دخولها المتألق، والمتأخر، لمكان الحدث في النيوزيم في واشنطن، ثم خفضتها بلطف تارة أخرى مع الخطاب الذي تطرق بعناية إلى التحديات الأمريكية، دون الالتزام بطرق محددة للتصدي لها.
عادة ما تجري الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة في وقت مبكر من السنة قبل الانتخابات نفسها، مع تشكيل لجان استطلاعية وجمع قوائم المؤيدين المحتملين والجهات المانحة.
ومع أنه لا يزال هناك أكثر من عامين ونصف على انتخابات عام 2016، إلا أن الدعائم لدعم حملة فوز هيلاري بانتخابات الرئاسة قد نصبت إلى حد كبير. فقد تم تشكيل لجنتين سياسيتين، إحداهما لجمع أسماء المتطوعين المحتملين في جميع الولايات الخمسين، والأخرى جاهزة لجمع المال. وتعمل وحدة الاستجابة السريعة المنحازة للديمقراطيين - فريق داخل غرفة عمليات الحملة ليصد على الفور هجمات المعارضة - بالفعل بهمة عالية وتعتبر قيد التشغيل.
المجموعة الرابعة "سيدتي الرئيسة" كانت قد أطلقت في العام الماضي من قبل قائمة إميلي، وهي شبكة ناشطة نسوية، لتنشيط قضية وضع امرأة في البيت الأبيض.
ويقول هارولد آيكس، مستشار بيل وهيلاري كلينتون، الذي يحظى بثقتهما منذ فترة طويلة "لا أعتقد أني رأيت في حياتي هذا النوع من النشاط في هذه المرحلة المبكرة". العملية السياسية التي مارسها باراك أوباما ضدها على نحو فعال جداً في عام 2008 تندمج الآن مع عملية هيلاري. هذا يعطيها مزايا ضخمة، ويلفت إليها الانتباه - والمال - بعيداً عن مرشحين بديلين لترشيح الحزب الديمقراطي.
وقال مستشار أوباما السابق، ديفيد بلوف، لتلفزيون بلومبيرج "إذا ما ترشح شخص (آخر)، فإن الأمر سيكون حقاً فقط لمحاولة إعداد نفسه للمستقبل". بمعنى أنه يسعى لبناء اسمه والظهور على قناة MSNBC ـ النظير الليبرالي لقناة فوكس اليمينية.
لكن صعود هيلاري في وقت مبكر يحمل مخاطر واضحة. فقد سبق أن تم تكريسها باعتبارها المرشح الأبرز للفوز بترشيح الحزب عام 2008، لكن الذي حدث هو أن أوباما تغلب عليها، مع أنه كان في ذلك الحين من خارج الصفوف. ولا تزال كلينتون متقدمة مسافة واسعة على المنافسين المحتملين من كلا الحزبين في الوقت الراهن، إلى درجة أنه لا يوجد أي هدف سواها لإطلاق النار عليه.
وقد يكون الأسوأ هو ما يقوله المشهد عن السياسة الأمريكية الحديثة، حيث يجد مسؤولو المناصب العامة بكافة انتماءاتهم، أنفسهم مضطرين إلى إدارة حملات تعبر الدورات الانتخابية وحتى دورات حكام الولايات.
وبعيدا عن أن يكون سباقا للخيل، وهي الصورة التي تقدم بها وسائل الإعلام المنافسات السياسية، يشبه السباق نحو انتخابات 2016 رحلة حول العالم، مع منطقة توقف لتغيير الملابس وإضافة ركاب، وإعادة ملء الخزينة. وهكذا الحملة الدائمة - وهو مصطلح صيغ في عام 1980 من قبل سيدني بلومنتال، وهو صحافي عمل في وقت لاحق مساعداً لكلينتون – بالكاد تتوقف من أجل النوم في القرن 21.
ويقول فين ويبر، عضو الكونجرس الجمهوري السابق الذي يعمل حاليا مستشاراً في واشنطن، متحدثا عن البداية المبكرة لكلينتون "إنه وضع غير مسبوق على الإطلاق. أقرب سابقة لهذا أستطيع أن أفكر فيها هي أيزنهاور في عام 1952، لكن عملية الترشيح أصبحت مختلفة بشكل كبير بعد ذلك".
وفي الوقت الراهن تعتبر أيضاً حملة من دون مرشح. وحتى مع تكرار هيلاري أنها لم تقرر ما إذا كانت ترغب في الترشح وإنها لن تقرر حتى العام المقبل، تم إجراء استطلاعات للرأي في الولايات الحاسمة، سجلت فيها صدارتها على زملائها الديمقراطيين، والجمهوريين المعارضين، المحتملين.
ورد فعل المختصين السياسيين الذين تنحصر مهمتهم في تعقب مثل هذه الاستطلاعات يدل على مدى المبالغة وأحيانا السريالية التي أصبحت عليها هذه العملية. يقول مايك مورفي، المستشار السياسي الجمهوري "الاقتراع الرئاسي الآن مثل إجبار شخص ما على أكل تفاحة وكيس من الطحين، ومن ثم سؤاله عما إذا كان قد أحب طعم فطيرة التفاح التي تخطط لصنعها في العام المقبل".
بطبيعة الحال تغذي هيلاري كلينتون وزوجها هذا النشاط المحموم. فكل منهما عقد بشكل منفصل أكثر من 12 حدثاً في أسبوع واحد في منتصف أيار (مايو) قبل صدور كتابها "الخيارات الصعبة" في العاشر من حزيران (يونيو) الجاري، الذي تتحدث فيه عن الفترة التي قضتها في أعلى منصب دبلوماسي في أمريكا.
والكتاب نفسه قد تم اقتباس مقاطع منه بعناية، مع مقتطفات نشرت في مجلة "فوج" وخلال عدد من المناسبات، ما أدى إلى طفرة في مبيعات ما قبل النشر. التباعد الملموس بين البيت الأبيض والكونجرس، وهما في وضع أشبه بالخصام حول قضايا السياسة العامة الكبيرة، وجَّه أيضا الاهتمام إلى هيلاري. ولأن وسائل الإعلام ـ التي تعتبر ضيقة الصدر وهائجة وتتحمل فوق طاقتها ـ تشعر بالملل مع أوباما، فهي تهيم في كل مكان بحثاً عن شخصية جديدة.
وإذا كانت هيلاري تحاول تثبيط مؤيديها، فهي قد فشلت. "مستعدون لهيلاري"، لجنة العمل السياسي الفائقة التي تقدم قوائم المؤيدين المحتملين، كان قد تم تشكيلها بمجرد انتهاء حملة انتخابات عام 2012. ومع أن معظم المنظمين في لجان الحزب الديمقراطي كانوا قد أمضوا وقتا في الاحتفال بفوز أوباما بعد حملة إعادة انتخاب مرهقة، بدأ آدم باركومنكو دعوة الأصدقاء لتشجيع هيلاري للترشح.
وكما يقول باركومنكو (28 سنة) الذي عمل على حشد حملة هيلاري عام 2008: "أنا لست واحداً من أولئك الأشخاص الذين ينظرون إلى الوراء ثلاث أو أربع سنوات، وأتساءل ما الذي يمكن القيام به لإحداث فرق".
في مكتب صغير في أرلينجتون في ولاية فيرجينيا، عبر نهر بوتوماك الذي يفصلها عن واشنطن، يوجد لدى لجنة "مستعدون لهيلاري" نحو 20 موظفاً بدوام كامل. ويتم رسم الخطط على ألواح الكتابة للاتصال بالمجتمعات الأمريكية الأصلية (الهنود الحمر)، وكذلك مع الأمريكيين من أصل يوناني، لتزويدهم بتفاصيل مكتوبة بالخط اليوناني.
وهناك غرفة أخرى محشوة بالهدايا التذكارية ليتم بيعها من خلال شبكة الإنترنت. وفي كل ليلة يتم تحديث قائمة المؤيدين المحتملين ويتم إرفاقها بملف الناخبين.
وكما هو الحال مع لجنة العمل السياسي، منعت لجنة "مستعدون لهيلاري" من قبل قانون الانتخابات من التنسيق مع أي مرشح، أو في هذه الحالة، مع أي مرشح محتمل. ومساعدو كلينتون القدامى، مثل آيكس، كانوا غير سعيدين في البداية لرؤية اللجنة وهي تعمل. والآن هو مستشار غير رسمي للمجموعة.
ويقول باركومنكو "إذا قررت الترشح، فسيكون كل شيء منظماً". وكما يحب أن يقول هارولد، في محطة قطار واحدة. وإذا أتى القطار فسنكون على استعداد للمغادرة في الوقت المحدد".
جورج سوروس، صاحب المليارات الذي هو في بعض الأحيان مانح عملاق لمصلحة الديمقراطيين، انضم باعتباره الرئيس المشارك لتمويل المجموعة. وعلى الرغم من أنه لا توجد قيود على لجنة العمل السياسي لجمع التبرعات، بلغ الحد الأقصى لتبرعات "مستعدون لهيلاري" 25 ألف دولار. ويقول باركومنكو "تبرع سوروس بها حتى وصلت كحد أقصى 25 ألف دولار. نحن متحمسون حقاً لكسبه إلى جانبنا".
وعلى مدى السنوات الست الماضية، سحب أوباما نوعا من السم من اليمين السياسي كان موجهاً إلى هيلاري وكلينتون. لكن بدأ الجمهوريون في التحرك لإعادة التركيز على العودة المحتملة للأسرة الأولى من الديمقراطيين.
وفي أيار (مايو) الماضي أشار كارل روف، مستشار جورج بوش السابق، إلى أن هيلاري عانت تلفا في الدماغ عندما سقطت وأصيبت بارتجاج في المخ عام 2012. وكانت تلك وسيلة رهيبة لإثارة موضوع سن هيلاري وجعله قضية موضع نقاش - إنها ستكون في الـ 69 من العمر في 2016، نفس عمر رونالد ريجان عندما انتخب في عام 1980- ودلالة على الأشياء التي ستحدث بعد ذلك. وهذا الأسبوع وصفها روف بأنها "قديمة وبايتة". وهناك الظل التي يلقيه زوجها. مونيكا لوينسكي، المتدربة في البيت الأبيض التي تورطت مع كلينتون حين كان رئيساً، عادت إلى الظهور في مجلة فانيتي فير في الشهر الماضي. لكن أنصار هيلاري يصرون على أن النقاش ينبغي أن يكون حولها وليس حول زوجها. ويقول آيكس "إنها ستصبح الرئيسة"، مضيفا أن كلينتون "لن يكون رئيساً مشاركاً لها".
ومن الناحية السياسية، ساحة المعركة تعتبر أقل وضوحاً. لكن بدأ الجمهوريون بتوجيه أنظارهم إلى الفترة التي عملت فيها كلينتون وزيرة للخارجية مع أوباما. وبالنسبة لمؤيديها، السنوات الأربع خدمت هيلاري رئيسة للدبلوماسية الأمريكية رفعتها خارج عالم السياسة الداخلية المسببة للخدوش، وساعدت على محو نقاط الضعف التي لاحقتها عام 2008.
ويقول آيكس "أعتقد أن الناس رأت هيلاري جديدة ومختلفة، وأكثر تطوراً، وأقل ميلاً للمشاكسة، وقادرة حقاً على دخول الساحة الدولية بكل الثقة والمعرفة". ويضيف "ترشيحها بوصفها امرأة لتكون القائد الأعلى للبلاد في وقت الإرهاب الدولي له تعقيداته الخاصة". ويتابع "لم نكن حقا نفهم تماماً كيف سينظر الناس إلى ذلك ويتحدثون عنه [في عام 2008]".
لكن هيلاري وفريقها تعثرا عندما طلب منهما تسمية إنجازاتها المميزة وهي في منصبها. ويحاول كتابها تدارك ذلك، لكن في لمحة خاطفة مسبقة يوم الثلاثاء، لجأت مرة أخرى إلى إيراد سفرها الواسع النطاق وزيرة للخارجية، قائلة إنها زارت "112 دولة" وسافرت مسافة مليون ميل تقريباً.
هذا اللجوء إلى "دبلوماسية عداد المسافات" جلب عليها الانتقادات منذ فترة طويلة. ويقول إريك إيدلمان، الذي خدم في وزارة الدفاع الأمريكية في إدارة جورج دبليو بوش "من المؤكد أن مقياس النجاح ليس الأميال التي تقطعها في الطائرة مع البعثات الجوية الخاصة".
ويعترف إيدلمان بأن هيلاري "هائلة، وشخصية ذات خبرة لها معرفة واسعة في العالم". ويقول إنه منذ كانت في مجلس الشيوخ، حصلت أيضا على "احترام متذمر" من بعض الجمهوريين، ربما لأنهم يعتبرون وجهات نظرها أكثر وسطية من أوباما.
ومع ذلك، عندما سلمت المنصب إلى جون كيري، كانت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية تعاني، وظلت المصالحة السياسية التي قد تمنع حرباً أهلية أخرى في أفغانستان بعيدة المنال. وكانت سورية في لهيب، ومصر ليست ببعيدة عن الانهيار، وكانت ليبيا مغمورة بالأسلحة.
وأي احترام يمكن أن يشعر به الجمهوريون تجاهها تجري إراقته الآن، مع الإعلان في الشهر الماضي عن لجنة مختارة في الكونجرس للتحقيق في الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي قبل انتخابات عام 2012، الذي قتل فيه أربعة أمريكيين، بينهم السفير.
وتم تصوير هذه الحادثة منذ فترة طويلة كما لو أنها فضيحة على قدم المساواة مع ووترجيت، في حلقة من التغذية الراجعة ذاتية التعزيز لوسائل الإعلام المحافظة. وخطط الجمهوريون لاستخدام اللجنة للتأكد من بقاء قضية بنغازي في عناوين الصحف. وكما يقول إيدلمان "ويمكن أن يعود هذا إلى مطاردتها – ذلك أن هذا هو الوقت الوحيد الذي فقدت فيه الولايات المتحدة سفيراً لها منذ عام 1979".
بمعنى من المعاني، يفترض أن تشعر كلينتون بالسعادة، لأن الجمهوريين يخشونها باعتبارها مرشحة متمرسة لديها قدرات هائلة على جمع التبرعات في وقت لا يزالون فيه يهضمون الهزائم المتتالية وتمرد حزب الشاي.
يقول مايكل تونر، وهو رئيس وكالة لتنظيم الإنفاق على الحملات وكان منحازاً للجمهوريين في السابق "من المرجح أن حملتها الانتخابية ستسحق جميع الأرقام القياسية للتبرعات. تستطيع هي وزوجها جمع مئات الملايين من الدولارات، وسيكون الجمهوريون متعطشين لإيقافها". وإذا ترشحت، كما يقول تونر "المسرح سيكون معداً لأكبر سباق رئاسي في التاريخ".
(فايننشال تايمز 2014-06-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews