نتائج تؤكد استمرار التعافي في منطقة اليورو
بدت مؤشرات ما وصف بـ «تواصل التعافي البطيء في منطقة اليورو» أكثر وضوحاً في أرقام الربع الأول لهذه السنة والتي أعلن عنها الأسبوع الماضي، وأكدت أن نمو الناتج الإجمالي الحقيقي تحول إلى اتجاه تصاعدي في كل من ألمانيا وإسبانيا، بينما استمرت فرنسا وإيطاليا في مواقعهما المتأخرة.
وعزا تقرير أصدرته «مجموعة بنك قطر الوطني»، المحرك الرئيس لهذا الازدواج في سرعة النمو في المنطقة، إلى الجهد الذي بذلته كل دولة لاكتساب مزيد من التنافسية خلال السنوات الأخيرة من طريق تقليص تكاليف اليد العاملة على نحو ما تم في ألمانيا.
لكن التقرير رأى أن تواصل العملية الداخلية المتمثلة في تشديد السياسات مهم، وإلا فإن مستويات النمو في منطقة اليورو ستتفاوت أكثر بين بلدانها، مع ما يحمله ذلك من مؤشرات مهمة حيال استقرار منطقة اليورو.
وتشير نتائج الربع الأول من هذه السنة إلى أن التعافي في منطقة اليورو يسير بسرعتين مختلفتين، فبينما نمت ألمانيا بسرعة تجاوزت التوقعات (0,8 في المئة على أساس ربع سنوي) جاءت الدول الأخرى خلفها بكثير، واستمر النمو في إسبانيا (0.4 في المئة) في التسارع في اتجاه إيجابي للربع الثالث على التوالي. وعلى رغم عدم إعلان أرقام النمو في إرلندا، إلا أن التوقعات تُجمع على حدوث نمو مماثل فيها عند 0,5 في المئة.
من ناحية أخرى، تستمر فرنسا (صفر في المئة) وإيطاليا (0.1-)، في التخلف عن بقية دول المنطقة، بينما يظل الانكماش في اليونان عند (1.1-) في المئة وفي البرتغال عند (0.7-) في المئة بفعل تدابير التقشف المالي المضمّنة في برامج الإصلاح المدعومة من صندوق النقد الدولي. وترتّب على هذا النمو الاقتصادي المزدوج السرعة نمو أسوأ من التوقعات في منطقة اليورو بنسبة 0,2 في المئة فقط في الربع الأول من العام الحالي.
وعن تفسير هذا الازدواج في سرعة النمو في منطقة اليورو، أشار تقرير «قطر الوطني» إلى «أن سببه التنافسية مقاسة بكلفة اليد العاملة لكل وحدة إنتاج. فما يحرك النمو هو قدرة الشركات على المنافسة في الأسواق العالمية، ما يعتمد إلى حد كبير على كلفة اليد العاملة في هذه الشركات، خصوصاً في الاقتصادات المتقدمة، فعندما ترتفع تكاليف اليد العاملة من دون حدوث ارتفاع مقابل في إنتاجية العامل، تفقد الشركات التجارية تنافسيتها».
ولفت التقرير إلى أن في الإمكان أن يؤدي فقدان مقدار كبير من التنافسية إلى إجبار الشركات على خفض نشاطاتها أو حتى الإقفال. وعلى مستوى الاقتصاد ككل، فإن فقدان التنافسية يعني نمواً أقل وبطالة أعلى مع التراجع الذي يحدث في كل من الطلب الخارجي والمحلي على سلع البلاد وخدماتها.
ويصدق هذا أكثر في حالات الدول التي لديها عملة مشتركة، مثل منطقة اليورو، حيث ينعدم خيار إعادة اكتساب التنافسية من طريق إضعاف العملة. وأشار إلى أن مسيرة الاقتصاد في منطقة اليورو ظلت خلال الأعوام الـ15 الماضية مدفوعة بدرجة كبيرة بعامل تكاليف اليد العاملة، بدءاً من عام 2013.
وبدأت ألمانيا سلسلة إصلاحات في سوق العمل استهدفت خفض تكاليف اليد العاملة لزيادة تنافسية شركاتها وخفض مستوى البطالة. وعملت هذه الإصلاحات التي عرفت باسم «بيتر هارتز» رئيس اللجنة التي أوصت بهذه الإصلاحات، على الإبقاء على تكاليف اليد العاملة عند مستوى أقل من متوسطها في منطقة اليورو خلال الأعوام الـ12 الماضية، ونجم عنها ارتفاع في نمو الاقتصاد الألماني، إضافة إلى تحقيق ألمانيا أحد أدنى معدلات البطالة في أوروبا.
ولفت التقرير إلى أن الدول الأخرى في منطقة اليورو لم تتبع النموذج الألماني في الحال، وعندما ارتفعت تكاليف اليد العاملة بسرعة خلال العقد الأخير في اليونان وإرلندا والبرتغال وإسبانيا، ضعّفت تنافسية اقتصاداتها وتحولت نحو الداخل باتجاه القطاعات المحلية، مثل القطاع العقاري، للإبقاء على زخم النمو. وفي نهاية الأمر، عندما اتسعت الفجوة بين تكاليف اليد العاملة في ألمانيا ودول منطقة اليورو الطرفية إلى الحد الذي أدى إلى حدوث هروب مفاجئ لرؤوس الأموال بسبب عجز هذه الاقتصادات عن توليد العائدات المطلوبة، اشتعلت أزمة منطقة اليورو.
وعلى رغم الدروس القاسية لأزمة منطقة اليورو، فإن ثاني وثالث أكبر الاقتصادات فيها عجزا حتى الآن عن حشد الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات اللازمة، ومع ذلك أصبحت تكاليف اليد العاملة في هاتين الدولتين هي الأعلى بين دول منطقة اليورو.
ونتيجة لذلك، استمرت كل من فرنسا وإيطاليا في مؤخر حركة التعافي خلال الربع الأول من السنة وسجلت الدولتان ارتفاعاً قياسياً في معدل البطالة. ويظل التعافي في منطقة اليورو عموماً، هشاً ومعتمداً على استمرار تشديد الضغط على كلفة اليد العاملة.
وأكد التقرير أن ما يثير القلق هو استمرار اتساع الفجوة في أداء النمو بين ألمانيا وإسبانيا من جهة وفرنسا وإيطاليا من جهة أخرى، ما يشير إلى الحاجة لتشديد السياسات للحد من تكاليف اليد العاملة في الدولتين الأخيرتين. ومن دون مثل هذه السياسات المتشددة، من الممكن أن ينهار التعافي الاقتصادي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews