تحدّيات منطقة اليورو وحاجاتها
زادت نسبة تباين الصورة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي في السنة الأخيرة، لا سيّما أننا نرى أميركا تتعافى بشكل ثابت من مشكلاتها المتأتّية نتيجة الأزمة المالية العالمية في حين أنّ أوروبا تترنّح في بطالتها ونموّها.رغم أنّ البنك المركزي الاوروبي بدأ أكبر عملية تيسير كمي لغايته، يبدو وحسب دراسة مارتن فيلدتشاين، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد، أنّ هذه العملية قد لا تكون كافية لزيادة الدخل والحدّ من البطالة وخفض معدّل الديون مقارَنة بالناتج المحلّي الاجمالي. علماً أنّ ذلك أدّى الى انخفاض قيمة اليورو ممّا يساعد في تحفيز صادرات منطقة اليورو.
هذا الأمر يساهم الى حدٍّ ما في زيادة الناتج المحلّي ورفع أسعار الاستيراد والتحرّك بعيداً من الانكماش. لكن وعلى ما يبدو، ودائماً حسب فيلدشتاين، هذه الاجراءات غير كافية ويجب على دول منطقة اليورو ألّا يتراخوا في جهود الإصلاح على أساس الافتراض بأنّ البنك المركزي الاوروبي وما يقوم به من شراء سندات سوف يحلّ المشكلات. كذلك عليهم السعي لتنفيذ تغييرات هيكلية في سوق العمل وسوق المنتجات بما يؤدّي الى تحسين الانتاجية والقدرة التنافسية وزيادة الطلب الكمّي.
وإذا ما كان للتيسير الكمّي قدرة على تحفيز النموّ والعمالة في الولايات المتحدة فهذا لا يعني أنه سوف ينجح في منطقة اليورو- والتفسير المنطقي. لهذا الامر يبدأ عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في شراء الأصول على نطاق واسع في عام ٢٠٠٨. في ذلك الوقت كان سعر الفائدة على سندات العشر سنوات حوالى ٤ بالمئة، والتزام الفيدرالي إبقاءَ الفوائد متدنّية لفترة طويلة ساهم في رفع المعدل الطويل الأجل الى ١،٥ بالمئة.
هذا الانخفاض شجّع المستثمرين على شراء الاسهم ما ساعد في رفع أسعارها- كذلك أسعار فائدة الرهن العقاري والتي ساهمت الى حدٍّ بعيد في انتعاش سوق الاسكان، وهذا ما أدّى الى زيادة الناتج المحلي بشكل عام، وأدّى كذلك الى ارتفاع إنفاق المستهلك ما دفع الشركات الى زيادة الانتاج والتوظيف.
هذه الآلية الرئيسة التي نجحت في الولايات المتحدة قد لا تعمل في منطقة اليورو، وقدرة الفيدرالي على خفض أسعار الفوائد الطويلة الأجل لا تقابلها قدرة مماثلة في اوروبا حيث هذه الاسعار هي في الواقع متدنّية جداً (خمسون نقطة لسندات العشر سنوات في ألمانيا وفرنسا و١٥٠ نقطة في إيطاليا وإسبانيا).
أضف الى ذلك انخفاض قيمة اليورو مقارنة بالدولار الذي وربما لن يكون كافياً، والوضع في أوروبا مختلف ولديهم مشكلة الديون وتكلفة الائتمان أغلى في الكثير من هذه الدول.
هذا ما يزيد الفارق بين نسخة التيسير الكمّي الاوروبي ومثيله الاميركي. وهناك على الأقل اربعة اسباب تجعل عملية التيسير الكمّي الاوروبي اقل فعالية من مثيلاتها في أميركا وإنكلترا، من أهمها:
١- إيرادات السندات التي انخفضت محاصيلها في الاشهر القليلة الماضية.
٢- دور المصارف لا سيما وأنّ سير الأعمال في اوروبا يستند فعلياً على الاقتراض من المصارف اكثر منه من الاسواق المالية لذلك يبدو أنّ نجاح التيسير الكمّي في أوروبا مرتبط وبشكل كبير باستعداد المصارف لهكذا اقتراض. (الأسواق الاميركية تستند أكثر الى أسواق رأس المال).
٣- الصادرات- إذ إنّ الكثيرين من الخبراء الاقتصاديين يعتقدون أنّ نجاح عملية التيسير الكمّي ستحصل عبر العملة التي سوف تفقد من قيمتها ما يساعد أيضاً في زيادة الصادرات. مع العلم أنّ هذا الأمر قد لا يكون منطقياً في كثير من الأحيان، والمثل الياباني خير دليل على ذلك إذ إنه وفي العام ٢٠١٢ انخفض الدين بشكلٍ حاد ولم يحدث أيّ ارتفاع في الصادرات اليابانية.
وقد تكون أهم هذه الاسباب الطبيعة المتغيّرة للتجارة الدولية. هذا ما ينطبق كذلك على المملكة المتحدة في حين أنّ شراء الأصول ساعد على انخفاض قيمة الجنيه بينما استمرّ العجز في الميزان التجاري للمملكة.
٤- سياسة البنك المركزي، وعلى أهميّتها، تختلف ما بين الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الاوروبي خصوصاً أنّ ما حدث من تحفيز لسياسة التيسير الكمّي في أميركا وما عاناه دراغي قبل البدء بهذه العملية والمعارضة التي واجهها لا سيما من الالمان الذين رأوا فيها خطورة وسبباً يجعل الحكومات تتراخى في موضوعات الاصلاحات. كذلك بنك اليابان مع كورودا والذي يعاني ايضاً من الضغوط في هذا المجال.
هكذا نرى أهمية السياسة الموحَّدة التي ساعدت اميركا للخروج من الأزمة المالية بنسب بطالة متدنّية واقتصادات نامية بشكل مضطّرد وهذا ايضاً هو السبب الذي أبقى اوروبا متخلّفة عن تحقيق أيّ نموّ وتشكو من بطالة بلغت في بعض دولها نسب الـ ٢٥ بالمئة.
تبقى أيضاً مشكلة التوقيت والتحدّيات وسياق اقتصادي مختلف جعل حتى الآن التيسير الكمّي ينجح في أميركا بينما يتلكّأ ولحينه في أوروبا واليابان وساعد على ذلك مشكلات سياسية وتقاليد مصرفية تركت اوروبا وحيدة متأخرة عن الدول المتقدّمة في هذه العملية.
كذلك هنالك عوامل اخرى وجب النظر اليها إذ إنّ المشهد الجيوبوليتيكي متغيّر ومن المستحيل فكّ آثار التيسير الكمّي عن العوامل الاقتصادية والسياسية الاخرى فأسعار النفط الرخيص ومخاطر أثينا وما يحدث على حدود أوروبا الشرقية وغير ذلك من الأمور يمكن أن يعطي فكرة ما اذا كان ذلك سوف يساعد أو يعرقل عملية التيسير الكمّي وتوجيهها. أضف الى ذلك عامل الثقة كون المصارف سوف تدفع بعملية الإقراض الى الأمام.
هذه الامور على اختلافها وخلفيّاتها تجعل من عملية التيسير في اوروبا غير دقيقة و قد لا تأتي بالنتائج المرجوّة- ومحاولة رئيس البنك المركزي الاوروبي توسيع استخدام التدابير غير التقليدية لتلافي خطر الانكماش قد لا تساعد في استجابة اوروبا وخروجها من الركود الذي تعاني منه ولا في حماية اليورو أو تلبية أهداف المركزي الاوروبي.
(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2015-11-13)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews