رسالة أردوغان الأرمنية... جوفاء
قبل يوم واحد من الموعد الذي يعتبره الأرمن تاريخ المذابح الأرمنية أصدر رئيس الوزراء (التركي)، رجب طيب أردوغان، بياناً ترحم فيه على الأرمن الذين قتلوا في ظروف صعبة بداية القرن العشرين، وقدم التعازي إلى أبنائهم وأحفادهم. هذا البيان له أهمية من ناحيتين فحسب: اعتراف الحكومة التركية بأن تاريخ 24 نيسان (أبريل) 1915 هو تاريخ بداية عملية تهجير الأرمن. ففيه اعتقل 200 مثقف قومي أرمني في إسطنبول وهجروا إلى الجنوب، وخلال عملية تهجيرهم قضى كثر منهم. ويتناول بيان أردوغان نتائج غير إنسانية نتجت من عملية التهجير، وهو يقصد تهجير الأرمن من الأناضول ومعاناة هؤلاء الموت والجوع والمرض في رحلة طويلة من العذاب. والنقطة المهمة الثانية هي تقديم أردوغان العزاء لأحفاد هؤلاء الأرمن الذين فقدوا حياتهم. ولكن أهمية هذين الجانبين من الخطاب متواضعة. ويبالغ بعضهم في تصويرها على أنها بداية مرحلة جديدة. ولكن خطابه لا يمد اليد من أجل بدء صفحة جديدة وتعزيز العلاقات بين تركيا وأرمينيا ولا يرقى إلى مد الحكومة اليد إلى الأكراد. فرئيس الوزراء بدد الأمل في مصالحة مع أرمينيا حين عقب هذا البيان بالقول إن الحدود لن تفتح مع أرمينيا ولن تطبع العلاقات معها قبل حل مشكلة إقليم قره باغ بين أرمينيا والشقيقة أذربيجان! والموقف هذا يضع تركيا أمام طريق مسدود. فأرمينيا لن تتصالح مع أذربيجان ولن تنسحب من الأراضي التي احتلتها من أجل عيون تركيا أو التطبيع معها. وما أشبه اليوم بالأمس، أي في 2009 على وجه التحديد حين بدأت مساعي مصالحة مع أذربيجان: حوار وزيارات. ولكن تصريحات أردوغان وأدت، بعد أسابيع، تلك المحاولة في مهدها عندما ربط المصالح مع الأرمن بقضية قره باغ. ويومها عاد الفضل إلى أوروبا في استمرار المفاوضات بين أنقرة ويريفان. ولكنها كانت جوفاء واقتصرت على أمور تقنية. وعلى رغم تعدد تفسيرات إخفاق الحوار مع أرمينيا، لا شك في أن أحلام الخارجية التركية الضعيفة الصلة بالواقع والإعداد هي وراء الفشل هذا. فأنقرة حسِبت أن في الإمكان مواصلة مفاوضات سرية مع أرمينيا من وراء ظهر أذربيجان، ولم تتوقع الخارجية التركية الرد الأذري الغاضب على هذه العملية. ومن أبرز أسباب فشل الحوار مع أرمينيا والانفتاح على الأكراد في 2009، هو سعي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم إلى استمالة دعم الغرب إليه، وأميركا على وجه التحديد، في حربه ضد العسكر. فالحكومة أرادت أن تقول للغرب بأنها حليفته وأنها تنفذ توجهاته بالانفتاح على الأكراد والأرمن، وأن الجيش كان العائق الذي يحول دون هذه المصالحة المزدوجة. ومع احتدام المعركة الداخلية مع العسكر، أهملت تلك الملفات. فالحكومة لم تسعَ فعلاً الى انفراج حقيقي مع أرمينيا. ولذا، لم يعد الحزب الحاكم المحاولة بعد انسحاب العسكر من السياسة.
ويقول أردوغان إن تركيا اقترحت إنشاء لجنة من العلماء والمؤرخين من أجل بحث حوادث 1915، وأن الاقتراح التركي لم يطوَ بعد. والحق يقال لم يعد الاقتراح قائماً. فأرمينيا كادت توافق عليه مقابل فتح الحدود بين البلدين وبدء عملية تطبيع تستند إلى بروتوكولات وقعت بين البلدين. ولكن هذه البروتوكولات بقيت حبراً على ورق، وربطت تركيا تنفيذ بنودها بالملف الأذري. وعليه، سقط اقتراح إنشاء لجنة مؤرخين. والأرمن لا يقبلون التشكيك في ما حدث معهم ولا يرون أن ثمة ما يدعو إلى البحث في التاريخ، لكنهم قبلوا الاقتراح التركي حينها إذ أدرج في سياق مجموعة من الاتفاقات، ولا يمكن أن يعودوا إلى قبوله من غير مقابل.
ولا شك في أن بيان العزاء هذا لن يكون فاتحة شيء. والفائدة التي ترتجيها الحكومة منه هي ضرب من العلاقات العامة من أجل تقليل الخسائر في مواجهة الحملة العالمية التي سيبدأها الأرمن قريباً في المئوية الأولى على التهجير والمجازر العام المقبل في جميع أنحاء العالم، وتجميل مظهر الحكومة التركية في عيون الغرب بعد فضائح حديقة غازي بارك وقمع الحريات والتظاهرات السلمية وحظر تويتر ويوتيوب والظهور أمام العالم الغربي بوجه جديد. وإذا كان لدى الحكومة أدنى قدر من الصدقية في توجهها «الأرمني» هذا، فحري بها على الأقل أن تواظب سنوياً على إصدار هذا البيان في هذا التاريخ وألا تكتفي بمرة واحدة.
( المصدر : مللييت التركية 2014-05-02 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews