فلتكن العين على مجلس الإدارة
لقد أدت المتطلبات المتزايدة لبيئة العمل في العقد الأخير إلى تغير جذري في الدور المنوط بمجالس الإدارات في جميع أنواع الشركات، إذ لم يعُد الدور الحالي، الذي يقتصر على المصادقة على الميزانيات السنوية مع إصدار توصيات بخصوص الأداء التشغيلي ومناقشة التوسعات المستقبلية للشركة، يناسب متطلبات المرحلة الحالية.
وكي نتحدث عن الدور المنوط بهذه المجالس في ظل بيئة العمل الحديثة ينبغي علينا بدءا أن نتذكر أن مجلس الإدارة هو الجهة التي تم تعيينها من قبل مساهمي الشركة لرعاية مصالحهم وتحقيق غرض الشركة ومنظومتها للقيم، ويجدر بنا أن نذكر في هذا الإطار صعوبة تحديد الغرض لمجالس الإدارة الحالية، حيث يتم خلطه في كثير من الأحيان بأهداف قصيرة المدى، وغالبا ما تشتكي الإدارات في الشركات المساهمة من ضغوط كبيرة من قبل حاملي الأسهم لتحقيق نتائج أفضل على حساب أهداف أكبر تضمن استمرارية الشركة على المدى البعيد.
لقد أظهرت إحدى الدراسات أن الشركات التي حققت أفضل الدرجات في عدد من المعايير، وهي: وضوح الرسالة، استمرارية النموذج الخلقي للشركة، الاستثمار في الموارد البشرية، والاستثمارات طويلة الأجل، هي التي استطاعت أن تحقق أفضل درجات الأداء في السوق المالية وتحقق عوائد فاقت بأكثر من 15 مرة متوسط أداء السوق. هذا ما سعت إليه شركة ستورا السويدية منذ تأسيسها منذ أكثر من 700عام كمنجم نحاس قبل أن تصبح إحدى الشركات المتخصصة في صناعة الورق.
حيث اعتمدت على نهج واضح يتمثل في: سياسة تمويلية محافظة، مع التركيز على الاستثمارات طويلة الأمد، الحفاظ على بيئة عمل قوية ومترابطة، مع التعهد بالمحافظة على البيئة. ويظهر جليا بعد التحليل الدقيق لهذه الشركة ومثيلاتها أن السر في الاستمرار يكمن في وضع نموذج إداري واضح منذ التأسيس يتعهد أعضاء مجلس الإدارة باتباعه والمحافظة عليه، وعلى الرغم من تغير نشاط الشركة إلا أن النهج ظل ثابتا على مدى الأعوام.
كما أن هذه الشركات تتميز إلى جانب وجود نموذج إداري واضح منذ التأسيس، بالمحافظة على القيمة وتعزيزها، ونعني بالقيمة في هذا الإطار، القيمة الأخلاقية للشركة التي تؤدي إلى تقليل الفساد لحد كبير، وبالتالي زيادة قيمة هذه الشركات عند انتقالها إلى الأجيال القادمة. وتأتي في مقدمة القيم، تلك التي تتعلق بالموارد البشرية للشركة، حيث إن الشركات المتفوقة هي التي تستثمر استثمارات ضخمة في هذا الإطار، وأكدت بعض الإحصائيات إنفاق بعض الشركات الرائدة عالميا ميزانيات تتعدى 15 في المائة من مداخيلها في تطوير مواردها البشرية، سواء عن طريق البرامج التدريبية الخارجية أو التدريبات في مقر العمل. كما أن الشركات الرائدة في هذا المجال عالميا أصبحت تعتبر الموظف جزءا لا يتجزأ من الكيان، فهو شريك في صناعة قرار توجهات الشركة والعديد من القرارات المهمة الأخرى.
وتبرز في هذا السياق شركة دكتور ريديز الدوائية، وهي إحدى الشركات التي قامت على أساس أن تكون الأدوية في متناول الجميع، كما أنها من جهة أخرى أعطت صلاحيات واسعة لموظفيها ليصبحوا شركاء فعليين في الشركة، وهذا ما عبر عنه الموظفون في الاستبيان الذي تم توزيعه عليهم، ففلسفة الشركة تقوم ببساطة على إلغاء الهيكلية الإدارية التقليدية والاعتماد على فرق العمل.
مثل هذا النهج المبتكر في الإدارة، أدى إلى تقليل الفساد إلى حد كبير حسب التدقيق المنفذ من قبل طرف ثالث على جميع الأقسام الداخلية في الشركة، فالموظفون أصبح إيمانهم بقيم الشركة عالياً، إلى جانب الحس العالي بالمسؤولية تجاه الشركة وأدائها. انعكس كل ذلك بشكل مباشر على مستوى مداخيلهم وبالتالي على الجودة المعيشية.
والأهم من ذلك كله أنهم تمكنوا من الحفاظ على قيمة الشركة الحالية، متمثلة في أصول الشركة، بل زيادتها، عند انتقالها إلى الجيل التالي، الذي ورث أصولا أكثر قيمة، ونموذجا رائدا لإدارة الشركة ينبغي المحافظة عليه ونقله بسلاسة إلى الجيل الذي يليه.
( الاقتصادية 2/5/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews