العمالة الوافدة والاقتصاد الخفي في دول مجلس التعاون
يمكن الزعم بأن معضلة الاقتصاد الخفي في دول مجلس التعاون الخليجي أقل سوءا مقارنة ببعض الاقتصاديات الأخرى بسبب عامل الضريبة. الاقتصاد الخفي مشكلة دائمة في الدول التي تفرض ضرائب مرتفعة نسبيا الأمر الذي يوفر الأرضية لذهاب البعض لخيار التهرب الضريبي.
فحسب دراسة عالمية من تنفيذ كريستوفر باجادا و فريدريك شنايدر، يشكل الاقتصاد الخفي حوالي 19 في المائة من حجم الاقتصاد في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي أي في حدود ما هو سائد في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وجلها من دول الاتحاد الأوروبي وتحديدا 19.4 في المائة. لكن تقل النسبة عن تلك السائدة في الدول النامية وقدرها 28 في المائة.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون، مصدر الاقتصاد الخفي لحد كبير عبارة عن العمالة الوافدة وذلك حسب دراسة ميدانية قمنا بإعدادها في إطار ورقة بحثية. فقد تبين بأن بعض أفراد العمالة الوافدة وجلهم من دول آسيا يقدمون خدمة التوصيل من خلال المطارات والمجمعات التجارية، كل ذلك بهدف تعزيز مصادر إيراداتهم.
على سبيل المثال، يقدم بعض الأجانب كما هو الحال مع المواطنين على تقديم خدمات للحجاج خلال موسم الحج في السعودية مثل التوصيل والبيع بالقطعة وبالتالي الحصول على أموال لكن من دون رصد واضح للأنشطة لأسباب تشمل تحاشي دفع أموال الزكاة.
من جهة أخرى، يعاني أحد الاقتصاديات الخليجية من معضلة الفري فيزا، إذ يعمل ذوو النفوذ والجاه لترتيب مجيء أفراد من العمالة الأجنبية والزج بهم في سوق العمل بحثا عن وظائف تدر عليهم مبلغا من المال. ولقاء خدمة تأمين التأشيرة يحصل الميسر المحلي من العامل الوافد على مبلغ متفق عليه. تشكل العملية برمتها استغلالا لحاجة البعض وتحايلا على القوانين.
وعلى هذا الأساس، تواجه العمالة المحلية منافسة غير عادلة بالضرورة في الوقت الذي عليهم تحمل أعباء معيشية لإعالة أفراد أسرهم. أو على أقل تقدير، يقدم حملة هذه التأشيرات على تقديم خدمات مثل التوصيل بأسعار أقل من تلك السائدة في السوق بهدف كسب زبائن لكن على حساب المواطن والذي يحمل رخصة سيارات الأجرة يترتب عليها رسوم. كما يمتهن البعض الآخر مهنة غسل السيارات، إذ ليس من الواقعي جلب شخص للقيام بهذه الخدمة.
أيضا يعمل البعض الآخر باعة لبعض المنتجات مثل الأسماك والفواكه أمام دور العبادة والإشارات الضوئية. تشكل الظاهرة فسادا ماليا وإداريا بحاجة لمواجهة من قبل المسؤولين لأننا أمام ظاهرة غير صحية وطبيعة.
تشمل النقاط السلبية لهذه الظاهرة اختيار حملة تأشيرات الفري فيزا لوظائف تتطلب مهارات مهنية ربما لا يكونون مؤهلين لها مثل فني كهربائي. وتنشر الصحف المحلية بين الحين والآخر قصص سقوط أفراد من العمالة الوافدة ضحايا نتيجة العمل في وظائف حساسة دونما تحمل صاحب تأشيرة الفري فيزا التزامات واضحة.
وتبين من خلال البحث بأن أكثر من اقتصاد خليجي يخوض ظروف استغلال أفراد من العمالة الأجنبية لبعض التحديات لتحقيق أموال إضافية من خلال استخدام عرباتهم الشخصية لتوفير خدمة المواصلات المحلية من دون ترخيص أو تحمل أية التزامات. تتوفر هذه الخدمات الخاصة وهي غير مرخصة خارج المجمعات التجارية فضلا عن نقاط الوصول في بعض المطارات ما يعني عمليا مزاحمة العمالة المحلية أو سيارات الأجرة والقطاع التجاري برمته.
يقتضي الصواب مواجهة حالات قيام مواطنين وأجانب بأنشطة تجارية دونما ترخيص حفاظا على مصالح العملاء والشارع التجاري. كما تتسبب بعض الأنشطة غير المرصودة بالنيل من دقة المجموعات الإحصائية.
في المحصلة، تضيف الأنشطة التجارية الخفية للجاليات الأجنبية في إطار الاقتصاد غير المنظم أو الخفي في دول مجلس التعاون الخليجي لمعضلة الوصول لإحصاءات اقتصادية محدثة ومتكاملة بما في ذلك القيمة الفعلية للناتج المحلي الإجمالي. بل ليس من المستبعد أن يكون الحجم الفعلي للناتج المحلي الإجمالي في دول كل دولة من المنظومة الخليجية أعلى من المعلن. ويزداد الأمر ضبابية في ظل غياب تطبيق نظام ضريبي على المبيعات والدخل.
وفي كل الأحوال، المتوقع من الجهات الرسمية محاربة التربح عبر استغلال حاجة البعض سواء كان مرتكبيها من المواطنين أو العمالة الوافدة حفاظا على مصالح القطاع التجاري وعامة الناس بما في ذلك المسائل الصحية والالتزامات في حال حصول أخطاء.
كما لا مناص من تنفيذ برامج مدروسة لمحاربة مسألة العمالة السائبة في أوساط العمالة الوافدة كما هو الحال مع مشروع نطاقات في السعودية لتحقيق أهداف منها تعزيز فرص العمل للمواطنين من جهة والتصدي لظاهرة الاقتصاد غير المنظم من جهة أخرى.
تعتبر ظاهرة التجاوزات العمالية المرتبطة بالحج أحد الأسباب وراء اتخاذ السلطات السعودية لخطوات استثنائية لتنظيم سوق العمل من خلال مشروع نطاقات الحكومي. يهدف المشروع والذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2013 إلى تنظيم سوق العمل من خلال الضغط على مؤسسات القطاع الخاص بتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين. يتعلق الخيار بمنح تأشيرات للعمالة الأجنبية بناء على مستوى توظيف المواطنين السعوديين في المؤسسات.
مؤكدا، تستحق العمالة الوافدة كل التقدير في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال العمل في مختلف القطاعات. لكن في الوقت نفسه يجب عدم السكوت عن حالات العمالة السائبة أو العمل من دون أوراق صحيحة حفاظا على مصالح الجميع.
وفي هذا الصدد تنشر وسائل الإعلام المحلية قصصا فظيعة حول طبيعة سكن الأجانب وخصوصا العزاب منهم، إذ يصل الحال لسكن 10 أفراد في غرفة واحدة مستخدمين مرفقا صحيا واحدا مع ما لذلك من تداعيات سلبية على المجتمع بأسره، حيث يتعامل هؤلاء مع الناس بما في ذلك الأطفال.
( الشرق 21/4/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews