شركات إدارة الأموال تنطوي على مخاطر ينبغي التصدي لها

هل ينبغي أن تخضع المجموعات الكبيرة لإدارة الأموال للقوانين التنظيمية باعتبارها مؤسسات مالية مهمة تؤثر في النظام المالي بأكمله، بالطريقة نفسها التي تُعامَل بها البنوك العالمية الضخمة؟ مكتب الأبحاث المالية في وزارة المالية الأمريكية طرح هذا السؤال، ويبدو أنه يميل إلى أن يكون الجواب "نعم". لكن صناعة إدارة الأموال تختلف مع هذا الرأي.

هذا السؤال أساسي في المساعي الرامية إلى تشكيل نظام مالي في مرحلة ما بعد ليمان يكون مناسباً للغرض. وهو في الوقت نفسه سؤال صعب للغاية.

دعوني أبدأ بتمييز واضح. شركات إدارة الأموال الخاضعة للتنظيم هي عبارة عن وكلاء. فهي تستثمر أموال الناس الآخرين، وتستحدث صناديق باعتبارها شخصيات اعتبارية ضمن الشركات التي تديرها. وهي – ضمن الفضاء الخاضع للتنظيم على الأقل – لا تقترض بضمان الأصول التي تقتنيها في صناديقها. وبحسب كل واحد من هذه الاعتبارات، تعتبر مختلفة عن البنوك الشاملة التي تستخدم الرفع المالي وتستثمر في أموالها الخاصة.

البنك الكبير يمكن أن يتسبب في خطر منهجي شامل للنظام حين يقترض فوق الحد اللازم، ثم يتكبد من الخسائر في قروضه ما يكفي ليمحق رأس ماله. وعند هذه النقطة يُلحق الخسائر بجميع الذين أقرضوه. وإذا كان البنك كبيراً للغاية – مثل ليمان براذرز – من الممكن أن يتبع ذلك أزمة مالية تصيب النظام بأكمله.

ويُظهِر انهيار صندوق التحوط لونج تيرم كابيتال مانجمنت عام 1998 أن صناديق التحوط التي تعوم على الرفع المالي يمكن أن تتضخم في حجمها إلى درجة أن انهيارها يمكن أن يهدد كامل النظام المالي. لكن شركات إدارة الأموال الكبيرة الخاضعة للتنظيم، التي تتولى رعاية الصناديق المشتركة وصناديق التقاعد، لا تشكل مخاطر شاملة بهذا المعنى.

مع ذلك، هل هناك معنى يمكن فيه لشركات إدارة الأموال أن تتسبب في مخاطر شاملة؟ نعم. بداية هي صناديق ضخمة للغاية وقوية، حتى وإن كانت المخاطر التي تشكلها على النظام مختلفة عن مخاطر البنوك. ففي نهاية 2012 كان لدى عشر من هذه الشركات أصول تحت الإدارة تزيد قيمتها على تريليون دولار على مستوى العالم. ومن خلال توجيه تدفقات رأس المال وتحديد الأسعار في الاقتصاد العالمي، تجاوزت شركات إدارة الأموال منذ فترة طويلة البنوك من حيث الأهمية.

وهذا الحجم يتسبب في مشاكل. ويشير مكتب الأبحاث المالية إلى "السعي نحو العوائد" وسلوك القطيع. وإذا قررت الصناديق الكبيرة شراء استثمارات ذات عوائد عالية، لكنها أيضاً ذات مخاطر عالية، كما حدث أثناء بيئة التسهيل الكمي التي كانت فيها أسعار الفائدة منخفضة خلال السنوات القليلة الماضية، عندها يمكن أن تتشكل الفقاعات في القطاعات الخطرة.

وهناك أيضا خطر إقفال التعاملات واسترداد الأموال، إذ تسمح الصناديق بعمليات استرداد يومية، لا بد أن تتم تلبيتها خلال أسبوع. وبالنسبة للصناديق المشتركة التي يجري تداولها في البورصة، والتي تسمح بالتداول دقيقة بدقيقة، فمن الممكن أن تكون لها "آثار غير متوقعة" تعمل على "تضخيم الصدمات المالية"، كما يقول مكتب الأبحاث. وهذا يسبب مخاطر في أن تعمل حالات الانسحاب الجماعي على تحويل الهلع إلى عملية هبوط تغذي نفسها بنفسها.

لكن هذا لا يجعل الصناديق تشكل مخاطر منهجية بالطريقة التي كان عليها بنك ليمان، وإن كان يعمل بالتأكيد على زيادة مخاطر الانقطاع المفاجئ في السوق، الذي يمكن أن يعرض للخطر مؤسسات أخرى. والفقاعات التي تشكلت في أسهم الأسواق الناشئة، وفي العملات ذات العوائد العالية، وفي السلع الأساسية قبل عام 2008، انفجرت جميعاً بعد ذلك، ما أدى إلى حدوث مشاكل حادة في مختلف أنحاء العالم. وإلى حد كبير تضخمت الفقاعات بسبب سلوك القطيع من مديري الصناديق. هناك قضية أدق حين يعتقد المستثمرون أن لديهم دعامة ضمنية للوقاية من الخسائر، مثلما هو الحال في صناديق الأموال المشتركة. ويشير مكتب الأبحاث إلى عدة حالات في 2007 و2008 حين تدخلت الشركات المالكة للصناديق لدفع المال حتى تحول دون أن تُظهر الصناديق خسائر.

وخلال العقود الثلاثة الماضية ساعدت عدة حالات من انقطاع السوق في اختبار هذه الفرضيات. ويشير بريان رايد، كبير الاقتصاديين في مجموعة التداول "إنفستمنت كومباني إنستيتيوت"، إلى أن التدفقات الداخلة والخارجة في الصناديق الخاضعة للتنظيم لم تصل قط إلى مستويات مهمة على مستوى النظام الشامل.

وتقتفي حركة تدفقات الأموال بصورة وثيقة عوائد سوق الأسهم، ويشتري مستثمرو التجزئة عند أعلى سعر ويبيعون عند أدنى سعر. لكنهم قلة بالقياس إلى غيرهم، ولا يتجاوزون 2 في المائة من أصول الصناديق في أي شهر منذ انهيار الإثنين الأسود في أواخر عام 1987. وتشكل تدفقات الصناديق المشتركة، كنسبة من إجمالي جميع التداولات في البورصات الأمريكية الرئيسية، 8 في المائة شهرياً، وقد تراجعت دون هذا المستوى أثناء الأشهر التي أعقبت انهيار ليمان. وكانت الصناديق الأخرى تبيع أكثر منها.

ثمة قضية أخرى تثير قلق مكتب الأبحاث، وهي الرفع المالي. فقد لاحظ أن الرفع المالي في الصناديق المسجلة يخضع لقوانين تنظيمية قوية، لكنها تستخدم المشتقات بصورة متزايدة وهذا يزيد من الرفع المالي. ولأن القيمة الدفترية لشركات إدارة الأموال الكبيرة تعتبر صغيرة بالقياس إلى الأصول التي تتولى إدارتها، فإن هذا ينطوي على مخاطر منهجية. ومن الأفضل أن تحاذر من ذلك بصورة استباقية، بدلاً من الانتظار حتى وقوع الأزمة.

إلى أين يأخذنا ذلك؟ بمقدور الجميع الاتفاق على الحاجة إلى مزيد من البيانات، لكن حتى من دون البيانات من الواضح أن شركات إدارة الأموال تشكل فعلاً مخاطر لا يستهان بها وينبغي التصدي لها. لكن القوانين التنظيمية يمكن بكل سهولة أن تؤدي إلى نتائج عكسية (خذ مثلاً، الصناعة المصرفية خلال العقد الماضي حيث نجد أمثلة لا تحصى). وأي قوانين تنظيمية زائدة ينبغي تفصيلها على قدر مخاطر الصناديق، وأن تسترشد بأية معلومات تكشف عنها البيانات الجديدة.

وتأتي أعظم المخاطر من الأشياء التي لا يوجد لديها تاريخ من المشاكل، والتي لا يتصور الناس أنها تشكل مخاطر عالية. ولهذا السبب وحده لا بد من استمرار الأبحاث في المخاطر المنهجية التي تشكلها شركات إدارة الأموال.

( فايننشال تايمز 11/3/2014 )