وثائق الحرب العالمية .. بريطانيا تتجسس على «طابورها الخامس»
وفقاً لملفات نزعت عنها صفة السرية، شن ضباط المخابرات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية عملية سرية لاختراق مئات المتعاطفين مع النازية في بريطانيا والسيطرة عليهم.
وفي أهم إشارة حتى الآن إلى “الطابور الخامس” الذي كان يعمل في بريطانيا، تظاهر عميل للمخابرات البريطانية MI5 يعرف فقط باسم جاك كينج، بأنه عميل للجستابو، واخترق مجموعات من الفاشيين كانوا يزودونه بالمعلومات ظناً منهم أنه كان يرسلها إلى ألمانيا. وكوفئ هؤلاء المتعاطفون مع ألمانيا على مجهوداتهم بميداليات نازية حربية مزيفة.
إن اكتشاف حركة نشطة من أقصى اليمين في بريطانيا يضعف النظرة القائلة إن المخاوف من وجود طابور خامس أثناء الحرب لم تكن قائمة على أساس. والواقع أن العميل كينج استفاد من ستة أشخاص مهمين كانوا يعطونه معلومات عن المعجبين بزعيم الفاشيين البريطانيين، أوزوالد موزلي، وعصبة من الرهبان الكاثوليك النازيين، إلى جانب بريطانيين كانوا معجبين بهتلر.
عملية الخداع هذه التي كان يشرف عليها ماكسويل نايت، رئيس MI5، الذي قامت عليه شخصية M في روايات جيمس بوند، برزت من تحقيق مستقل حول أشخاص كان يُشتبه في أنهم خونة يعملون في سيمنز شوكيرت، الذراع البريطانية لشركة ألمانية كان يُشتبه في أنها تتجسس لصالح النازيين.
وفيما بعد تحولت العملية إلى مشروع أكبر طموحاً بكثير حين لفتت مراقبة سيمنز انتباه المخابرات البريطانية إلى ماريتا بيري جو، وهي سويدية ـ ألمانية احتجز زوجها أثناء الحرب بسبب عضويته في الاتحاد البريطاني للفاشيين.
كان تقييم بيري جو هو أنها “امرأة بلغ من عدائها الشديد لبريطانيا واستعدادها لعمل أي شيء في طاقتها لمساعدة الأعداء” أنها اعتُبِرت جديرة “باهتمام خاص”. وبعد أن تعرف عليها كينج في أوائل الأربعينيات، قال لها إنه عميل لدى الجستابو يسعى للحصول على معلومات عن بريطانيين “مخلصين 100 في المائة لأرض الآباء والأجداد” من أجل تعزيز المساندة المحلية في حال إقدام ألمانيا على غزو بريطانيا.
وأثناء العملية، تلقى جهاز MI5 معلومات عن “عشرات وربما مئات” الفاشيين الذين يوجد معظمهم في لندن وكذلك في مناطق أخرى. وكان ينهمر على كينج طوفان من المواد الاستخبارية، بما في ذلك تفاصيل الأبحاث البريطانية حول الدفع النفاث والتقنيات الحساسة الخاصة بمراقبة الرادار– وهي معلومات كانوا جميعاً يظنون أنها تذهب إلى الجستابو.
كذلك كان لدى المجموعة ما تصفه MI5 بأنه “أفكار عاطفية إلى حد ما حول عمل المخابرات”. وشجع الضباط هذه الفكرة بتزويد جماعة الاتصال الرئيسة ضمن المجموعة بمكان لقاء مناسب “في قبو محل للتحف”. ووفقاً للملفات، كان الأشخاص الذين جندهم كينج يبتهجون بالمناقشات حول الحبر السري وإخفاء خطط الدفاع في “مرطبان كبير يحتوي على مربى”.
لكن لم تكن جميع التعاملات خفيفة وبسيطة إلى هذه الدرجة. فقد استفظع مسؤولو المخابرات شهوة الدم التي كانت تظهر على البريطانيين المؤيدين للنازيين.
وفي اجتماع عقد في نيسان (أبريل) 1943 وُصفت نانسي براون، إحدى العاملات في المجموعة، بأنها شعرت “بالنشوة والفرح” من سلسلة حديثة من الغارات الألمانية على بلدتها في برايتون، بما في ذلك قصف عيادة في إحدى المدارس، حيث توفي طفلان وامرأة حامل.
وقال كينج: “حين كنت أنظر في وجوه النساء الثلاث، حاولت عبثاً أن أعثر على أي علامة على الندم. كانت نانسي براون تبدو وكأنها عينة صحية لطيفة لامرأة إنجليزية، لكن كان من الواضح أن وفاة هؤلاء الناس لم تكن تعني لها أي شيء على الإطلاق”.
وفي مرحلة لاحقة وصف جهاز المخابرات جاك كينج بأنه “أهم مصدر للمعلومات” حول مشاعر التعاطف مع النازيين في بريطانيا. لكن MI5 لم يكشف النقاب عن اسمه الحقيقي أو أي معلومات عنه.
ماريتا بيريجو، التي وصفها عملاء المخابرات بأنها “امرأة ماكرة وخطيرة” كانت شخصية محورية في عملية سرية نفذها جهاز MI5 في زمن الحرب لاقتلاع الطابور الخامس في بريطانيا.
لم يكن لهذه السويدية ـ الألمانية، المتزوجة من سجين ينتمي لاتحاد الفاشيين البريطانيين، برئاسة موزلي، لم يكن لديها هي نفسها الوقت للاهتمام بالاتحاد البريطاني للفاشيين، وكانت تعتبرهم “غير متطرفين بما فيه الكفاية”. وبدلاً من ذلك، بذلت جهوداً كبيرة لتعقب الزملاء المتعاطفين مع النازية وتمرير تفاصيلهم إلى كينج.
وكانت بيريجو حريصة على حشد المساعدة للقضية الفاشية إلى درجة أنها وظفت حماتها، إيما بيريجو، في فريق كينج، التي أسرت له بأنها تمتلك “قدرة ممتازة على حفظ أماكن البنادق”.
وفي التقارير التي كان يرفعها إلى رؤسائه، كان كينج ينظر إليها نظرة سلبية للغاية، واصفا إياها بأنها “ليست من ذلك النوع العصابي ولا الأنثوي، ولكن امرأة بارعة ومسترجلة إلى حد ما، سواء في المظهر، أو العقلية ويمكن وصفها بأنها عضو متغطرس من القبائل الآسيوية المحاربة”.
وأعرب عملاء المخابرات عن خليط من الإعجاب والخوف من “أعمال بيريجو العفوية في التجسس”، مشيرين إلى أن لديها الكثير من “الإبداع المهدور في غير محله”، وأنها قد تسبب “ضررا كبيرا” للأمن وجهود الحرب إذا لم يوضع لها حد. وفي إحدى المناسبات، بذلت جهوداً ضخمة للغاية لإخفاء خطط حساسة للدفاع البريطاني في كتفيها.
هذه “الكفاءة الملحوظة” لمهارات بيريجو الجاسوسية بلغت حداً جعل ميجر ماكسويل نايت - الذي كان يدير عملية جاك كينج - يقول إنه يود أن يضمها إلى عملائه. وفي إشارة ماكرة إلى الخدعة، يقول الملف أيضاً: “(في واقع الأمر هي عميل دون أن تدري لجهاز MI5)”.
لكن كينج نفسه ظهر باستمرار أنه غارق في قدرة بيريجو على الثرثرة وفي حماسها الذي لا يكل. وبعد أن قضى أكثر من ست ساعات معها، بما في ذلك وقت طويل أثناء الغداء من أجل استخلاص المعلومات منها، كتب يقول: “تركتُ ماريتا في السادسة مساء. قالت إن لديها المزيد من الأمور التي تريد الإبلاغ عنها. فطلبتُ منها الرحمة”.
( فايننشال تايمز 4/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews