الأمن المائي.. قضية عالمية بحاجة لحلول عاجلة
بات الأمن المائي من أبرز القضايا الملحة على أجندة أعمال المنظمات الدولية وخبراء الاقتصاد، لكونه مطلباً ضرورياً لتلبية احتياجات النمو البشري والاقتصادي والعمراني، ومطلباً مهماً لتوفير مصادر أكثر وفرة من المياه.
ويتردد كثيراً في الأوساط الدولية كلام عن شح في مصادر المياه وخلافات ونزاعات بين الدول على منابع المياه لكونها تشكل صمام الاستمرارية على كوكب الأرض.
وذكرت الأمم المتحدة في تقريرها عن مصادر المياه في الدول العربية، أنها تستحوذ على ما يعادل "10%" من مساحة العالم، ولا تتجاوز المياه العربية "1.2%" من المصادر الكونية، و "2.1%" من المياه المتساقطة.
وقد تضاعف عدد السكان ثلاث مرات من 1970 ليبلغ "360" مليوناً وقد يصل إلى "634" مليوناً في 2050 حيث يتصاعد الاحتياج الملح من المياه نظراً لقسوة الظروف المناخية والجغرافية والنزاعات الإقليمية والجفاف والتصحر.
وذكرت في مقال سابق أنّ تقريراً أوروبياً أفاد بأن الطلب على المياه سيزداد في الصين والولايات المتحدة والهند، بسبب النمو السكاني، وزيادة مساحات الريّ والنمو الاقتصادي، وفي دراسة أخرى مشتركة بين المنظمة العربية والأوروبية للبيئة، أفاد بأن العالم على مشارف أزمة مياه حادة بحلول 2025، ما لم يتم وضع معايير إدارة جيدة، مثل إقامة مشاريع إدارة المياه المهدرة وإعادة تدويرها.
ترتبط قضية الأمن المائي بالمتغيرات في الواقع، أبرزها النزاعات وتوتر منطقة الشرق الأوسط وعدم إعطاء الفرص الممكنة لتهيئة مشاريع تنموية لمصادر المياه في الدول والمناطق الصحراوية والمأهولة بشرياً.
كما يلعب الوضع الراهن للاقتصاد دوراً مؤثراً في تمويل مشاريع المياه وفي إرساء مشاريع أو إقامة مشاريع جديدة، إضافة إلى قلة المياه الجوفية الموجودة، والتصحر والجفاف والتلوث والتغير المناخي، والاحتباس الحراري، وهي جميعها عوامل تزيد من صعوبة تفعيل المشاريع التنموية والتخزينية للمياه.
وتكمن الأزمة كما تراها الأمم المتحدة في شح المياه وأزمة إدارة المصادر المتاحة لتلبية النمو السكاني، ورغم الحلول المتاحة وهي الاتفاق على آليات لإدارة المصادر الممكنة حالياً إلا أنها تصطدم بعقبات التمويل والقرارات الروتينية والاضطرابات وعدم الاستقرار في الكثير من المناطق وسيطرة حكومات عليها وانعدام الخبرات في إدارتها مما يؤدي إلى فقدانها أو هدرها بحيث لا يمكن تعويضها.
وتعتبر مصادر المياه اليوم مطلباً ملحاً للمشروعات الحكومية المستقبلية، لأنها عماد الطاقة المتجددة التي ستقوم عليها مشروعات الغد، مثل الطاقة الشمسية والكهربائية وإنتاج الكهرباء والطاقة المولدة من المياه، لذلك تسعى الحكومات جاهدة إلى إيجاد حلول سريعة لتلافي النقص والشح أو الهدر في المياه من أجل تأمين مصادر الطاقة البديلة مستقبلاً.
وقد تمكنت دول عربية بفضل إمكاناتها المادية من إيجاد تقنيات جديدة في الاستمطار الاصطناعي وتجميع مياه الأمطار وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي بهدف توفير مخزون إضافي من المياه وهذا وفق ما أشارت إليه الأمم المتحدة في تقريرها.
إزاء تلك المتغيرات فإن دول الخليج أدركت مبكراً أهمية تأمين المياه ومصادرها، وهي تسعى جاهدة لبدء مشروع الربط المائي في 2018، والذي حددته الحكومات الخليجية موعداً أولياً، كما تسعى لجعل بحر العرب وبحر عمان من أهم الروافد المائية في 2020 لمواجهة نقص المياه المحتملة، وفي إطار سعي دولي كامل لتحقيق الأمن المائي، وهذا ما تمخضت عنه اجتماعات دول التعاون العامين الماضيين.
وترى دول التعاون أن الأمن المائي ركيزة الاستراتيجيات التنموية التي تعتزم الحكومات البدء فيها وتحقيقها في 2030، وأنّ عمليات الربط المائي ستبدأ بشكل ثنائي بين الدول تمهيداً للارتباط الكلي بينها.
ويحدد مركز الخليج لسياسات التنمية في مبحثه أنّ دول الخليج الأكثر تأثراً بندرة ومحدودية المياه نظراً للمناخ الصحراوي والجفاف وتأثر "85%" من مساحاتها الشاسعة بالجفاف، وندرة المياه العذبة التي تزامنت مع الزيادة السكانية، وزيادة الطلب على الغذاء، ومحدودية التساقط المطري، واستنزاف المياه الجوفية، وقد تتفاقم هذه المشكلة في ظل ضعف أجهزة إدارة المياه، وقلة الاعتمادات المالية اللازمة لتنمية الموارد المائية.
وتفيد الدراسات البحثية بالمركز أيضاً بأنّ دول الخليج تعتبر من أكبر المناطق إنتاجاً للمياه غير التقليدية، إما بواسطة معالجة مياه البحر أو بواسطة تنقية مياه الصرف الصحي أو إعادة استخدام مياه الإنتاج الزراعي ورغم التكاليف الباهظة لتلك العمليات إلا أنها ضرورية لزيادة الطلب على موارد المياه.
وبالنظر إلى تلك الإمكانات الهائلة في تحقيق الأمن المائي بدول التعاون إلا أنها تواجه تحديات هي الأكثر صعوبة، كما حددتها دراسات سياسات التنمية بالمركز، وهي الاستهلاك المفرط لأحواض المياه الجوفية واختلاطها وتداخلها مع مياه البحر، والهدر في مياه الشرب، واستخدام طرق الريّ التقليدية وتملح التربة وارتفاع مستوى الماء الأرضي، بالإضافة إلى التحديات المؤسسية في كل دولة وهي تعدد المؤسسات وضعف الرقابة، وعدم وجود الكوادر البشرية المؤهلة وزيادة الفجوة بين النمو السكاني وإمدادات المياه وقصور السياسات المائية وغياب عنصر التكامل والشمولية.
وتعكف دول التعاون حالياً من خلال مشروعات الربط المائي والكهربائي والبدء في تفعيل الطاقة البديلة إلى تحديث الخطط الإستراتيجية المائية واتباع منهاج شامل لتنمية الموارد المائية بهدف الوصول إلى تكامل في الرؤى والأهداف الخليجية.
( الشرق 27/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews